"الدقة" و"الإيجابية" في الحديث عن الإسرائيليين ..

جميل
حجم الخط

 

 
اتُهم وزير الخارجية المصري سامح شكري، بأنّه قال إنّ "قتل "إسرائيل" لأطفال فلسطين ليس إرهاباً". والواقع أنّه لم يقل ذلك، وتم "تزوير" أقواله. لكن هذا لا يلغي أن الخطاب العربي عموماً، ومن ضمنه المصري، يشهد إشارات إيجابية مريحة للإسرائيليين، ما يبرر التساؤل: هل هناك سياسة جديدة قوامها مواجهة التعنت والرفض والسياسات الإسرائيلية بإبداء اللطف والكياسة؟ وما هدف وسبب ذلك؟
 
عندما سُئل الوزير المصري بشأن "عدم حصول عملية (إرهاب) واحدة في "إسرائيل" بينما تحدث العمليات في كل مكان"، وسئل "لماذا لا يعد ما تفعله قوات الاحتلال.. وما فعلته الولايات المتحدة في العراق، وما تثيره من قلاقل في الدول العربية إرهاباً؟"، قال الوزير إنّه لا يمكن الحديث عن مؤامرة، أو مؤشرات قاطعة (تقول إن "إسرائيل" تقف خلف هذه المنظمات الإرهابية). وبالنسبة للفعل الإسرائيلي والأميركي، فإنّه قال إنه "من الناحية القانونية لا يوجد توافق للمجتمع الدولي على تعريف حالة الإرهاب"، لكنه قال إنّه "في الإطار السياسي، فإنّ العمل العسكري من دون شرعية، هو غير شرعي، وغير معتمد دوليا، والتدخل في شؤون الدول الداخلية عمل لا يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة". ورد الوزير عدم حدوث أعمال إرهابية لدى الإسرائيليين، باحتمال أن يكون السبب هو قوة الإجراءات الأمنية الإسرائيلية.
 
تزامنت تصريحات شكري مع تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يتحدث لمصارع إسرائيلي عائد من الألعاب الأولمبية في البرازيل، كان قد واجه منافساً مصرياً لم يرفض اللعب أمامه، ولكنه رفض مصافحته بعد المباراة. إذ يقول نتنياهو وهو يستقبل المصارع المنتصر، العائد بميدالية فوز من هناك: "أود إخبارك أني استلمت أمس رسالة من مصر"، وأنّه (تعليقا على موضوع رفض المصافحة)، "أخبروني من مصر: أريد أن تعرف، أنّ هناك أصواتا أخرى سُمعت".
 
يمكن القول إنّ تصريحات شكري تعرضت للتحريف، وأن نتنياهو أيضاً قد اعتاد "الكذب" وعدم الدقة. لكن في الأثناء، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حديث مطول للصحف المصرية: "أرى أن القناعة بأهمية السلام تتزايد لدى الجانب ال"إسرائيل"ي، والقناعة بإيجاد مخرج للقضية مؤشر إيجابي".
 
إضافة تصريح السيسي المحدد، إلى ما سبق ذكره من "أحاديث" مشوشة، مع حقيقة زيارات عرب قريبين من مراكز صنع القرار في دول عربية، لفلسطين تضمنت لقاءات مع إسرائيليين، ومشاركات لشخصيات عربية مع إسرائيليين في ندوات ومحاضرات في مراكز أبحاث عالمية، يثير استغرابا عن سبب هذا النهج في الخطاب العربي.
 
 والاستغراب نابع من ثلاثة أسباب: الأول، هو عدم العثور وتوجيه كلمات إدانة ورفض وحتى غضب من السياسة الإسرائيلية، والظهور بموقع الهدوء الشديد، والوصول حد "الارتياح" من ميول السلام الإسرائيلية المزعومة، فيما العدوان الإسرائيلي على الأرض يأتي متطرفاً كعادته، بل يفوق العادة، كما يحدث مثلا في المسجد الأقصى. وسبب الاستغراب الثاني، أنّ المطلوب من السياسي العربي أن يوضح ماذا سيفعل لجعل الطرف الآخر يستجيب للمطالب العربية المشروعة، وليس مجرد التحليل، وماذا سيفعل إذا استمر التعنت (ولكن الخطاب العربي الرسمي والنخبوي المشار إليه أعلاه لا يلحظ هذا التعنت). وسبب الاستغراب الثالث، هو "لماذا الآن؟".
 
يفترض المواطن العربي (كما في حالة طالب المدرسة الذي وجه سؤاله للوزير المصري)، أنّ تقدم له حكوماته ردها الفاعل على السياسات المعادية له. ولكن عندما يلاحظ أنّ الخطاب الرسمي يكاد لا يرى العدوان، أو يصفه بصيغ ملطفة، فإنّه من المنطقي أن تُطرح أسئلة، تتراوح حدتها ومعانيها. فقد يُسأل أولا، هل هناك عملية إعادة تعريف للمشكلة مع ال"إسرائيل"يين، أو حتى إعادة تقديم ""إسرائيل"" وسياساتها وماهيتها؟ وقد يُسأل أيضاً: هل توجد أولويات أخرى في المنطقة، تتطلب تغيير توصيف وطبيعة العلاقة مع الإسرائيليين، حد رؤية "إيجابيات" لا يراها المواطن العادي؟ وسؤال آخر، قد يكون: هل هناك ما يحدث في الخفاء قد يجعل رئيسا عربيا يرى قناعة متزايدة لدى الإسرائيليين بالسلام رغم كل المواقف اليمينية المتطرفة يومياً على المستويات الشعبية والرسمية الإسرائيلية؟