جرائم النظام، أم المعارضة؟

عبد الغني سلامة
حجم الخط

حسب بيان منظمة العفو الدولية؛ قُتل نحو سبعة عشر ألف معتقل أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين آذار 2011 وكانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر، أو عشرة كل يوم. مقارنة بثلاثة إلى أربعة قتلى شهريا قبل تفجر الأحداث في 2011.
وفي تقريرها الذي صدر هذا الشهر (آب 2016) تحدثت المنظمة عن روايات مخيفة حول أنواع وطرق التعذيب داخل أروقة السجون، مثل الضرب المبرح بقضبان السيلكون أو بأسلاك معدنية، أو الصعق بالصدمات الكهربائية، ونزع الأظافر، وحتى السلق بالمياه الساخنة، وصولا إلى الضرب حتى الموت. كل هذا مع الاكتظاظ الشديد، ونقص الطعام والرعاية الطبية. واستندت المنظمة في تقريرها إلى شهادات عن 65 ناجيًا من سجون النظام، وخاصة سجن «صيدنايا»، أحد أكبر السجون السورية وأسوأها سمعة، ومنها شهادات من معتقلات تعرضن للاغتصاب.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت في تقريرها إن لديها قوائم بأسماء 117 ألف معتقل في سجون النظام، بينهم نساء وأطفال، وتقدر عددهم الإجمالي بأكثر من 215 ألف معتقل.
وطبعا جرائم النظام لم تبدأ فجأة ردا على الثورة؛ فقبلها بسنوات، كان المخرج السوري «مصطفى خليفة» قد كتب شهادته في روايته الشهيرة «القوقعة»؛ و»خليفة» واحد من ضمن عشرات الآلاف ممن أمضوا شطرا من حياتهم أو جلها في غياهب السجون.. إسلاميون وشيوعيون وعرفاتيون، صبية وشيوخ، عمال وفلاحون وأطباء ومهندسون ومفكرون وأميون، كان أكثرهم من جماعة الإخوان المسلمين، الذين خاضوا معركة كسر عظم مع النظام السوري، ومهما كانت أسباب الخلاف؛ فلا شيء يبرر تلك القسوة والسادية التي تعامل بها السجانون مع المعتقلين؛ فقد كان ممنوعا عليهم الصلاة أو تلاوة القرآن، أو حمل أي ورقة أو قلم، أو قراءة كتاب، حتى الجريدة كانت ممنوعة، وكذلك التلفاز والراديو، العلاج، الرياضة، غسل الأسنان، إخراج النفايات خارج المهجع، الطعام كان رغيفا واحدا في اليوم وأحيانا أقل من ذلك، لا زيارة للصليب الأحمر أو حتى الأهل، المرة الوحيدة التي سمح فيها الزيارات كانت نوعا من الفساد، إذْ كانت تتطلب زيارة الأهل تقديم كيلوغرام من الذهب الخالص لزوجة مدير السجن، ويؤكد المساجين أن مجموع ما تلقاه مدير السجن من رشاوى بلغ 665 كغم من الذهب!! ولكن الرواية (وهي رواية تسجيلية) لا تتحدث عن أساليب التعذيب فقط، بل تصف كيف كان يعمل النظام على قتل الإنسان في نفس السجّان، وكيف تحوله خلال مدة قصيرة إلى جلاد عديم الشفقة. وتتحدث عن غياب القانون، والاستهتار بحقوق الإنسان، وانعدام المحاكمات العادلة، والفساد المستشري في المؤسسة الأمنية.
وجرائم النظام لا تنحصر في السجون؛ فأغلب المدن السورية تقريبا طالتها البراميل المتفجرة، فضلا عن أعمال البطش والتنكيل والاعتقالات والتجويع والعقوبات الجماعية.. ولكن، هل النظام وحده المسؤول عن مقتل مئات الآلاف من السوريين، وأغلبيتهم مدنيون، وهل وحده المسؤول عن تشريد الملايين، وعن كل هذا الخراب والدمار؟ كما تصوره لنا وسائل الإعلام، مستخدمة كل أساليب التضليل والتزوير.. وحسب أطروحات المنظّرين (من جانبي الصراع)، حيث يسعى كل طرف لشيطنة أعدائه وتبرئة جماعته!! الجواب واضح لمن يبحث عن الحقيقة؛ فمئات الآلاف من المسلحين الأجانب، والذين يسيطرون على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، لا يمارسون السياحة فيها، ولا يوزعون الورود على المواطنين.. هؤلاء أتوا في سياق مخططات دولية تستهدف الدولة السورية، وفي سبيل ذلك، مارسوا جرائم مروعة بحق المدنيين، وتفوقوا بوحشيتهم على النظام.. النظام يقصف بالطائرات والبراميل والدبابات، والمعارضة تقصف بالهاون وأسطوانات الغاز والقنابل البشرية الانتحارية.. ومثلما أن للنظام سجونا مروعة، وتعدم دون محاكمات, للمعارضة أيضا سجون لا تقل ترويعا، وتنفذ إعدامات ميدانية، حتى بحق الأطفال.. الحقيقة أن لا أحد بريء، والكل أجرم بحق الشعب السوري.. والملفت أن قوى المعارضة والنظام على حد سواء حريصون على توثيق جرائمهم، فمثلما تنشر داعش والنصرة وغيرها من التشكيلات الإرهابية صور الإعدامات والتعذيب، قام أحد المنشقين عن الشرطة العسكرية، والذي كان مسؤولًا عن تصوير وتوثيق الجثث وترقيمها، ويدعى «قيصر»،  بتسريب 50 ألف صورة مروعة لجثث معتقلين لدى النظام مورس عليهم أشد أنواع التعذيب.
حتى لو امتلكت الدولة حق احتكار القوة، لبسط نفوذها على أراضيها، ولفرض الأمن، وطرد الغزاة والإرهابيين، وحتى لو سلمنا بوجود مؤامرة دولية.. فإن كل ذلك لا يبرر قسوة الإجراءات التي تتخذها الدولة، ولا يبرر أعمال القتل العشوائي، وقصف الأحياء السكنية، والقمع الوحشي.. ومقابل ذلك، مهما بدت لنا شعارات قوى المعارضة جميلة وبراقة، ولو اتفقنا على مشروعية الثورة؛ إلا أن ما يجري على الأرض لا علاقة له بأهداف وأولويات الشعب السوري.. وكل الأهداف السياسية والأيديولوجية لا تبرر قتل إنسان واحد، ولا تبرر تشريد الأطفال والنساء، ولا تساوي كل هذه المآسي والويلات التي حلت بالشعب السوري.
المطلوب فقط أن تنتهي هذه الحرب العبثية، التي لن ينتصر فيها أحد، ولا يستفيد منها أحد (سوى إسرائيل).. يجب أن تنتهي فورا، دون شروط.. فكرامة الإنسان السوري وحياته أهم من كل الشعارات المرفوعة من قبل جميع أطراف الصراع.. ونظرة الطفل الحلبي «عمران» الذي نجا من القصف، وسؤاله المحير المرسوم على وجهه المعفر بغبار القصف تلخص المسألة أصدق وأوجز تلخيص.. وصرخته الصامتة الموجهة إلى ضمائر العالم: إلى متى سيستمر هذا الجنون؟!