ظلال الحدث

طلال عوكل
حجم الخط

فيما تزداد حمى الانتخابات المحلية، تتصاعد حمى التصريحات والاتهامات المتبادلة دون النظر إلى حسابات ما بعد هذه الانتخابات، هذا إذا قيّض لها أن تجري في موعدها. حالة من الارتباك وفقدان الثقة تسيطر على المشهدين السياسي والاجتماعي تتبدّى مؤشّراتها في عزوف النخب والكفاءات عن الترشح، وتأخر الإعلان عن القوائم الانتخابية التي قد لا تتوقف على «فتح «و»حماس» واليسار.
وبالإضافة إلى ذلك تطل القبلية، كأحد أبرز معالم المشهد السياسي الاجتماعي، لتفرض منطقها على الفصائل، وباعتبارها واحدة من مخرجات وتعبيرات القبلية السياسية. إذا كان الفعل الفصائلي خلال السنوات العشر الماضية، يعكس حالة من التفكير السياسي القبلي حيث تعلو مصالح الفصيل على المصالح الوطنية العامة وتترسخ قيم البحث عن المصالح الفردية والخاصة، إذا كانت هذه هي مؤشرات التربية الوطنية، فلا غرابة إذاً من أن ينجم عن ذلك ظهور القبلية الاجتماعية بقوّة.
تكتشف الفصائل عند محطة مهمة كإجراء الانتخابات، أن سياستها الداخلية المنفلشة والمترهلة، وغياب نهج الإلزام الحزبي ومنهج العقاب لمن لا يلتزم بالقرارات المركزية، إنها أي الفصائل تحصد نتاج استراتيجياتها الخاطئة، ليس هذا وحسب بل إن هذه الفصائل تكتشف، أيضاً، حالة الدمار التي تسببت بها سياساتها على مستوى العلاقة مع النخب والكفاءات، والمجتمع بشكل عام، الأمر الذي يجعلها في حالة حيص بيص، عند الامتحان العملي.
ينبغي على الفصائل أن تنتبه إلى النتائج السلبية التي تعزز سلبية عميقة لدى المجتمع، الذي يفقد ثقته بالفصائل والقيادات السياسية وتساوره شكوك كبيرة إزاء الحصاد المتوقع من هذه الانتخابات.
على أن مثل هذا الانتباه تغيب عنه المؤشرات، في ظل الحملات الانتخابية الصراعية التي بدأت مبكراً على خلاف ما تنص عليه وثيقة الشرف التي وقعت عليها الفصائل. أكثر من ذلك ثمة خشية من أن تصعيد خطاب الاتهامات ينطوي على قصدية، لإبعاد الجمهور عن صناديق الاقتراع. هذه الحملات السوداء، من شأنها أن تبدد ما تبقى من آمال وتطلعات إيجابية عند المجتمع إزاء ما تمثله هذه الانتخابات، التي يفترض أن تكون خطوة في اتجاه تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، ويمكن البناء عليها.
لا أعرف إن كان يغيب أو يحضر في فكر الفصائل، خصوصاً الرئيسة التداعيات التي يمكن أن تنجم عن إجرائها، بالعلاقة مع السياسة الاحتلالية، التي أخذت تجاهر بمقاصدها وأهدافها وآليات إنجاح هذه المقاصد والأهداف. أسئلة كثيرة تقفز إلى واجهة العقل فمثلاً نتساءل عن تداعيات فوز حركة حماس في معظم بلديات الضفة، وفوز حركة فتح في معظم بلديات قطاع غزة.
سؤالان أساسيان يتصلان بمثل هذا التنبؤ الواقعي، الأوّل، هو كيف ستعمل هذه البلديات في ظل سلطات متعادية ومتصارعة، خاصة في ظل استمرار الانقسام، واستمرار وتعمُّق أزمة الثقة بين طرفي الانقسام؟
لو كانت السياسة تعتمد على النوايا، والخطابات الإيجابية المفصولة عن الممارسة لكانت حكومة الوفاق الوطني نجحت في أن تقوم بعملها وتؤدي واجباتها في مختلف أنحاء الوطن، لكن هذه النوايا وتلك الخطابات تتبدد عند الممارسة العملية، بل إن الأمور تزداد سوءاً والمجتمع هو الذي يدفع الثمن في كل مرة.
السؤال الثاني المهم، هو ألا يعني عدم نجاح «حماس» في غزة، بأغلبية مقاعد البلديات، في موازاة عدم نجاح حركة فتح في الضفة الغربية، ألا يعني ذلك استفتاء على شرعية الحركتين، كل في مكان سيطرته؟ ثم ألا يمسّ ذلك بشرعية هذه السيطرة في الضفة وغزة، الأمر الذي يخدم السياسة الإسرائيلية التي أعلن عنها مؤخراً وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان؟
ليس لدى أي طرف أجوبة واضحة وموثوقة على هذه الأسئلة، أو أن من يملك الإجابة يتحفّظ عليها. لقد أصبح واضحاً أن إسرائيل تملك استراتيجية إزاء كيفية التعامل مع عناوين وجغرافيا الوطن الفلسطيني الذي يفترض أن يشكل جغرافيا الدولة والأساس الذي تقوم عليه رؤية الدولتين.
إزاء الضفة الغربية يتمثل المخطط الاحتلالي في تعميق الفصل بين المدن الفلسطينية الرئيسة مثالها الآن مدينة الخليل بحيث تتعمق سياسة الكانتونات بما يمكّن إسرائيل من التعامل مع كل مدينة وبلدة وقرية على حدة وباستخدام أسلوب العصا والجزرة. لم يخفِ ليبرمان هدفه في عزل قمة السلطة والسلطة عن مجتمعها، من خلال التعامل المباشر قفزاً على السلطة وآليات التنسيق المعتمدة حسب أوسلو، كما لا يخفى الهدف الإسرائيلي في إعادة إحياء روابط القرى، كجوهر وليس كمسمّى، الأمر الذي قد يجد في نتائج الانتخابات في حال عدم فوز حركة فتح فيها، مبرراً وذريعة تساعد الاحتلال على تحقيق أهدافه، خصوصاً وأنه أي الاحتلال لا يزال صاحب اليد الطولى في الضفة!
تجاه قطاع غزة، لم تتحول إسرائيل عن أسلوبها المعتاد في التعامل مع القطاع من خلال الحروب وارتكاب جرائم الحرب، وهي تجاهر بأن الحرب القادمة ستكون أكثر بشاعة وفظاعة من سابقاتها، وحيث تضع عنواناً لها القضاء على سيطرة «حماس» لحماية أمنها الاستراتيجي.
سكان القطاع يتابعون ما يصدر من تصريحات وتهديدات عن مصادر السياسة الإسرائيلية، ولكنهم، أيضاً، يعرفون بالتجربة أن تحليق الطائرات دون طيار على مدار الساعة في سماء القطاع ومنذ أسابيع، لا يمكن أن يكون مجرّد تمرين، أو أنه عمل روتيني وحسب.