إعداد الباحث: عبد القادر سطيح
قسم التاريخ . جامعة مرمرة
مراجعة الدكتور: حسن عيّاش
جامعة فلسطين الأهلية. بيت لحم
إذا كانت الدراسات والبحوث الحديثة قد وضعت اللبنة العلمية في بدء الاهتمام بالدراسات في منطقة بلاد الشام وفلسطين على وجه الخصوص، فإن الباحث الفلسطيني عبدالقادر سطيح قد وضع دراسة لها أهميتها للبحث عن فترة مهمة من تاريخ القدس العثمانية، ضمن النظرة الشاملة القائمة على اعتبار سنجق القدس جزءاً من جسم الدولة العثمانية يؤثر ويتأثر بما يجري فيها، وفي مركز الولاية من إجراءات وأحداث، ولا تحاول الدراسة إعادة سرد الأحداث بطريقة روائية، كما أنها لا تغطي تفاصيل الأحداث التي يتم الإشارة إليها، بل تركز على إبراز المتغيرات في إدارة السنجق التي فرضتها الدولة.
والباحث عبدالقادر سطيح من الباحثين الجادين في الفترة العثمانية، فهو يتميز باتقانه اللغة التركية وجهوده المبذولة في رجوعه إلى الإرشيف العثماني والوثائق والسجلات والدفاتر التي تخص القدس، والباحث حصل على شهادة الدكتوراة في جامعة مرمرة التركية وأشرف على الرسالة البروفيسور المعروف عالمياً زكريا قورشون" Zekeriya Kurşun " الذي يرأس جمعية أبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا وأستاذ قسم التاريخ في جامعة مرمرة في اسطنبول " والرسالة بعنوان:
"الإدارة العثمانية في سنجق القدس في النصف الأول من القرن الثامن عشر(1700-1757)"
تُظهر الرسالة الجهد العلمي والمنهجية البحثية عن أدق التفاصيل التي التزم بها الباحث في جمع المادة العلمية، وتحليلها، وكتابتها مستخدماً مصادر عربية وتركية وعثمانية، وترتكز بشكل أساسي على وثائق الأرشيف العثماني وتستأنس بسجلات المحكمة الشرعية في كل من القدس ونابلس، وكتب التاريخ الرسمية للدولة وما كتبه الأهالي المحليين ممن عاصروا الأحداث من أهالي القدس والشام، إضافة إلى ما جاء في كتب السياح العرب والأجانب، وتقارير السفير الفرنسي في اسطنبول، والقنصل الفرنسي في صيدا، وتم الاستعانة بالدراسات الحديثة التي تناولت تاريخ القدس والشام، وغير ذلك من آليات البحث العلمي ليحقق ويكتب بشمولية واسعة في فترة زمنية قصيرة، وهي النصف الأول من القرن الثامن عشر 1700-1757م، وليتبين للقارىء أهمية الرسالة وموضوعها.
أما الدراسة فتقع في مئة وخمس ثلاثين صفحة؛ جعلها الباحث في مدخل وثلاثة فصول وخاتمة.
استهل الباحث مدخل رسالته بتبيان مشكلة الدراسة وأسباب اختياره الموضوع والفترة الزمنية المنجزة، واستعرض فيه جغرافية القدس وسكانها، وناقش الدخول العثماني لمدينة القدس، وكيفية إدارتها، ولعل إشاراته إلى قضية تباين الآراء في بحوثهم حول القدس، وبخاصة تلك التي تتعدد فيها الآراء ووجهات النظر. ويشير أيضاً في مدخله إلى جهود الدراسين الذين سبقوه أو تعاونوا معه في دراسته.
احتوت الرسالة إضافة للمدخل على ثلاثة فصول، حيث يلاحظ غزارة المادة العلمية من بداية الرسالة إلى نهايتها. إذ تناول في الفصل الأول المتغيرات الإدارية وقسمه إلى ثلاثة مباحث، ويهدف المبحث الأول التعرف على الآليات التي اتبعتها الدولة في إدارة سنجق القدس، ويكشف المبحث الثاني المتغيرات التي جرت في مهمات المتصرف خارج السنجق، وداخله بينما يستعرض المبحث الثالث التغيير في شكل تبعية السنجق لولاية الشام.
أما الفصل الثاني"احتواء القوى المحلية في ظل المتغيرات الإدارية" وجاء في ثلاثة مباحث خصص المبحث الأول للإجراءات التي اتخذتها الدولة لاحتواء طموحات الأعيان، ويعالج المبحث الثاني الاجراءات لاحتواء طموحات الآغوات من العساكر، كما يناقش المبحث الثالث الاجراءات لاحتواء طموحات القبائل البدوية.
ويحتوي الفصل الثالث: "أهل الذمة في ظل المتغيرات الإدارية" على ثلاثة مباحث يسعى الأول منها توضيح الطوائف غير المسلمة، ويناقش المبحث الثاني مسالة الأماكن المقدسة لهذه الطوائف وإدارة الدولة للصراع بين هذه الطوائف على هذه الأماكن، وينطلق المبحث الثالث في الحديث عن قضايا الحج المسيحي والاجراءات التي اتخذتها الدولة العثمانية لقطع الطريق على التدخلات الأجنبية.
ثم يتمم حديثه بخاتمة لخص فيها وجوب إعادة قراءة تاريخ القدس على ضوء المعلومات الواردة في الأرشيف العثماني، والتي تقدم الشيء الكثير والمختلف عن الأحداث والقضايا التي حدثت في المدينة المقدسة.
كما يلاحظ في الرسالة غزارة الهوامش، وقوائم بأسماء المتصرفين الذين حكموا القدس وأرسلتهم الدولة من العام 1700-1757م، ناهيك عن غزارة الخرائط التي توضح موقع السنجق بين السناجق المجاورة، وكذلك أسماء القرى التي يضمها السنجق، وغيرها من السناجق.
ملاحظات عامة على الرسالة:
1. لا شك أن الدراسة مهمة في تعريفها للقارئ بالنظام المتبع في الدولة العثمانية في إدارة السناجق بشكل عام، والمتغيرات الإدارية التي حدثت في إدارة القدس بشكل خاص في فترة الدراسة، وما تبع ذلك من نتائج في صعود أدوار بعض العائلات والقبائل البدوية وتراجع البعض الآخر.
2. وضعت الدراسة تفسيراً بديلاً لما كان يجري من أحداث في سنجق القدس، وذلك عن طريق إظهار الاجراءات الجديدة التي اتخذتها الدولة وسعت الى تطبيقها في ادارة السنجق في النصف الاول من القرن 18 بما يتلاءم مع توجهات الدولة الساعية إلى إعادة هيبتها في جميع الأقاليم التابعة لها
3. حاولت الدراسة أن تجيب عن كيفية ترتيب الدولة العثمانية للأوضاع الداخلية بما يتناسب مع مشاركة الدولة المتزايدة في الدبلوماسية الدولية، وذلك بعد توقيعها على صلح كارلوفتش عام 1699، وبما يتناسب أيضا مع إجراءاتها في الشام مركز الولاية للحفاظ على قافلة الحج الشامي التي تعتبر المهمة الابرز لهذه الولاية.
4. أغفل الباحث خريطة مهمة لمدينة القدس للتعريف بالأماكن التي جرت فيها الأحداث التي أشار إليها.
5. جاء تقسيم الباحث للفصول غير متناسق من حيث عدد الصفحات، وكان يفضل تقسيمها إلى مباحث صغيرة ليسهل على القارئ بلوغ الفائدة المرجوة من الرسالة.
على الرغم من ذلك؛ فإن الواضح أن الباحث بذل جهداً كبيراً يُشكر عليه، واجتهد في قراءة الوثائق العثمانية وتحليلها وساعده في ذلك اتقانه للغة العثمانية المكتوبة واللغة التركية الحديثة، وهذه دعوة للدارسين، والباحثين في شؤون القدس ضرورة الاستعانة في هذه الرسالة لقيمتها العلمية وكثرة المعلومات المتفرقة التي تسهم في قراءة تاريخ القدس العثمانية، وتأكيد أحقيتها في تثبيت دعائم وجود سكانها فيها.