بقلم: شلومو شامير / عن «معاريف»
الرئيس براك أوباما متورط، حيث لا تنجح جهوده لشرح المنطق والحكمة الكامنين في الاتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه مع طهران فيما يتعلق ببرنامجها النووي. محاولته اقناع الجمهور بصحة العملية الجريئة التي قادتها الولايات المتحدة والتي أثمرت ما وصفه بـ «الانجاز التاريخي» وأنه حقق «فرصة تاريخية» لم تحقق هدفها.
ليس فقط صحافيون ومحللون، ومنهم اولئك الذين يعتبرون خبراء، لا ينجحون في التوصل الى كهن الاتفاق ويتصعبون التعامل مع الشيطان الموجود في التفاصيل. فاوباما نفسه لم ينجح بالضبط في تفسير وتوضيح تفاصيل الاتفاق الذي يعتقد أنه سيسجل في التاريخ السياسي للولايات المتحدة ويتم ذكره كانجاز كبير وكإرث مركزي لفترة ولايته في البيت الابيض.
ليس صدفة أن اوباما اختار «نيويورك تايمز» كنقطة انطلاق لسلسلة من المقابلات والتصريحات، وأعطى لصاحب العمود المهم، توماس فريدمان، مقابلة مطولة نشرت في النسخة المطبوعة، كما تم بثها في التلفاز. إن تأييد الصحيفة المحترمة لاوباما يصل الى حد التبجيل. توماس فريدمان، صاحب العمود المحترم، يعبر بصدق عن خط هيئة تحرير الصحيفة الداعم لاوباما بدون تحفظ، ولكنه في مقابلته مع الضيفة البيتية والصديقة على شاكلة «نيويورك تايمز» وكذلك في مقابلات اخرى نشرت في الولايات المتحدة منذ التوقيع على وثيقة الاطار، لم يظهر اوباما في أحسن حالاته. التوضيحات التي قدمها حول موافقة الولايات المتحدة التوصل الى تفاهم مع ايران، والدوافع التي ذكر بأنها وقف من وراء النتائج النهائية للمفاوضات المطولة والمضنية، والتثمينات التي نشرها حول التأثيرات الايجابية المتوقعة من الرؤية الدبلوماسية التي تبناها البيت الابيض ازاء ايران أقنعت في أحسن الاحوال المقتنعين. ومن المشكوك فيه اذا ما اكتسبت مؤيدين جددا.
الجزء الخاص باسرائيل ايضا، الذي أخذ حيزا لا بأس فيه في المقابلة، والذي حاول فيه الرئيس تفنيد التقارير حول كراهية اسرائيل وأشار الى وفاء الولايات المتحدة بتعهدها بأمن اسرائيل، بدا كاسماع لنص معروف أكثر منه تصريح لزعيم دولة عظمى يريد تهدئة حليفة له. تماما في مفترق طرق سياسي – تاريخي بالنسبة اليه ولبلاده، لم يكن اوباما ذلك الخطيب المفوه، ولم يبدُ مثل ذلك الذي يتمتع باظهار قدرته على الاقناع. لقد بدا بعيدا عن الصورة المفضلة لديه، صورة زعيم الدولة العظمى الواثق بنفسه والمتعالي الذي لا يفوت فرصة لاثبات حكمة خطواته وصحة قراراته. الحقيقة أنه بعد سلسلة المقابلات التي أجراها بسخاء بقيت اسئلة اكثر من الاجوبة فيما يتعلق باتفاق الاطار.
فشل اوباما في تسويق الاتفاق مع ايران أكثر من ذلك، اذا أخذنا في الحسبان الدافع الحقيقي من خلف الرغبة التي أظهرها للتوصل الى اختراق دبلوماسي مع ايران آيات الله، العدو الأكبر والأقدم للولايات المتحدة. «لا أفهم لماذا امتنع الرئيس عن التوسع في حديثه حول تطلعه لوضع نهاية لعهد الحروب، وخاصة التركيز على اعتقاده حول الغاء كل امكانية مستقبلية للتدخل العسكري الاميركي المباشر في الحروب والنزاعات الاقليمية»، تساءل سفير غربي في الامم المتحدة، «هذا الادعاء كان يمكن استيعابه بشكل أفضل وأسرع من الرأي العام الاميركي والغربي أكثر من محاولات شرح التفاصيل الفنية الموجودة في الاتفاق».
منذ الهزيمة النكراء التي أنهت حرب فيتنام، وتركت جرحا عميقا لم يلتئم بعد تماما في التاريخ العسكري الاميركي، لم تنجح الولايات المتحدة في الحروب التي أدارتها ولم تجبِ أي ربح سياسي من تدخلها العسكري المباشر وغير المباشر في النزاعات.
الحرب في العراق كلفت الخزينة الاميركية مبلغا باهظا يصل الى نحو تريليوني دولار (2000 مليار دولار) وأكثر من 4 آلاف جندي اميركي قتلوا و30 ألف جريح. العراق اليوم هو دولة مقسمة تقع تحت تأثير قوي ومتزايد لايران. لا يوجد للولايات المتحدة تقريبا موطئ قدم لدى الاوساط الحاكمة في بغداد. بعد كل ذلك العدد الكبير من الضحايا والخسائر الاقتصادية فان الولايات المتحدة مكروهة من العراقيين ومتهمة بأنها بعد انسحابها من العراق نشأت فوضى تم استخدامها كقاعدة لاندلاع الحرب الحالية لـ «داعش».
استمر تواجد القوات الأميركية في افغانستان فترة اطول من مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. التدخل في افغانستان كلف الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار ونحو 2000 جندي اميركي قتلى في المعارك مع «طالبان» وفي العمليات الارهابية في افغانستان. هذا التدخل العسكري لم يثمر أي نتائج سياسية مهمة للولايات المتحدة أو لأي واحدة من دول التحالف التي شاركت في الجهود العسكرية هناك.
العدد الكبير من الضحايا التي ضحت بها الولايات المتحدة في الحربين – في العراق وأفغانستان - وانعدام ثمارها بالنسبة للأميركيين والتدخل في هاتين الدولتين شكلتا بداية فترة اوباما ووضعتا الخطوط لما سماه المحللون في واشنطن وفي الامم المتحدة في نيويورك «نظرية التخلي عن التدخل العسكري ووضع الدبلوماسية كعنصر مركزي في الجهود للتوصل الى حل النزاعات الاقليمية». لقد سحب اوباما القوات الاميركية من العراق، وبدأ في تحديد حجم الجيش الاميركي في أفغانستان. كما أنه جدد ما سُمي بالقيادة من الخلف، أي التدخل العسكري غير المباشر بدون التدخل البري كما قام الاميركيون بذلك في ليبيا. هذا ايضا هو نوع التدخل الذي تتبعه الولايات المتحدة في جهودها العسكرية ضد قوات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسورية، التي تنفذها عبر قصف الطائرات الأميركية لأهداف «داعش».
في المحادثات مع دبلوماسيين في نيويورك سُمع الإدعاء القائل إن نظرية استخدام الدبلوماسية كرافعة مركزية لحل الصراعات والتوترات والعداوات بين الدول هي ما سموه بـ «مقامرة غير بسيطة وخطرة». الدبلوماسية هي وسيلة ناجعة فقط إذا عملت في إطار الاجماع بين العناصر المشاركة، هكذا أوضحوا في تلك المحادثات. «الدليل المؤسف على هذا هو حقيقة أن المجتمع الدولي وخاصة مجلس الامن لم ينجح في وضع حد للحرب الاهلية في سورية، التي دخلت عامها الخامس»، أوضح السفير الغربي في نيويورك.
ما يُحرك أوباما في سياسته هو سعيه الى التوصل الى اتفاق مع إيران من خلال الارتكاز على ايمانه بنهاية عهد الحروب وعلى اقتناع شخصي كبير بأن الدبلوماسية هي البديل والمخرج لوقف فظائع الحرب وتحقيق السلام.