تبين لي أنني قد فهمت الأمر بشكل خاطئ، وذلك اثر استماعي إلى مناقشات ممثلي فصائل التيار الديمقراطي خلال لقاء، أو ورشة عمل، حول توجه التيار لخوض الانتخابات المحلية بقائمة موحدة، كنت أعتقد أن الأمر لا يتعلق فقط بقائمة انتخابية، بل أكثر عمقاً وتأثيراً من ذلك، صحيح أن بعض ممثلي هذا التيار في اللقاء المشار إليه في مدينة غزة، اعتبروا أن الانتخابات شكلت حافزاً لإرادة متوفرة وسابقة لوحدة هذا التيار، إلاّ أن بعضاً آخر، اعتبر الأمر له علاقة بإيجاد توازن بين استقطابين، ومحاولة للتأثير على القرار في مجال الحكم المحلي من خلال الفوز بهذه الانتخابات.
كنت أحسب أن وحدة هذا التيار، لا ترتبط بهذا الحدث أو ذاك، أو سيناريو من سيناريوهات المواجهة الطارئة، أو تكتيكاً انتخابياً ينتهي مع ظهور النتائج الانتخابية، أو مجرد حالة تفرضها طبيعة التوازنات الفصائلية والحزبية الحالية، لم أكن أحسب ذلك، بل انني اعتقدت أن وحدة هذا التحالف، ضرورة موضوعية يجب العمل على توفيرها بغض النظر عن الأحداث الكارثية، باعتبار أن القائمة الانتخابية الموحدة، مجرد تجل من تجلياتها وتعبير عن مكانة وحدة هذا التحالف، فبفرض أن ليس هناك حالة استقطاب في الوضع الفلسطيني، كما هو عليه الأمر الآن بين حركتي حماس وفتح، هل هذا يعني أن لا حاجة لوحدة هذا التيار؟! وهل إذا عرض على هذا التيار، موحداً أو أحزاباً متفرقة، من هذا الطرف أو ذاك، خيار تشكيل قائمة مختلفة، فهل يصح ذلك في مواجهة أطراف أخرى من هذا التحالف؟ في هذه الحالة، شهدنا تجليات خطيرة في السابق، فهل من الصحيح أن يستمر الوضع تكراراً للتجارب الخاطئة السابقة؟
وللتذكير، وبناء على دراسة كتبها الرفيق الراحل تيسير عاروري، فإن قوى وفصائل اليسار الفلسطيني خاضت ست محاولات مركزية من أجل وحدة اليسار الفلسطيني، المحاولة الأولى كانت عام 1993 اثر الإعلان عن اتفاق اوسلو، باسم حركة الإصلاح الديمقراطي في م.ت.ف، واقتصرت عضويتها على أعضاء المجلس الوطني من التيارات الديمقراطية آنذاك، بينما المحاولة السادسة كانت عام 2003 باسم التجمع الديمقراطي الفلسطيني، بدون الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وللتذكير فقط فإن هناك تجمعاً مشتركاً بين الجبهتين، تم إقراره وتنفيذ خطواته الأولى في تسعينات القرن الماضي، باسم "القيادة المشتركة" إلاّ أن هذه القيادة لم تغادر خطواتها الأولى.
إذن نحن أمام محاولات حثيثة متواصلة، لوحدة هذا التيار، جزئياً أو كلياً حتى في الوقت الذي لم تكن هناك حالة استقطاب، ولم تكن هناك انتخابات، إلاّ أن فشل كل هذه المحاولات، لا يجب أن يثنيها عن التصدي لكل عوامل الفشل، وربما جاء الوقت الآن، على ضوء تعقيدات الوضع الفلسطيني الراهن، لكي تتوفر ظروف افضل لنجاح المحاولة السابقة، أما التوازن المطلوب بين حالة الاستقطاب، والفوز في الانتخابات المحلية، فهي تفاصيل، بالغة الأهمية، لكنها أقل أهمية من الضرورة الموضوعية التي تفرض على قوى هذا التحالف التوحد.
التباين الظاهر بين ممثلي هذا التحالف، على الأرجح أنه يعود إلى ترافق التوجه نحو وحدة التيار مع الاستعداد للعملية الانتخابية، وربما قصور لدى البعض في التعرف على الجانب الموضوعي لهذا التوجه، خاصة أن القوى الخمس في الأصل، هي قوى انشقت عن بعضها البعض(!) وبشكل أو بآخر، فإنها تحمل معها تاريخاً متشككاً ومؤرّقاً، على الأقل في العقل الباطن لهذه القوى، في حين أن التيار الديمقراطي هذا، يضع نفسه في مساق التشكيك بيساريته، عند البحث عن خلفية وبرنامج إحدى قواه الخمس، إلاّ أن كل ذلك، لا يجب أن يثني هذه القوى الخمس عن المضيّ قدماً في ترسيخ دعائم هذا التحالف الديمقراطي ومواجهة كل عناصر التردد والتشكيك.
على هذا التيار الديمقراطي خوض التجربة الانتخابية بقائمة موحدة، مع أنني أتشكك في قدرته على تجاوز نسبة الحسم، إضافة إلى أنني أعتقد، حتى في حال عقد هذه الانتخابات، فإنها لن توفر أرضية لمصالحة فلسطينية، كما أنها ليست حافزاً على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وللمجلس الوطني للمنظمة، إلاّ أن توفير محدّدات واضحة لتخوم وحدة هذا التيار من خلال تجربة القائمة الموحدة، يعتبر إنجازاً فلسطينياً على المستوى الوطني.
ليس لدي أية أوهام، ولا آمال مصطنعة، لكنني أعتقد أن ليس هناك من خيارات أمام قوى هذا التحالف سوى الانصياع للضرورة الموضوعية، بعد الفشل المتلاحق الذي أصاب المحاولات السابقة!!