لمـاذا أعلنت «جبهة النصرة» انـفصـالـهـا عـن «الـقـاعـدة»؟

GOLANI
حجم الخط

في نيسان 2013 أعلن أبو بكر البغدادي عن إقامة تنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق وسورية)، وحاول اخضاع "جبهة النصرة" التابعة لـ "القاعدة" في سورية لتنظيمه الجديد، لكنه فشل في ذلك. في حزيران 2014 راهن البغدادي على كل ما يملك، وأعلن اقامة الدولة الاسلامية وعن نفسه كخليفة. والآن جاء دور زعيم "القاعدة"، ايمن الظواهري، ليراهن: في 28 تموز 2016 منح نائبه أحمد أبو الخير المباركة لاعلان أبو محمد الجولاني، زعيم "جبهة النصرة"، عن تغيير اسمها الى "جبهة فتح الشام" والانفصال عن أي جهة خارجية، أي الانفصال عن "القاعدة".
يمكن أن تكون هذه المراهنة للظواهري قد تمت كأمر لا بديل له. وقد زعم نائبه بأن هذه الخطوة تنبع من تحليل الوضع في سورية، وأن الهدف منها هو دعم الجهاد هناك. ولكن يبدو أن هذا هو استجابة لظروف داخلية في "جبهة النصرة"، وظروف خارجية ايضا، أي التقارير عن نية الولايات المتحدة وروسيا المشتركة محاربة المنظمة ومنعها من المشاركة في أي اتفاق مستقبلي في سورية. تشير اقوال الجولاني في هذا الموضوع الى الضائقة التي تعاني منها المنظمة، حيث زعمت أنها تدافع عن المواطنين في سورية، وفشلت، وعن رغبتها في اختبار التحالف الدولي الذي يقوم بقصف المنظمة من الجو بسبب هويتها السلفية الجهادية، الامر الذي يتسبب بمعاناة كثير من السوريين. إن نغمة اقوال الجولاني عبرت عن الشك حول امكانية الاعتراف بالمنظمة الجديدة من قبل التحالف الدولي الذي يعمل في سورية كجزء من تحالف سوري اسلامي واسع.
المباركة العلنية من قبل قيادة "القاعدة" للانفصال الرسمي لـ "جبهة النصرة" عن
"القاعدة" تشير الى التنازل عما يحدث في سورية وعن التأثير في هذه الساحة التي تعتبر مركز المعركة للأمة الاسلامية ضد مؤامرات الغرب. ويضاف الى ذلك أنه قد يتبين أن هذه الخطوة هي سابقة خطيرة لوحدة واستقرار الشراكات التي تقيمها "القاعدة" مع حلفائها الرسميين. على خلفية هذه السابقة، قد تقوم منظمات اخرى بخطوة مشابهة اذا فرضت الظروف ذلك. واذا حدثت حالات اخرى كهذه فهي ستعني اقتراب نهاية "القاعدة" وتقدم "الدولة الاسلامية" في المنافسة على قيادة الجهاد العالمي.
يجب القول إن خطوة الانفصال تم التنسيق لها مسبقا. والدليل على ذلك أنه في الشريط المسجل الذي نشره الظواهري في 7 أيار 2016 تحدث بشكل واضح عن هذه الامكانية، وباركها بشكل غير مباشر. ويمكن أن نفهم من اقواله أن الانفصال قد تم بتفاهم بين الاطراف. وقال الظواهري إن هذه الخطوة تخدم هدفا أسمى ومشتركا، وهي مقبولة على "القاعدة" وشركائها بمن فيهم "جبهة النصرة". وأنه في هذه الساعة المصيرية للمعركة فان وحدة الصفوف في اوساط القوات الاسلامية المحاربة في سورية لطرد نظام الاسد، أكثر أهمية من تجميد أو الغاء التحالف الرسمي بينهم. وقد وعد الظواهري بأن منظمته ستشكل "جبهة تأييد" لكل المحاربين المسلمين في سورية، وأن "الانتماء التنظيمي لن يكون عقبة في طريق الوحدة... القاعدة هي جزء من الأمة وليس من المسيطرين". وقد عاد الظواهري وأكد على أن هدف "القاعدة" وشركائها هو اقامة امارة اسلامية في سورية تطبق الشريعة. وحذر من أن خطوة كهذه قد يتم استغلالها من التحالف الدولي من اجل تقسيم المسلمين والزامهم بأن يكونوا شركاء في اتفاقات الخضوع والاهانة وتأسيس نظام ديمقراطي في سورية. وفي هذه المناسبة عاد وميز نفسه عن أبو بكر البغدادي، حيث أظهر قيادته الموحدة، خلافا للموقف الانقسامي والمدمر للبغدادي، والتشديد على مواقفه المنهجية ضد الفتنة، التي هي من أخطر الظواهر في الاسلام، وهي التي تبرر الموافقة على خروج "النصرة".
إن انفصال "جبهة النصرة" عن "القاعدة" يعكس التوتر في صفوفها بين هويتها كمنظمة اسلامية مقاومة في سورية وبين هويتها السلفية الجهادية. المنظمة التي امتنعت منذ البداية عن التنسيق بين قادتها خارج سورية، تشدد طوال الوقت على الاندماج في القوات المحاربة داخل سورية. وقد جندت في صفوفها السوريين، وتعاونت مع منظمات اخرى في سورية، بما في ذلك قوى علمانية، وهي تركز حربها ضد جيش الاسد و"داعش". يمكن أن التفاهمات التي توصلت اليها الولايات المتحدة وروسيا حول التعاون الموضعي من اجل الاضرار بها بالتوازي مع الصراع ضد "الدولة الاسلامية" من جهة، والضغوط من المؤيدين في دول الخليج لازالة العقبة التي تمنع "جبهة النصرة" من أن تكون شريكة في الحل العسكري والسياسي والاقتصادي في سورية، من جهة اخرى، هي التي حسمت موضوع الانفصال عن "القاعدة".
إن اعلان انفصال "جبهة النصرة" عن "القاعدة" تسبب في ردود فعل متداخلة من قبل اصحاب الفتاوى ممن يؤيدون "القاعدة". فمن جهة سمعت اصوات للتوحيد بروح الدين الاسلامي الذي يشكل قاسما مشتركا يتغلب على الخلافات. ومن جهة اخرى سمعت اصوات حذرت من المؤامرة الاميركية من اجل السيطرة على سورية واستفادتها من الانقسام. د. هاني السباعي، من اصحاب الفتاوى الكبار، وعد بأن لا يكون عداء بين "القاعدة" و"جبهة النصرة"، مثلما حدث بين "القاعدة" و"الدولة الاسلامية"، حيث قال: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".
يصعب في هذه الفترة تصنيف "جبهة النصرة" وطريقة عملها، واذا ما كانت هذه الخطوة ستؤدي الى موافقة التحالف الدولي على قبول المنظمة الجديدة كشريكة في الخطوات السياسية من اجل استقرار الوضع في سورية ووقف اطلاق النار. وحتى لو اعترفت الجهات الدولية بالمنظمة الجديدة كشريك، فليس واضحا كيف ستندمج قيادتها الجديدة في العملية السياسية وما هي الادوات التي ستتم من خلالها الاتصالات. ويشار الى أن "جبهة النصرة" اعتبرت أن المحادثات الغربية والعربية هي كفر. وبالتالي، في هذه المرحلة الاولية يبدو أن الانفصال عن "القاعدة" لا يعني بالضرورة استعداد المنظمة لتبني قواعد اللعب التي بحسبها يتم بذل الجهود من اجل التوصل الى اتفاق في سورية.
اذا استجابت الولايات المتحدة وروسيا بشكل ايجابي للخطوة الادارية التنظيمية لـ "جبهة النصرة"، وتوقفتا عن العمل العسكري ضدها، عندها يمكن مطالبتها بالقيام بخطوات أخرى تضمن الابتعاد عن سياسة الجبهة السابقة كشرط لتكون "جبهة فتح الشام" من بين الشركاء في العملية السياسية. هذه المطالب قد تؤدي الى حدوث انقسام داخل المنظمة الجديدة وعودة مؤيدي "القاعدة" الى الصفوف والى المعسكر السلفي الجهادي.
في جميع الحالات، من الواضح أن "القاعدة" بقيادة الظواهري لا تنوي حقا التنازل عن تأثيرها في سورية، رغم التصريحات الرسمية. ما زال هناك موالون كثيرون لـ "القاعدة" في صفوف المنظمة الجديدة، وسيستمرون في تمثيل "القاعدة" وفرض قيمها ومحاولة تحقيق حلم اقامة الامارة. في هذه المرحلة يمكن القول إن "النمر" الجهادي السلفي في سورية وخارجها لم "يغير جلده".
يجب على الاجهزة الامنية والاستخبارية في اسرائيل عدم تجاهل الخطر الكامن في اقوال الظواهري والجولاني: في خطاب الظواهري الاخير تحدث عن اليوم الذي سيقف فيه المجاهدون على حدود اسرائيل من اجل تحريرها. وبهذا فهو يؤكد أنه لم يتنازل عن هدفه تجاه اسرائيل، وسيستمر في سعيه لتحقيق هذا الهدف عن طريق رجاله وشركائه في سورية. شركاؤه يوجدون ايضا في صفوف المنظمة الجديدة. وانعكس التهديد ايضا في اقوال الجولاني حول مباديء المنظمة الجديدة، حيث لم يتنازل عن هدفه في فرض الشريعة في سورية المستقبلية. التهديد الذي يمكن استنتاجه من ذلك تجاه اسرائيل واضح. فقط اذا غيرت المنظمة أو بعض التيارات فيها سياستها ودخلت الى الحل السياسي بشروط التحالف برئاسة الولايات المتحدة، فان اسرائيل يمكنها التوصل الى تفاهمات حول حدود مشتركة في المستقبل.