هل يمكن أن تتزوّج الفتاة عبر الفيديو كونفرانس، حيث تتم المراسم من خلال اتصالها بالعريس بالصوت والصورة عبر الإنترنت؟ سؤال يفرض نفسه بعدما بدأ البعض أخيراً يروّج لإمكانية حدوث هذا الزواج، باعتباره شرعياً، لكن مفتي مصر له رأي آخر يعلنه بكل وضوح، وهو: «زواج الفيديو كونفرانس باطل!»، فما هي أسانيده؟ وماذا يقول علماء الدين عن مخاطر مثل هذا النوع من الزواج؟
أكد مفتي مصر الدكتور شوقي علام، أن زواج الفيديو كونفرانس غير شرعي، محذراً الفتيات من الاستجابة لهذا النوع من الزواج المخالف للشريعة ولا يرضاه الله ولا رسوله.
وأوضح علام أن «مرصد فتاوى التكفير والآراء الشاذة»، في دار الإفتاء المصرية، رصد دعوات أطلقها البعض عبر مواقعهم الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وجّهوها الى الفتيات للزواج بهم من طريق «الفيديو كونفرانس». ولهذا، فإن دار الإفتاء المصرية تؤكد أن هذا النوع من الزواج مخالف للشّريعة، لما يكتنفه من أوجه العيوب في العقد، فضلاً عن غياب الشهود ومعاينتهم كل مقومات العقد.
شروط وأركان
يؤيد الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، الفتوى قائلاً: «حتى يكون الزواج صحيحاً شرعاً وناجحاً ومستقراً، جعل الإسلام له شروطاً وأركاناً حتى يكون بحق آية من آيات الله، ويغلفه الحب والمودة والرحمة، مصداقاً لقول الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
وأشار الدكتور النجار الى أن زواج النساء عبر «الفيديو كونفرانس» كلّه مخاطر، وقد يعتريه تمويه وخداع، مما يجعله بعيداً من مواصفات الزواج الإسلامي الصحيح، لأنه لم يستوف ما يحتاجه اليه الزواج الشرعي من شروط وأركان، حيث تُشترط لصحة الزواج بالإضافة إلى الإيجاب والقبول، شروط عدة، أولها تعيين الزوجين، فلا يصح النكاح إن قال الولي زوّجتك ابنتي وله بنات غيرها، حتى يميز كل واحدة بشخصها أو اسمها أو صفتها كالكبرى أو الصغرى، وثانيها رضا الزوجين، وثالث الشروط الولي، لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا نكاح إلّا بولي»، وقوله (صلّى الله عليه وسلّم) أيضاً: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل»، ورابعها الشهادة على النكاح بشاهدين ذكرين مكلفين عدلين ولو ظاهراً. فقد روى عبدالله بن الزبير أن الفاروق عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: «هذا نكاح السر ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت».
تحريض
تحذر الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية للبنات، من انخداع الفتيات بالشعارات الزائفة والظواهر الغريبة التي تسيء الى الإسلام والمسلمين، والتي تحرضهن على الخروج عن طوع أولياء أمورهن فيزوجن أنفسهن استناداً الى أقوال بعض الفقهاء الذين اجتهدوا بأن من حق المرأة تزويج نفسها، لكن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها».
وأشارت الدكتورة مريم إلى أن بعض الفقهاء اشترطوا في الزواج خلو الزوجين من الموانع، بأن يكون في الزوجين أو في أحدهما ما يمنع من التزويج من نسب أو سبب، كرضاع أو مصاهرة أو اختلاف ديني، كأن يكون مسلماً وهي مجوسية أو تكون مسلمة وهو غير مسلم أو كونها في عدّة أو أحدهما محرماً، فكيف يتسنى للراغبين والراغبات في الزواج عبر الفيديو كونفرانس معرفة كل التفاصيل السابقة عن الطرف الآخر، إذا افترضنا توافر الشروط والأركان الأخرى. وأنهت الدكتورة مريم كلامها مؤكدةً أن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، كما وصفه الله في قوله تعالى: «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» (الآية 21) سورة «النساء». ولهذا، لا بد من أن يكون الزواج الشرعي متصفاً بالشفافية والوضوح التام ومعرفة كل طرف بالآخر، وليس مجرد تفاعل مع شعارات كاذبة بعيدة كل البعد من الإسلام.
خداع
يشير الدكتور أحمد حسني، نائب رئيس جامعة الأزهر، إلى أن حضور الرجل والمرأة مجلس عقد الزواج ليس شرطاً ولا ركناً لصحته، لأنه يمكن أياً منهما أن يوكّل غيره فيه، لكن الأفضل والأكمل ألا يتم العقد إلا بحضورهما عند المأذون أو الموثق القضائي، حفظاً للحقوق وصوناً لها من الضياع في عصر خربت فيه الذمم وقلّ الوعي الديني.
وأوضح أنه يتفق مع فتوى دار الإفتاء المصرية في حرمة الزواج عبر «الفيديو كونفرانس»، لأن في هذا خداعاً للفتيات والزواج من أشخاص بعيدين كل البعد من الدين، فقال الله تعالى في صفات المؤمنين حقاً: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا» (الآيتان 8-9) سورة «الإنسان».
وأنهى كلامه مؤكداً أن زواج الفتيات عبر «الفيديو كونفرانس» فساد كبير، وقد يوقعهن في حبال رجال غير أسوياء، وتساءل: «كيف يكون الرجال الذين يتزوجون بهذه الطريقة أزواجاً صالحين طالما يرتضون الزواج عبر «الفيديو كونفرانس»، أو غيره من وسائل الزواج بشكل غير مباشر؟».
تحذير
أما الداعية الإسلامية هدى الكاشف، فتحذّر أولياء أمور الفتيات خاصةً في سن المراهقة، واللاتي قد تكون لديهن عاطفة جيّاشة وينخدعن بشعارات زائفة، بأن يعملوا على توعيتهن بخطورة أي ظواهر غريبة.
وأشارت إلى أن الآباء والأمهات مسؤولون أمام الله على الحفاظ على بناتهم، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».
وتساءلت الكاشف: «كيف سيتحقق الشهود العدول على عقد النكاح لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين»، وكيف سيتم تأكيد إعلان الزواج تنفيذاً لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف»، وكيف يتأكد الرجل والمرأة من خلو الطرف الآخر من الموانع التي تمنع صحة الزواج، في ظل عدم وضوح حالة كل منهما للآخر. ولهذا فهو زواج غير شرعي، لأن الغموض والجهالة يغلبان عليه، وهو أمر محرّم في المعاملات التجارية، فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بالزواج واستحلال الأعراض.
عيوب وثغرات
يتساءل الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، عن ضمانات نجاح مثل هذا الزواج الذي كله عيوب وثغرات، مما يجعل العيش المستقر الآمن معه مستحيلاً، بل إنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وقد نهانا الإسلام عن ذلك في قول الله تعالى: «... وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (آية 195) سورة «البقرة». ويكمل: كيف نتأكد من جدية كل طرف في هذا الزواج الذي يتم بين شخصين مجهولين لبعضهما بعضاً، ولا أراه سوى محاولة اصطياد لبعض الفتيات عبر الإنترنت، وخداعهن باسم «زواج الفيديو كونفرانس».
وأوضح الدكتور جمال، أن هذا الزواج عبر «الفيديو كونفراس»– إذا جاز لنا أن نسمّيه زواجاً – ستظل فيه شبهة شرعية أمرنا الشرع بالابتعاد منها، في قول رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لدينه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
آثاره الشرعية
في جانب آخر، حذّر الدكتور محمود مزروعة، العميد السابق لكلية أصول الدين في المنوفية- جامعة الأزهر، من إتمام مراسم مثل هذا الزواج حتى ولو كان مشكوكاً في مشروعيته، إلا أنه إذا كان مكتمل الشروط والأركان فإنه تترتب عليه آثار شرعية، لعموم قول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «ثلاث جدُّهن جدٌّ، وهزلهنَّ جدٌّ: النكاح، والطلاق، والرَّجعة». ولهذا يجب الحذر من الهزل بعبارات التزويج والطلاق، لأن الأمر خطير لا هزل فيه، وخاصة في كل ما يتصل بعقود الزواج، لأنها تتصل بالأعراض والأنساب، وقد عمل الإسلام على المحافظة عليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وأشار الدكتور مزروعة، إلى أنه لا يجوز شرعاً تعميم الحكم بتحريم «زواج الفيديو كونفرانس» على كل الحالات، لأنه يكون صحيحاً شرعاً في الحالات العادية، كأن يكون الرجل في سفر ويريد الزواج بامرأة من بلده أو دولته، فيتم التواصل عبر «الفيديو كونفراس» وبرضا الأهل ومعرفتهم المسبقة ببعضهما بعضاً أو تواصل الأسر، أي أن هناك مقومات الاستقرار والنجاح اللازمة في الزواج الطبيعي، وبالتالي ليست هناك أي جهالة أو غرر.
وأنهى الدكتور محمود مزروعة كلامه بأن زواج «الفيديو كونفراس» في الأحوال الطبيعية حلال، طالما كان مكتمل الشروط والأركان، ويجب الوفاء به تطبيقاً لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (آية 1) سورة «المائدة». وإذا وضع الزوجان أي شروط عبر «الفيديو كونفراس»، فيجب الوفاء بها حتى ولو كانت المسافة بين الزوجين آلاف الكيلومترات، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن أحق الشروط أن توفوا به، ما استحللتم به الفروج»، وقوله أيضاً: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلَّ حراماً».