التاسع من آب، يوم ذكرى «خراب الهيكل» الذي يحل بداية الاسبوع القادم لا يعنى فقط بمكان بل بما هو قائم في الحاضر، هنا والآن. فسبب الخراب – الكراهية العابثة – يعتمل داخلنا اليوم ايضا، يرتدي أزياء جديدة. تسمى باسم مغسول: الحرب الثقافية.
الخلاف اليهودي هو من الأمور الشهيرة. هكذا مثلا، النص الاساس في خزانة الكتب اليهودية – التلمود – موضوعه الوحيد هو مئات الاف الخلافات بين الحكماء بالنسبة للسلوك المناسب في عدد لا يحصى من الامور التي تتشكل منها الحياة البشرية. لن تجدوا هناك أي توافقات في أي موضوع؛ خلافات فقط. الخلاف هو تيار عميق في التجربة اليهودية على أجيالها.
الخلاف بحد ذاته قد يكون ثراء محفوظا لأصحابه في صالحهم. فاذا كان «لغرض السماء» فليس ثمة افضل منه لتطوير الفكر، لايضاح الفهم للواقع، لخلق عصف في المياه الراكدة وتحدي المسلمات. وقد استخدم حكماء التلمود الخلاف لهذه الاهداف بالذات. ولكن الخلاف من شأنه أن يتبين ايضا كسهم مرتد اذا ما استخدم بنزعة قوة، «لغير غرض السماء»، لهزيمة الغير، أو التوجه الى تصنيف الآخر كشخص غير جدير، التشكيك بالاخوة والتكافل المتبادل، وكنتيجة لذلك يتم الانزلاق الى الاسفل في منحدر نهايته الكراهية العابثة والخراب.
عند قيام دولة اسرائيل توقع الكثيرون من زعمائها ان تحسم الخلاف الاكبر حول الهوية اليهودية. فقد آمنوا بان جمع الجاليات في أرض اقليمية واحدة، يتمتع فيها اليهود بالهيمنة الثقافية والسياسية، سيبلور المجتمع المتشكل ويسمح بتنمية رموز وأفكار ترص الصفوف. اما الواقع، بالطبع، فيختلف جوهريا. فحتى لو تصرفنا في الاجيال الاولى كديمقراطية نظامية، يسعى أعضاؤها الى الاجماع بهدف تحقيق الاهداف الوطنية، ففي العقود الاخيرة نتميز باننا ديمقراطية مأزومة، تسير انطلاقا من خلاف ذي نزعة قوة عضال بين قوى مركزية تسعى الى تحقيق السيطرة على جدول الاعمال الوطني.
وهكذا، بدلا من أن تشكل الدولة مركزا للعمل المشترك بين اليهود، أصبحت المجال العام الذي يقيم ساحة الصراع في هذا الجيل. فالمشاركة الروحانية بين اليهود، والتي كانت واضحة من تلقاء ذاتها على مدى معظم فترة المنفى، انتهى مفعولها في الزمن الحاضر. كما أن اليقظة الوطنية الحديثة، التي هي تعبير عن المسعى لاقامة مركز جديد تعي فيه الجماعة في ظروف استقطاب ديني وثقافي، تخضع لجدال مرير.
في الحرب الثقافية الاسرائيلية يتراوح الخطاب بين المتهمين كل للجهة الاخرى، بين المحقين والمحقين في الجهة الاخرى. لقد كان بوسع القبائل ان تخلق بطانية رقع مثيرة للانطباع لو كانت تعيش الواحدة مقابل الاخرى، ولكنها عمليا تعيش الواحدة ضد الاخرى – والبطانية تتمزق. في كل لحظة نتحادث مع انفسنا حتى الجنون مع كثرة الحديث المنفرد دون حوار، بحجج متوازية لن تلتقي أبدا، بوجوه فاغرة الافواه وعديمة الاذان. نحن قريبون، كما ينبغي أن نعترف بأسف، من الكراهية العابثة.
تحذرنا المصادر: «لم تخرب القدس الا لأننا حكمنا فيها حكم التوراة». بمعنى، أن المتجادلين سعوا الى الحسم القاطع – حسب الحكم – وليس حسب العطف على الغير. أما الترجمة للغة الحالية فتوجد لدى الشاعر، المقدسي هو ايضا، يهودا عميحاي: «من المكان الذي نكون فيه محقين لن تنبت أبدا زهور في الربيع».
لا، لا ينبغي التنازل عن الخلاف. فالمسائل الكبرى حول «العهد الغاية» خاصتنا – الرؤيا الجديرة للمجتمع الاسرائيلي – تتطلب استيضاحا ولا يوجد توافق فيها. ولكن علينا أن ندير الخلاف انطلاقا من الفهم بأن لدينا «عهد مصير»، واننا اخوان في رحلة مشتركة.
عن «يديعوت»
*نائب رئيس المعهد الاسرائيلي للديمقراطية وبروفيسور في القانون في جامعة بار ايلان.
-