فجّر رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك أزمةً سياسية وأمنية في إسرائيل، باتهامه رئيس الحكومة الحالي، وحليفه السابق، بنيامين نتنياهو، بتعريض أمن إسرائيل للخطر عبر "مراهنات" سائبة. وقاد هذا الاتهام إلى مطالبة البعض بعقد اجتماع خاص للجنة الخارجية والأمن واستدعاء باراك لمعرفة أسباب اتهامه هذا لنتنياهو. ورشق قياديون من "الليكود" باراك باتهامات كثيرة، بينها أنه آخر من يحقّ له الحديث عن أمن إسرائيل. وذهب معلقون إسرائيليون إلى اعتبار أن باراك يقصد رفض نتنياهو عرضاً أميركياً بنصب أسلحة استراتيجية في فلسطين المحتلة وعناصر أخرى كان بوسعها التأثير جوهرياً على التعاون الأمني بين الدولتين، وعلى قدرات إسرائيل الاستراتيجية.
وهكذا، وبعد شهور من الصمت الإعلامي، فجّر إيهود باراك يوم الأربعاء الماضي قنبلةً سياسية بمهاجمته الشديدة لنتنياهو. وبعدما كان حذّر في "مؤتمر هرتسليا" قبل حوالي شهر من أن نتنياهو يعمل على "هدم الصهيونية" ودعا إلى حملة احتجاج شعبي ضده، اختار هذه المرة التركيز على الجانب الأمني. وانتقد بحدة الموقف الإسرائيلي من اتفاق المعونة الأميركية، معلناً أن المبلغ الإجمالي الذي اتفق عليه الطرفان، وهو 3.8 مليارات دولار سنوياً للعقد المقبل، أقلّ بكثير مما كان يمكن نيله من الأميركيين لو سارع نتنياهو لإبرام الاتفاق قبل عام.
وأوضح باراك أنه "بسبب سلوك نتنياهو، اضطرت إسرائيل للتنازل تدريجياً عن إمكانية استخدام أموال المعونة الأميركية لشراء منتجات إسرائيلية، الأمر الذي يلحق ضرراً يقدر بثلاثة مليارات شيكل سنوياً بالصناعات الأمنية الإسرائيلية". وقال إن "تفسير ذلك هو مشاريع حيوية سوف تتوقف أو تلغى وآلاف المطرودين من الصناعات العسكرية". وشدد على "قرار واحد، غير متزن ومتسرع، وكان أثمن لعشر سنوات. والعنوان كان على الجدار، الفشل كان معروفا سلفاً. ما الذي خطر ببال نتنياهو؟ ومن خدم هذا القرار؟ لا أحد يستطيع منعنا من توضيح موقفنا بأن الاتفاق النووي في نظرنا سيئ، وأن التوقيع عليه خطأ جسيم، ولكن بدلاً من جدل علني مع الرئيس باراك أوباما، كان يمكن إدارة حوار خلف أبواب مغلقة، وهو ما كان سيفعله أي رئيس حكومة آخر، ولكننا شهدنا كيف دخل بفظاظة إلى داخل السجال الحزبي هناك. إن فرصة إلقاء خطاب جيد في الكونغرس مقابل السير خلف ظهر الرئيس الأميركي، هزّت بعمق الدعم من الحزبين لإسرائيل، وكذلك الرأي العام الأميركي. وكل هذا فقط من أجل اللقاء مجدداً مع فشل معروف سلفاً، وحالياً معروف ثمنه الملموس. أي تخل لا يمكن غفرانه".
ولكن باراك لم يكتف بهذا الاتهام، بل أضاف إليه عنصراً جديداً وهاماً حين تحدث في مؤتمر لحركة "طريقنا" عقد في "ريشون لتسيون" عن ثمن باهظ لـ "حدث إضافي" شمل "اتحاداً مقلقاً للعجز عن تشخيص المصالح الأمنية العميقة مع غياب استيعاب إمكانيات التعاون مع الولايات المتحدة". وقال إنه تم تسجيل "سلوك عملياتي غير مدقق" سوياً مع ما سبق "قاد إلى انكشاف مقلق جداً لإسرائيل أمام تحد أمني مركزي". ورفض باراك، الذي كان شريكاً لنتنياهو طوال سنوات في بلورة السياسة الأمنية الإسرائيلية خصوصاً تجاه المشروع النووي الإيراني، توضيح مقاصد كلامه، لكنه قال إنه "ليس هكذا تبنى الأسوار. ليس هكذا نحصن الأمن القومي".
وفي نظر الكثيرين، بدا كلام باراك أشبه بأحجية، لا يستطيع حلّها سوى عدد محدود من المطلعين على الأمر. ويفترض المعلقون الإسرائيليون أن نتنياهو يفهم بالضبط مقصد باراك رغم أن ديوانه أصدر بلاغاً ادعى فيه أن "الحدث الأمني" المقصود ليس معروفاً لديه.
وقد رفض باراك بشدة تفسير كلامه، مؤكداً أن "حساسية الأمر" لا تسمح بالتفسير.
وأشار معلق إسرائيلي إلى أنه ليس أمام الإعلاميين سوى تقديم تقديرات، وأن الأمر قد يتعلق باستثمارات في المجال التكنولوجي، وأن اختيار باراك لكلمة "السور" ليس صدفة. فهل يقصد مشروع السور أو الجدار تحت الأرض الذي تعمل إسرائيل على إقامته حول قطاع غزة لمنع الأنفاق الهجومية لـ "حماس" والذي تتناقض الآراء بشأنه في المؤسسة الأمنية؟ أم ربما يقصد الحاجة إلى شراء كميات أكبر من الصواريخ المعترضة للصواريخ، والتي هي جزء من منظومة الدفاع ضد الصواريخ "حوما" (والتي تعني "السور")؟ ولربما أن باراك يقصد حدثاً متواصلاً منذ سنوات ويتعلق بخيارات نتنياهو الاستراتيجية، مثلاً توثيق علاقاته مع الصين وروسيا، خصمَي أميركا الأكبرين؟
وقد أشار المعلق العسكري لـ "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان إلى أن باراك "قد يكون يقصد عرضاً أميركياً لنصب أسلحة استراتيجية في فلسطين المحتلة. وكتب أنه قبل نحو سنة ونصف، أوصت قيادة المؤسسة الأمنية، بتأييد من وزير الدفاع في حينه موشيه يعلون، رئيس الوزراء نتنياهو، بقبول عرض التعويض الذي تحصل عليه اسرائيل من الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي مع إيران. فإلى جانب زيادة حجم المساعدات الاميركية للسنوات العشر المقبلة، تضمن العرض عناصر عدة كان يمكنها أن تؤثر دراماتيكياً على التعاون الامني بين الدولتين، وعلى القدرات الاستراتيجية لدولة اسرائيل".
وقال فيشمان إن "نتنياهو رفض هذه التوصية لأسباب سياسية وحزبية. وقاد هذا إلى شعور الأميركيين بالاحباط منه. ويروي مسؤولون أميركيون أن وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل حمل في نهاية العام 2014 ومطلع 2015 رسالة من الرئيس أوباما إلى نتنياهو يعرض فيها استعداد أميركا لنصب أسلحة استراتيجية في إسرائيل. وبحسب فيشمان، فإن التقدير هو أن هذه أسلحة ردعية يمكن لإسرائيل استخدامها إذا شعرت بتهديد من المشروع النووي الإيراني".
وأضاف فيشمان: "يمكن التقدير بأن الادارة كانت مستعدة لأن تضع تحت تصرف اسرائيل ايضاً احدى الوسائل القتالية الناجعة التي انتجت في حينه في الولايات المتحدة: قنبلة تخترق الخنادق المحصنة والمعدة لتدمير المنظومة التحت أرضية لقاعات انتاج النووي في إيران. وكانت اسرائيل طلبت القنبلة، ومعقول أنه كانت لدى الاميركيين افكار عدة عن كيفية وضع هذه الاسلحة تحت تصرفها عند الحاجة. نقل تلك الاسلحة الاستراتيجية الى اسرائيل كان سيشكل قفزة نوعية في القدرات التكنولوجية والعملياتية لاسرائيل وكذا في التعاون الامني بين الدولتين. هذا لم يحصل".
وكتب فيشمان: "ليس واضحا هل هذا ما قصده باراك حين اتهم نتنياهو أمس الاول بتعريض اسرائيل للتهديدات أمام التحدي الامني المركزي
لابيد وبن باراك يُرشحان أنفسهما لرئاسة حزب "ييش عتيد"
03 أكتوبر 2023