لو سألت كثيرين قبل أربعة أعوام: "كيف يمكن تخيل الجدل بشأن فلسطين والإسرائيليين في دورة الألعاب الأولمبية، في ريو بالبرازيل، العام 2016؟"، لتخيلوا أنّ الدعوات لمقاطعة الإسرائيليين بسبب الاحتلال واستمراره ستكون حاضرة. لكن الذي يحدث هو حصول الإسرائيليين على وعد بتعاطف دائم، في كل ألعاب أولمبية، ضد "الإرهاب الفلسطيني". والإسرائيليون يطلبون المزيد.
يجب أن أُقر بداية، أني لم أتابع أي شيء في هذه الألعاب، ولا أعرف عنها شيئاً، ومقاربتي لها جاءت من زاوية سياسية، ومن مصادر الأخبار السياسية ليس إلا. ولعل هذا ما دفعني، لاشعورياً، قبل أيام، للبحث عن الأفلام التي تتحدث عن عملية ميونيخ، العام 1972، التي قام فيها فدائيون فلسطينيون باختطاف فريق الألعاب الأولمبية الإسرائيلي، بهدف تحقيق هدفين: الأول، الاحتجاج على منع الفلسطينيين من المشاركة في الألعاب، ولفت النظر للقضية الفلسطينية عموماً. والثاني، المطالبة بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق اللاعبين.
وقد وجدت أفلاماً بالإنجليزية، والإيطالية، والفرنسية، تتراوح بين محاولة تقديم صورة متوازنة لما حصل، وبين تقديم صورة ناقدة، وأحياناً كاريكاتورية ساخرة من الفلسطينيين.
الأمر الثاني في الأولمبياد، الذي وجدت أخباره تصادفني، هو موضوع حجاب اللاعبات العربيات، والجدل حوله، بما يخبر عن طبيعة الجدل والأفكار المتداولة عربياً، وطبيعة الارتباك الاجتماعي والثقافي الذي يستنزف الطاقة والتفكير والاهتمام، بعيداً عن جوهر القضايا (التي هي هنا التنافس الرياضي). ولكن هذا الارتباك الشامل في التفكير والأولويات، يوضح كيف تسلل الإسرائيليون ليلفتوا الأنظار عن ضرورة مقاطعتهم -كما حدث مع مقاطعة جنوب أفريقيا رياضيا في الماضي- إلى الحصول على قرارات تمجيد وتخليد لهم.
عندما قاطع رياضيون عرب اللعب مع الإسرائيليين، كما في حالة الجزائر، أو عندما رفض لاعب مصري خسر أمام لاعب إسرائيلي، مصافحته، نال صرخات استهجان من الجمهور، من دون أن يدرك العالم، أو يتفهم، لماذا حدث ما حدث.
خرجت الصحافة العربية تقول إن الإسرائيليين تلقوا استقبالا مُهينا في الألعاب، برفض اللبنانيين استقلالهم الحافلة ذاتها. لكن بعد ذلك حصل الإسرائيليون على قرار، من اللجنة المسؤولة في الألعاب، بوضع نُصب، هو عبارة عن حجرين وزجاج، تمجد اللاعبين الإسرائيليين الأحد عشر الذين قتلوا العام 1972، وبحيث يوضع هذا النصب في كل قرية أولمبية ستجرى فيها الألعاب.
واصطحبت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ماري ريغيف، معها إلى البرازيل، أرامل للاعبين المذكورين، الذين رحلوا قبل 44 عاما. وشاركوا في حفل وضع النصب، الذي جاءه الحاضرون باللباس الأسود، وتُليت فيه أسماء الرياضيين. لكنها لم تكتفِ بهذا الأمر، بل تطالب بأن يُشار لهذه "المأساة" في كل حفل افتتاح يجرى للأولمبياد، وأن يتم وضع علم أسود في الألعاب (أي ألعاب متعددة الأطراف) ليذكر بالمأساة. وقالت إنّ هذا مهم، لأنه لا يتعلق بالشعب اليهودي وحده، بل أمر يتعلق بالألعاب الأولمبية عموماً.
كان مطلب الوقوف دقيقة صمت من أجل الإسرائيليين القتلى، مطلبا قديما طالبت به عائلاتهم دائماً. وكان الطلب يرفض من قبل المنظمين. والآن تم قبول طلبهم، ويجري تقديم مطالب جديدة؛ إذ يطلب الإسرائيليون أن يروا مطالبهم تتحقق في ألعاب طوكيو، بعد أربع سنوات.
مثل هذه المكاسب الإسرائيلية، هي نتيجة ارتباك عربي غير مسبوق، منذ منتصف القرن الماضي، على جميع المستويات؛ السياسية، والثقافية، والفنية، والأخلاقية، والرياضية.
لم يطور الجانب العربي موقفا موحدا، يحدد ما إذا كان يجب مقاطعة الألعاب التي يشارك فيها إسرائيليون، أو مقاطعة أي تعامل معهم؛ ولم يحضروا بياناتهم وحججهم ويقدموها للعالم، ليكون أي موقف يتخذونه له أسبابه الواضحة التي تحظى بالتعاطف والفهم. ولم يطالبوا طبعاً بمقاطعة العالم للإسرائيليين، كرد على جرائمهم، بما في ذلك الجرائم ضد الرياضيين الفلسطينيين. والأنكى، ضعف الأداء العربي الرياضي.
في المقابل، يتحرك الإسرائيليون بخطوط منظمة لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية والإعلامية، في كل محفل، بما فيه الألعاب الأولمبية.
عن الغد الاردنية