ماذا يحدث في حلب؟

هاني عوكل
حجم الخط

يبدو أن التركيز العسكري منصب بشكل كبير على مدينة حلب الواقعة شمال سورية، التي عانت منذ بداية الأزمة السورية إلى هذه اللحظات ويلات الدمار الذي أتى عليها من جميع الجوانب، ووضعها من مركز للصناعة السورية إلى خرابة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ليس مستغرباً القول إن السيطرة على مدينة حلب قد تعني تغيراً استراتيجياً في النزاع السوري، خصوصاً وأن هذه المدينة كانت وظلت معقلاً لمختلف أنواع المعارضة السورية، إلى جانب أن موقعها الجغرافي الحيوي ومكانتها الاقتصادية تجعل من أطراف النزاع في سورية متحمسة للسيطرة عليها.
التركيز الإعلامي والغربي منصب في هذه الأيام على مدينة حلب، ذلك أن القوات الحكومية السورية التي حققت إنجازات عسكرية في هذه المدينة، مدعومة من سلاح الجو الروسي، ما لبثت أن تراجعت عن تلك الإنجازات بعيد فك حصار حلب من قبل المعارضة.
وهذا يفسر إلى حد كبير لماذا فشلت كل أنواع التهدئات المؤقتة والشاملة في حلب، والسبب بطبيعة الحال أن القوات الحكومية السورية تريد جلب انتصار عسكري يفيدها في تحقيق انتصار سياسي يتضمن تحسين شروطها في أية عملية تفاوضية ممكنة.
ثم إن عدم التوافقين الأميركي والروسي على موضوعات تمس الملف السوري، أدت إلى استمرار الأعمال القتالية في مدينة حلب، على الرغم من الأحاديث التي تتوالد عن فكرة التنسيق والتعاون الروسي - الأميركي لقتال التنظيمات الإرهابية في حلب تحديداً.
ثمة توجه دولي لخلق حالة من التوازن العسكري في مدينة حلب تترجم بعبارة «لا غالب ولا مغلوب»، ذلك أنه في الوقت الذي كادت تتقدم فيه القوات الحكومية السورية للإحكام على حلب، جرى تزويد المعارضة بالأسلحة التي أهلتها لإعادة فرض حالة من التوازن العسكري لا تؤدي إلى الحسم الجوهري في ميدان النزاع.
وقد لا يبدو في الأفق الحالي أن هناك مساراً سياسياً سينطلق كما حدده سابقاً المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا، لأسباب كثيرة من بينها استمرار النزاع وعدم حصول الشيء الجديد في موضوع الهدنة، باستثناء الإعلان عن هدنة مؤقتة لمدة ثلاث ساعات في اليوم.
أضف إلى ذلك أن القوات الحكومية السورية والروس يريدون كسر التوازن العسكري في حلب، ومن ثم المضي في المسار السياسي على قاعدة تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة المعارضة، تضمن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
لقد حاولت روسيا التأثير على واشنطن وحلفائها بخصوص قبول الأسد في السلطة ضمن فترة الانتقال السياسي، غير أن هذا لم يتحقق، ومن ثم سعت إلى التأثير على المعارضة المعتدلة لقبول هذا الموقف، دون أن تحقق اختراقات إيجابية في هذا المسار.
وهذا ما يفسر زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى الدوحة قبل عدة أيام، ولقاءه أحمد الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض، حيث ترغب موسكو في فتح كوة في جدار موقف المعارضة، أو على الأقل تليين بعض الأطراف التي يمكنها التأثير على الموقف الجمعي للمعارضة.
بوغدانوف ذهب إلى الخطيب لطرح مبادرة روسية تستهدف استكمال المسار السياسي الذي تعثر قبل عدة أشهر، والتوافق على حكومة وحدة وطنية على رأسها بشار الأسد، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
ويبدو أن موسكو التي تناور من أجل ترجمة مبادرتها على الأرض، قادرة على تخفيف أو وقف إطلاق النار في حلب، إذا ما استجابت أطراف المعارضة لرؤيتها السياسية حول مرحلة الانتقال السياسي في سورية، اللهم أن تفضي في نهاية الأمر إلى بقاء الأسد في السلطة.
وإذ من المستبعد أن تحصل موسكو على ضوء أخضر من المعارضة بخصوص مصير الأسد، فإن الأخيرة التي استرخت بعيد فك الحصار عن مدينة حلب، تؤكد ثبات موقفها الذي يدعو إلى رحيل الرئيس السوري عن السلطة.
المناورة الروسية مع المعارضة السورية تأتي في إطار جس النبض كل فترة، خصوصاً وأن موسكو لم تقطع حبل العلاقة مع المعارضة، على أمل إيجاد لغة مشتركة لحل الأزمة السورية، غير أن المعطيات الحالية تعطي قناعة لدى روسيا أن الميدان العسكري هو أفضل الحلول للذهاب إلى المسار السياسي.
ويأتي القصف الروسي على معاقل التنظيمات الإرهابية من قاعدة همدان الجوية في إيران، رسالة إلى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، أن موسكو ماضية في محاربة «داعش» وغيرها من التنظيمات، سواء اشتركت واشنطن معها أم لم تفعل.
كما يفسر موضوع التعاون الروسي - الإيراني في سورية، رسالة أن هذا الحلف الذي قد يشمل لاحقاً تركيا، صامد وعاقد العزم على تحقيق أهدافه التي تتمثل في دعم النظام السوري وعدم إفشال مخططات إسقاطه سياسياً أو عسكرياً.
وعلى كل حال يبدو أنه ليس هناك تغير استراتيجي يستهدف النزاع العسكري ولا حتى المسار السياسي المعطل، خاصةً وأن الموقف الأميركي متذبذب من الملف السوري وهو متناقض بين السعي للتعاون وحل هذه الأزمة وبين إطالة الحرب وإبقاء سورية ساحة للتنافس والصراع الدولي.
لا تزال حلب بعيدة عن مرحلة الحسم العسكري، هذا الذي قد يؤخر إقلاع المسار السياسي، ومن المحتمل أن ينقضي الشهر على إجراءات خفيفة تستهدف إيصال بعض المساعدات الإنسانية وتطبيق نظام هدنة لساعات معينة.
وعلى الأغلب أن ينقضي هذا العام دون أن يكون هناك حسم عسكري في حلب، ولا حتى حسم سياسي، ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية ليست مشدودة نحو حل الأزمة السورية، وأكثر ما تركز عليه الآن هو الشأن الداخلي المتعلق بالانتخابات الرئاسية، فضلاً عن موضوع التنظيمات الإرهابية.
هذه هي الحال في مدينة حلب، وهي حال يعكس واقع النزاع السوري المستمر لأكثر من خمسة أعوام، ذلك أن أطرافاً على رأسها الولايات المتحدة، تريد استهلاك الوقت في إدارة النزاع السوري وإبقاءه مشتعلاً، لاستنزاف روسيا وإنهاكها في هذا الميدان.