لماذا يأتي الإعلان من القاهرة وليس من موسكو؟ ولماذا توقظ القضية الفلسطينية من سباتها والنسيان العربي والدولي، بعدما كانت آخر المبادرات الاميركية الفاشلة قد توقفت في نيسان من عام 2014، وبعدما ادرك فرنسوا هولاند ان المؤتمر الدولي الذي ستعود باريس لتنظمه نهاية السنة حول القضية، لن يتمكن من ان يغيّر شيئاً من سياسة الاحتلال والتهويد التي تمضي اسرائيل في تنفيذها؟
في 21 تموز الماضي فاجأ عبد الفتاح السيسي العالم العربي، الغارق في حروبه والمصائب من تونس الى اليمن، بالإعلان عن ان مصر تقوم "بتحرك جاد" لتسوية القضية الفلسطينية وتحقيق السلام، وعلى رغم ان هذا الإعلان جاء مباشرة بعد عودة سامح شكري من أول زيارة يقوم بها وزير خارجية مصر لاسرائيل منذ تسعة اعوام، إلا انه بدا وكأن نتنياهو، الذي أراد التعكير على التحرك الفرنسي، طرح ما دفع القاهرة الى الإعلان عن رغبتها في التحرك!
مساء الأحد الماضي إستدعى السيسي رؤساء تحرير "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" وأبلغهم ان فلاديمير بوتين أبلغه استعداده لاستقبال محمود عباس وبنيامين نتنياهو لإجراء "مفاوضات مباشرة"، وان مصر تدعم أي تحرك من الدول القادرة على التأثير سواء كانت روسيا أو أميركا للتوصل الى سلام بين اسرائيل والفلسطينيين!
غريب تماماً ان ياتي الإعلان من السيسي وليس من بوتين مباشرة، خصوصاً أنه مستمتع جداً في هذه الأيام بوراثة الاميركيين في المنطقة وسيكون مستمتعاً ايضاً بتهميش الفرنسيين الذين أغاظوه في أوكرانيا في المسألة الفلسطينية وغيرها.
ولأن السيسي حاول في ايار بالتوازي مع التحرك الفرنسي يومها تحريك القضية الفلسطينية، قائلاً ان تحقيق السلام بين اسرئيل والفلسطينيين سيتيح إقامة سلام أكثر دفئاً بين القاهرة وتل ابيب، فقد بدا غريباً تجيير المسألة الى بوتين الذي على رغم أنه يقيم علاقات حارة مع نتنياهو زادت رسوخاً عبر التنسيق بينهما منذ أيلول من العام الماضي، عندما بدأ التدخل العسكري الروسي في سوريا، فإنه يدرك تماماً انه لن يتمكن من ان يحقق شيئاً، مع أننا في زمن السبات الإنتخابي الاميركي، أولاً لأن اسرائيل لا تريد السلام في الأساس، وثانياً لأن دعوة السيسي الى مفاوضات مباشرة بين "أبو مازن" ونتنياهو ستجد رفضاً فلسطينياً صريحاً لأن المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة تمثل محور المناورة التي نفذها نتنياهو لإفشال المبادرة الفرنسية الاخيرة!
عندما انعقد مؤتمر باريس قال نتنياهو: "بدلاً من اقناع محمود عباس بقبول الدخول في مفاوضات مباشرة معنا دون شروط مسبقة، فإن المجتمع الدولي يذعن لمطالبه ويسمح له بالتهرب من المفاوضات المباشرة"... ولهذا تتضاعف الغرابة عندما يدعو السيسي الى مثل هذه المفاوضات وفي رعاية بوتين!
عن النهار اللبنانية