انتهت يوم الاثنين الماضي، في مدينة هانغتشو، في الصين، القمة الحادية عشرة لمجموعة الدول العشرين الكبرى اقتصاديا، أي التي تشكل نحو 85 % من الاقتصاد العالمي. ولعل أوضح النتائج الأولية للقمة أنّه لا توجد نتائج، وهو ما يعني، بشكل آخر، أنّه لا يوجد نظام دولي جديد، بل إنّ القمة شهدت أنواعا من الشغب الذي يصل حد البذاءة أحياناً.
كان المأمول العام 2008 أن تنهض هذه المجموعة، التي تأسست نهاية التسعينيات، لتتولى تغيير نظام العالم الاقتصادي والمالي. وكان يبدو أنّ لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما، مثل هذه الأهداف. لكن اتضح أنّ الأمر غير ممكن. كان المتوقع أنّ تؤسس هذه المجموعة نظاماً على أسس الوزن الاقتصادي الراهن للدول، بما يعطي الصين وألمانيا، مثلا، وزنهما المناسب؛ ويمثل الشرق الأوسط، عبر السعودية وتركيا. وهذا منظور واقعي يأخذ القوى العالمية الحالية بالاعتبار. وبالتالي يمكن الأمل بإصلاح الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، لإعطاء القوى العالمية الأساسية وزنها المناسب، بعيدا عن توزيع القوى الذي كان سائدا عقب الحرب العالمية الثانية، عندما تأسست الأمم المتحدة.
لكن واحد من الأسباب التي فشلت مجموعة العشرين لأجلها، أنها حاولت تحدي البنوك والشركات الكبرى التي تسببت بكارثة 2008 الاقتصادية، وفرض قرارات مثل تحديد ومراقبة رواتب ومكافآت مديري البنوك والشركات. إذ وافق العالم، لكنّ المستثمرين ورجال الأعمال والمديرين في الولايات المتحدة، حركوا أنصارهم في عالم السياسة، وانتفضوا واعتبروا القرارات مساساً بالسيادة القومية الأميركية، ففشلت الخطة.
بالنظر للقمة الأخيرة، فقد كان لافتاً وطريفاً أن الرئيس الصيني، الذي يمثل الحزب الشيوعي، شي جينبينغ، ركز على أهمية الاقتصاد الحر (الذي يتهمه الماركسيون عادة بأنه نوع من الاستعمار الجديد)، وهاجم سياسة الحماية التجارية في بعض الدول؛ كما أنّ الرئيس أوباما لم يتناول الاقتصاد الحر فقط، بل ودعا للاقتصاد العادل أيضاً. والواقع أن الصين تتحرك بعد أن وجدت عداءً ضد استثماراتها العالمية، من مثل منع استراليا لها من دخول مشروع طاقة ضخم، وتأجيل بريطانيا لمشروع طاقة نووي يعتمد على استثمارات صينية. لكن في المقابل، يتهم العالم الصين بأنّها تمارس سياسات حماية متزايدة، وأنها تفرض قوانينَ جديدة إضافية تحد من قدرة المستثمرين الأجانب على العمل في الصين. وتقوم بسياسات تجعل بضاعتها رخيصة ما يجعل المنافسة غير شريفة. ومن هنا، مثلا، تشعر بريطانيا بالغضب لأن صناعة الحديد والصلب الصينية تغزو أسواقها وتدمر صناعاتها الشبيهة.
مع فقدان الأمل بالتوصل إلى تفاهمات عالمية حقيقية جماعية في الشؤون المالية والاقتصادية، اتجه الانتباه لاحتمالات التوصل لتفاهمات سياسية ثنائية. وكان هناك نجاح في التوصل (قبل القمة) لتفاهم في اتفاقات البيئة والمناخ بين الصين والولايات المتحدة، وتحديداً تعديل اتفاقية "باريس" للتغير المناخي. عدا ذلك، كان هناك فشل في التوصل لتفاهم روسي أميركي بشأن سورية، وفشل في التوصل لتفاهمات تجارية مع بريطانيا على خلفية خروجها من الاتحاد الأوروبي.
مع هذا الخواء، انشغل كثير من وسائل الإعلام بمراقبة كيف يقف الرؤساء أثناء التصوير، وكيف يتحدثون مع بعضهم، ففي بريطانيا مثلا، ثار تساؤل: هل وقوف رئيسة وزرائهم في طرف الصورة الجماعية للرؤساء، دليل تراجع مكانة بلادها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؟ ليتضح أن ترتيب الوقوف في الصورة مرتبط بأقدمية تولي الرئيس لمنصبه. وكذلك انشغل خصوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (الذي دعي كضيف، إذ مصر ليست من دول المجموعة)، بالبحث عن أي صورة تقلل من أهميته، فيما قام أنصاره بالبحث عن صور مضادة؛ كإظهار التكريم الصيني أثناء استقباله مقابل استقبال مهين لأوباما.
بعض الرؤساء حاولوا المشاغبة من خارج القمة، كرئيس كوريا الشمالية الذي قام بتجربة صاروخية في البحر، في آخر أيام القمة. أمّا الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، فقد خرق كل السقوف وهو يهاجم الرئيس الأميركي، لدرجة شتمه في خطاب رسمي بعبارة بذيئة.
هذا الانشغال بالشغب والمماحكات الصغيرة، ربما نتيجة طبيعية لفشل العالم في حل أزماته، وبناء مؤسساته؛ أي في إصلاح النظام الدولي بمستوياته الاقتصادية والسياسية.
عن الغد الاردنية