الحدث البرازيلي .. والحرب على الـ«بريكس»!!

هاني حبيب
حجم الخط

لم تشذ عن القاعدة سوى دولتين، باراغواي وكولومبيا، ذلك أن باقي دول أميركا اللاتينية، وبنتيجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، نجح فيها اليسار أو يسار الوسط، بينما نجح اليمين ويمين الوسط في تلك الانتخابات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بالنسبة لكولومبيا، فإن المفاوضات التي كانت جارية مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) أدت إلى نجاح اليمين الذي يقوم بالتفاوض، بسبب رغبة الشعب الكولومبي في الخروج من المواجهة العسكرية التي استمرت لعقود طويلة، وبالفعل شهدنا قبل أيام، نجاح هذه المفاوضات.
العام 2013 استطاع ماديرو خلافة شافيز في فنزويلا من خلال صناديق الاقتراع، بينما فازت ميشيل باتشيت في تشيلي، ورافائيل كوريا في الإكوادور بولاية جديدة، أما في العام 2014، فاز ايبو موراليس في بوليفيا وديلما روسيف في البرازيل، أما في الأوروغواي فقد فاز تاباريه بانكين.
الملاحظة هنا، ان معظم الرؤساء من اليسار أو يسار الوسط، الذين يعودون للترشح مرة ثانية للانتخابات، يفوزون عادة، كما رأينا في تجديد ولايتهم، ما يشير إلى أن جمهور الناخبين أكثر رغبة في استمرار واستقرار بلادهم على ضوء التجربة الناجحة لحكم اليسار أو يسار الوسط في معظم دول أميركا اللاتينية، لذلك رأينا أن شخصيات ووجوه معظم الرؤساء قد استمرت لولايتين متعاقبتين وهو الحد الأعلى طبقاً لدساتير هذه الدول، وهذه الظاهرة، لن نجد لها أثراً العام 2018، حيث ستجرى معظم الانتخابات، وستظهر وجوه جديدة، من الممكن التكهن أنها يسارية عموماً.
هذه الظاهرة، تحول أميركا اللاتينية إلى اليسار، بدأت في الواقع وبالتدريج منذ بداية الألفية الجديدة، وبالتطلع إلى الانتخابات القادمة العام 2018، نكون أمام عقدين من سيادة اليسار في معظم أنحاء القارة، "كانقلاب" انتخابي ديمقراطي على عهد النظم العسكرية الديكتاتورية التي استمرت حتى نهاية القرن العشرين، وبات اليسار هو القوة الصاعدة الجديدة التي تقلق بالتأكيد الولايات المتحدة التي كانت مسترخية وضامنة لمصالحها طوال فترة الديكتاتورية العسكرية التي حكمت أميركا اللاتينية.
إلاّ أن واشنطن، وهي تتابع أرقام نتائج انتخابات فوز اليسار، تبين لها أن معظم الرؤساء الفائزين من اليسار، لم تتخطَ نسبة فوزهم 51 ـ 65 بالمئة، رغم المشاركة العالية في الانتخابات، الأمر الذي يوفر من وجهة نظر الولايات المتحدة، تطلعاً إلى انتهاء "العقدين الأحمرين" في أميركا اللاتينية، إذا ما استثمرت قدراتها، خاصة الاستخبارية لدحر قوى اليسار عن القارة، وهي تتطلع إلى انتخابات العام 2018 لتحقيق هذا الهدف، الاّ أنها بالتأكيد ستعمل مبكراً لتهيئة الظروف المناسبة، لكي تتوج طموحاتها في تلك الانتخابات، ومن هنا يمكن فهم الدور الأميركي في "الحدث البرازيلي"!
خلال العقود الماضية تعددت الأقطاب المعادية للولايات المتحدة الأميركية في أميركا اللاتينية، وتصدت لها الآلة الاستخبارية انطلاقاً من واشنطن، من تشيلي في سبعينيات القرن الماضي، إلى الانقلاب على تشافيز في فنزويلا مع نهاية القرن الماضي، ومع بداية القرن الحالي، ظهرت البرازيل كقوة نامية متصاعدة وبحيث باتت مرشحة من قبل أميركا اللاتينية لأخذ منصب عضو دائم العضوية لدى مجلس الأمن في حال تمت إعادة هيكلة الأمم المتحدة، مع تطور اقتصادي متنام وسريع كالهند في آسيا. البرازيل هي الدولة الوحيدة التي مثلت أميركا اللاتينية لدى دول البريكس (إضافة إلى روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) هذه الدول تعتبرها واشنطن الأكثر تحدياً على المستوى الاقتصادي على الأقل لهيمنتها على السوق الدولية، خاصة بعد محاولة دول البريكس كسر هيمنة الدولار وإطلاق تجارة بينية بعملاتها المحلية كبديل عن الدولار وتأسيس "بنك التنمية الجديد" كمنافس لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الحرب الناعمة التي شنتها أميركا على البرازيل، بدأت مع الرئيس السابق للدولة اللاتينية، الزعيم العمالي لولا دي سيلفا، ولم تبدأ مع الرئيسة الحالية التي تمت تنحيتها، كما يبدو عليه الأمر، بعدما قرر اسكوبار، بإبعاد شركات النفط العالمية الكبرى، الأميركية على وجه الخصوص من الاستثمار في بلاده، الأمر الذي أدى إلى انتشار عدوى "الإبعاد" إلى بعض دول القارة، أو على الأقل وضع هذا الهدف على جدول الأعمال.
إذن، ليس في الأمر، افتعال مؤامرة، بقدر ما هو مؤامرة حقيقية، باتت أكثر تأكيداً بالنظر إلى تجربة الولايات المتحدة مع دول القارة طوال عقود طويلة، وبالتالي لا يجب النظر إلى "الحدث البرازيلي" بوصفه جزءاً من آليات الديمقراطية والقضاء والقانون، بل باعتباره سياقاً من سياقات الهيمنة الأميركية التي تتعامل مع هذه القارة كحديقة خلفية لا أكثر ولا أقل، وكان من المتوقع ألا تهدأ واشنطن بينما تتشح أميركا اللاتينية بالأحمر، وتقيم علاقات متوازنة مستقلة بعيداً عن الحسابات الأميركية.. وهذا ما حدث في "الحدث البرازيلي"!!