عصام عبد الهادي: كيف مشت على حبل الأمل؟!

د. فيحاء عبد الهادي
حجم الخط

كلما خبا الأمل، وضاقت الدنيا، وكبرت رقعة السواد الذي تغطي فضاءنا؛ أطلَّ وجهها البشوش، ومنطقها المتماسك، وتفاؤلها التاريخي؛ أطلت "عصام عبد الهادي".  
كيف مشت على حبل الأمل الرفيع، في المنعطفات الإنسانية والتاريخية كافة، بمهارة وخفة واقتدار؟!
كيف تعاملت مع الاختلاف بروح وحدوية، ومع التعصب بالحكمة والمنطق، ومع ضيق الأفق باتساع البحر؟!
كيف استطاعت أن تطرِّز في ذاكرتها أسماء شهيدات وشهداء الوطن، وأسماء أسيراته وأسراه، من المدن والقرى والمخيمات، جميعها؟! وكيف استطاعت أن تكون لسان عدالة القضية، في المحافل الوطنية والعربية والدولية؟! 
ما الذي استندت إليه في نضالها الطويل الممتد؟
ما هي القيم التي تمسكت بها؟ واتكأت عليها؟ فأمدَّتها بالقوة والصلابة المبدئية، والعذوبة والرقي الإنساني، في الوقت ذاته؟
هل هي الرؤية الواضحة/ القدرة على الانتصار (التمسك بالحقوق غير القابلة للتصرف: الحق التاريخي بتحرير فلسطين كل فلسطين، والتفاؤل الاستراتيجي، والقدرة على الاستماع، وتطابق القول والممارسة، والتماسك الوطني؟
هل هي الاستقامة، والنهج التشاركي في العمل، والجمع بين صلابة الموقف والحفاظ على الود والعمل المشترك؟!
أم هو الإيمان بالفكرة ذات الأعمدة الثلاثة، كما وصفها شقيقي سعد: الحرية والمساواة والعدالة؟!
الإيمان بالحرية على المستوى الخاص والعام، وبالمساواة، وبالتعددية/ ضد التمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللون، والنضال على الجبهة القانونية والحقوقية.
*****
"هي مناضلة فريدة، وذكية، مناضلة بكل معنى الكلمة. التلاقي مع الأخت "عصام" هو تلاقي الأرواح، تلاقي الفكر، تلاقي الأمل، تلاقي القدرة، والتصميم على العطاء، لكي نحرِّر فلسطين. طبعاً "أم فيصل" من نوع مختلف عني؛ أنا من النوع المتحرك النشط، هي من النوع الهادئ الذي يقرِّر وينظِّم، ويتعامل مع الأحداث بهدوء. تم اللقاء الفعلي، بمعنى المعرفة والعلاقة والتعامل مع بعض بعد الـ 68، بعد ما أُبعدت، وحينها شعرنا نحنا التنتين وكأننا من نسيج واحد، ونسيج متنوع الجمال، هنا وردة وهنا زهرة، هو يكمِّل بعضه. وباعتبارها رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، كانت أول امرأة في المجلس المركزي الفلسطيني، وبالتالي طبعاً كانت فرحة إلنا، لأنه إحنا كان دائماً تعرفي القيادات فوق كلها رجال رجال، فكانت هي المرأة الأولى في هذا الموقع المتقدم. الأخت "عصام"، بقدر أقول كانت العامل المرطب، العامل الهني بيناتنا، لها قرارها ولها نظرتها، وعند النقاش تناقش بهدوء، عمري ما شفتها متهجمة على حدا، هي كانت دائماً نقدها نقد هادئ، شايفة كيف؟! بعدين "عصام"، بقدر أقول إنها سيدة عظيمة مناضلة ذكية نشطة، ولكن دائماً مثل ما بيقول المثل: "وراء كل رجل عظيم إمرأة"، وأنا بقول: "وراء كل إمرأة عظيمة رجل". "أبو فيصل"، زوجها، رجل مثقف وطني قومي، كان فخور جداَ فيها، كان يساعدها، كان يعني ما يقف عثرة أمام نشاطها وأعمالها، ويعني هن التنين ربّوا عائلة، الحمد لله، عائلة وطنية ومتفاهمة. وإلها الفضل الحقيقة بتجميع القيادات النسائية الأردنية الفلسطينية دائماَ، على قضية بتخص فلسطين. وكان بيتها مقرّ  للأخوات المناضلات الأردنيات، المهتمات بالقضية الوطنية العربية، والفلسطينية بالذات. وإن شاء الله يا رب الجيل الجديد واللي بعده واللي بعده يقدروا يكمّلوا، ويقطفوا ثمار ما زرعناه، وإن شاء الله نكون زرعنا قمح، وبرتقال، وزيتون، وحتى الجمّيز".
سلوى أبو خضرا/ عمان- الأردن
*****
"حبيتها كتير، بتحسّها سيدة قوية، شخصيتها جادة، ولكن إمتن ما بدها تبتسم، وهذا كان يعطيني إعتزاز فيها، إنه هاي المرأة الفلسطينية. أنا مكنتش عايشه مع الست "عصام"، بعد خروجي من السجن، رُحت للبنان، بس كنا نتقابل بالمجلس الوطني، كانت شخصيتها قوية، وكانت تواجه حتى مع الرئيس، مع نائب الرئيس، كانت تحكي لهم كل الأفكار إللي بتدور في راسها، فالواحد يعني بعتزّ في هاي الشخصية، فهي كانت تدعم العائلات عشان ما يتركوش بيوتهم! وأهالي القدس كانت تدفع عنهم، وترفع لهم معنوياتهم، إنه في ناس بتفكر برّه، ومش منتميه لأي فصيل، كانت مستقلة، ومع إنها مستقلة كانت تساعد أي فصيل محتاج من أهالي مدينة القدس. وتحكي بهدوء، وإذا كنت إنتِ منرفزة من بعض الأشياء مثلاً، لأ، تخفف عنك، تمتصّ الغضب. كانت تسألنا عن الأخوات إللي بالسجن! وحدة وحدة، وهي خارج السجن، بس كان عندها معلومات ومتابعة لأمورنا في داخل السجن. انشاء الله إللي عملته الأخت "عصام" وإللي عمله شعبنا بروحش هدر. والله يكتِّر من أمثالها لشعبنا الفلسطيني، وشعبنا العربي، لإنه هي كانت مش تعطي بس لفلسطين، كانت تعطي لكل الأمة العربية. وأنا عندي أمل إذا مش على زمانّا، على زمن أطفالنا".
فاطمة البرناوي/ غزة
*****
"كانت "إم فيصل" مَعلم للروح الفلسطينية، جزءاً بنيوياً من نسيج الهوية الفلسطينية الخالدة، المرأة هي النموذج، المعلمة، القيادية، الأم المحبة للجميع، رعت الجميع في كل القضايا الوطنية، كانت خسارة لكل النساء في العالم العربي. كانت أول زيارة أنا عندها كانت بالبيت، من خلال دعوة الاتحاد للاجتماع، أنا رُحت مثّلت الاتحاد، وبعدين صرت أنا أروح بصفة شخصية، لإنه هي أثَّرت فيِّ كثير، صحيح أنا كنت بشتغل عمل تطوّعي، وعمل إنساني، وبالمخيمات، أنا كنت موظفة في مخيمات اللاجئين، إلاَّ إنه هي كمان أعطتني حافز أكثر، إنه يعني ما يوقِّفش الشغل بس عمل اجتماعي، والعمل النضالي كمان إله أثر كبير عليّ، مش بس على الناس، على شخصية الانسان اللي قِبل الخدمة يعني، وبعديها يعني صار في كل مناسبة، كنت بحسّ هي زيّ الأم الحنونة، كيف بتضمّ كل الفصائل، كل التوجهات السياسية، يعني على اختلافها، بس هي كانت حاضنة للكل. وفي كل مناسبة كانت هي تقود الاعتصامات. كانت في خلافات فكرية بالتنظيمات الفلسطينية، بس مع هذا كانت تستوعبهم كلهم، وتحكي لهم: إحنا مصلحتنا وَحدة، وإحنا همّنا واحد، بغضّ النظر عن الخلاف الفكري، ويللي كان أكثر بعجبني إنه كانت الناس تستجيب إلها وتحترمها، حتى اللي كانوا مختلفين معاها، يعني هي إلها كان مكانة عند الكل".
ميسر السعدي/ عمان- الأردن.