الخارجون عن القانون ماذا بعد؟!

عبد الناصر النجار
حجم الخط

لنتفق أولاً على أن إطلاق النار لأي سبب كان على أفراد الأمن الوطني والشرطة جريمة مدانة لا يمكن القبول بها... خاصة أن الشرطي أو الجندي يؤدّي واجباً وطنياً وينفّذ الأوامر... علاوةً على أن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً على أحد.
لنا حق الاختلاف والنقد، ولكن دون الاحتكام إلى السلاح على كل صغيرة وكبيرة.
نابلس على صفيح ساخن.. وهذا ليس سرّاً، ولكن لماذا؟ ومن المتسبِّب؟ ولماذا تتسارع الأمور بهذا الشكل؟ وكيف أصبحت لغة التهديد والاجتثاث هي السائدة وكأننا في معركة مع أنفسنا؟
الإجابة عن هذه الأسئلة التي يطرحها وغيرها كثير من المواطنين تكمن في أن السبب في الأصل هو عدم وجود إجابات شافية لهذه الأسئلة، سوى جُمَل وبيانات أكثر من غامضة لا يُفهم منها إلاّ روح الانتقام أو التحدّي... .
فعلى سبيل المثال، تستخدم الحكومة والناطقون باسمها وباسم الأجهزة الأمنية عبارة "الخارجون عن القانون"، فمن هم الخارجون عن القانون، وما هي صيغة هذا الخروج، وهل هي قصة واحدة أم مجموعة من القصص. بمعنى آخر، ما حدث قبل عدة أسابيع في مخيم بلاطة حين أُطلق على القتلة "خارجون عن القانون" هل قصتهم تتشابه مثلاً مع قصة البلدة القديمة في نابلس.
وهل الخروج عن القانون جاء فجائياً أم أن هؤلاء لهم خلافات قديمة مع الأجهزة والسلطة... وحتى تكتمل الصورة لا بدّ من أن تكون رؤيتنا جميعاً صادقة لأنها أفضل الطرق لالتفاف الجماهير حولها.
أحد الشخصين اللذين قتلا فجراً في نابلس لمشاركتهما في إطلاق النار أسير محرّر... فلماذا وصل الحال به إلى هذا الحدّ، ألم تكن السلطة أو أصحاب الرأي والفكر قادرين فعلاً على استيعابه، أو محاورته، وفهم ما يدور في خلده، لماذا سار في طريق المواجهة مع قوات الأمن الوطني، على الرغم من أنه من المفترض أن يقتنع بأن رجل الأمن الفلسطيني يدافع عنه شخصياً وعن أمنه وأمن عائلته ومدينته؟!!!
وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، وحتى لا نكنس مشاكلنا تحت سجّادة الإخفاء وندّعي أن الأمور على ما يرام وأن ما يحصل مجرد أحداث صغيرة تحدث في لحظتها، فيجب علينا أن نقف عند هذا التدهور المستمر والمتواصل، والذي يخلق فجوة بين كثير من المواطنين وبين السلطة، خاصة أن كثرة القصص المرويّة عمّا يدور من أحداث في نابلس وقبلها في طولكرم وقبلها في جنين، وربما في مناطق أخرى تستدعي من القادة والمسؤولين التوقف ولو للحظة، من أجل الغوص في عمق هذه المشاكل، وليس فقط النظر إلى السطح واستخدام القوة أو ما نقرأه في البيانات الرسمية عن الاجتثاث.
نعم لإنهاء الفوضى بأشكالها كافة، ولكن نعم أكبر، مع حصر الاختلاف، نعم مع حرية الرأي والتعبير لأنها سياج يحمي الجميع، أما أن نرى فيمن يكتب كلمة أو جملة  أو رأياً على "الفيسبوك" وكأنه عدو أو مجرم أو خارج عن القانون فهذا هو الخطر الأكبر.
ليتذكر الجميع أن أصعب ما في الحياة هو البناء، وقد تحتاج إلى سنوات حتى تبني في أي مجال، وفي المقابل فإن هدم ما تبنيه في عشرين عاماً قد لا يحتاج إلا إلى دقائق ... والدم هو هدم، بمعنى آخر.. الدماء التي تسيل من أي جهة كانت... تؤدي إلى حالة انهيار.
الشهداء من قوات الأمن لهم عائلات وأحِبَّة وأصدقاء، والقتلى ممن يُطلق عليهم "خارجون عن القانون" لهم عائلات وأبناء وأحِبِّة ... بمعنى أن الكلّ خاسر في هذه المواجهة التي يجب أن نجتث أسبابها... وألا نساهم في تطوّرها.
في انتفاضة الأقصى الثانية، ضربت الفوضى الأمنية أساسات المجتمع الفلسطيني ولكن المعالجة الذكيّة والحكيمة... أدت في النهاية إلى إنهاء حالة الفوضى، واستيعاب كثير من المشاركين فيها من خلال الحوار الجاد وإقناعهم بأن حريّة الوطن وقضية الشهداء أهم بكثير ربما من شكوى هنا أو هناك، أو من تصرف ضار هنا أو هناك...
نتمنّى أن يكون استخدام مصطلح "الخارجون عن القانون" قد انتهى وللمرّة الأخيرة، وأن يعود الهدوء والأمن إلى محافظاتنا كافة، وأن نستوعب جميعاً أن تناقضنا الأساسي والرئيس هو مع الاحتلال، وأن خلافاتنا هي تناقضات ثانوية، أما إذا أصبح تناقضنا الرئيس مع أنفسنا؛ فإننا نكون قد اتخذنا قراراً بإعدام قضيتنا... لأن كل قطرة دم فلسطينية هي خسارة...
نتمنى أن نتلقّى رواية متكاملة عمّا حدث لأن ما ينتشر بين الناس ليس كما نقرأه في البيانات!!!.