كما جرت العادة في معظم الأحيان، من السهل ألا نكلف أنفسنا مراجعة قراراتنا وآثارها بقدر ما نستسهل تحميل مسؤولية خياراتنا الخاطئة لجهة أخرى. هذا ما يحدث الآن مع لجنة الانتخابات المركزية إثر قرار محكمة العدل العليا في رام الله بوقف مؤقت لإجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية المقرر عقدها في الثامن من شهر تشرين الأول القادم، وذلك على خلفية دعوى قضائية طالبت بوقف الانتخابات كونها لا تجري في العاصمة الفلسطينية القدس المحتلة، وبسبب «التوافق» على أن تقوم محاكم غزة بالنظر في الطعون الانتخابية.
بداية لا بدّ من تكرار ما سبق وإن أشرنا إليه في مقالات سابقة في «الأيام» من أن هذه الانتخابات تأتي في إطار استحقاق دستوري، وأن الدعوة إلى عقدها لا تعني عقدها فعلاً، وإشارتنا المتكررة إلى عقبات حقيقية تنتصب أمام عقد هذه الانتخابات وذلك حتى قبل أن تبدأ العملية الانتخابية وإجراءاتها الأولية.
لم يكن أحد يريد هذه الانتخابات حقاً وفعلاً، وأحد هنا يعني بالدرجة الأولى فصيلي «حماس» و»فتح». إنها دعوة للانتخابات في ظل عدم توفر الجرأة لرفضها بل بانتظار كل طرف إفشالها من الطرف الثاني كي يتحمل مسؤولية هذا الفشل، ومع استمرار الإجراءات الانتخابية وفقاً للتاريخ الزمني الذي أقرته لجنة الانتخابات المركزية، والحراك الفصائلي والشعبي بالتوازي مع سير العملية الانتخابية، بدا وكأن هذه السيرورة مستمرة حتى يوم الاستحقاق الانتخابي، مع عجز كل طرف عن وضع الطرف الآخر في خانة المعرقل أو المسؤول عن فشل هذه العملية، إلى أن ظهرت مسألة طعون القضاء الحمساوي في لوائح حركة فتح.
هنا، قامت حركة فتح باستنساخ الفكرة المسجلة باسم حركة حماس وهي فكرة «الاستدراك» فتذكرت أن هذا القضاء غير شرعي وتم تعيينه من جهة ليست صاحبة اختصاص، وتجاهلت حركة فتح أنها هي التي منحت هذا القضاء «شرعيته» عندما وافقت مع فصائل أخرى على أن يقوم هذا القضاء بالفصل في اختراقات العملية الانتخابية، وكان ذلك أحد الأسباب التي وفرت لـ»حماس» المشاركة في الانتخابات، هذه الحركة التي لم تسمح بإجراء أي شكل أو نوع من أنواع الانتخابات منذ حكمت القطاع قبل عشر سنوات. ومجرد هذا التوافق على دور القضاء في القطاع ودور وزارة الداخلية في القطاع بالإشراف على العملية الانتخابية، هذا بحد ذاته منح حركة حماس وسيطرتها على قطاع غزة الشرعية التي تمنتها من قبل رام الله، وحققت هدفاً أولياً من دون الدخول في العملية الانتخابية.
وجاء النقاش المحتدم حول تبني لجنة الانتخابات المركزية للرأي القانوني بإلغاء القائمة التي يطعن شخص أو أكثر فيها وعدم أحقيتها في الدخول بالمنافسة الانتخابية، لكي تقع حركة فتح في فخ «التوافق» الذي التزمت به في البداية، الأمر الذي استدعى هذا «الاستدراك» بعد فوات الأوان!!
وإذا كان هناك من خطأ ارتكبته لجنة الانتخابات المركزية، فإنه يتمثل في التزامها بما تم الاتفاق عليه «بالتوافق» بعيداً عن القانون الذي يشير بوضوح إلى وحدة الساحة الفلسطينية في مناطق السلطة، قانوناً وقضاءً، إلاّ أن اللجنة فضلت التوصل إلى تفاهمات فصائلية لتسهيل إجراء الانتخابات، خاصة في قطاع غزة المحروم تماماً من هذه الأداة الديمقراطية طيلة عشر سنوات من حكم حركة حماس.
ومع «استدراك» حركة فتح، ثم استدراك القضاء الأعلى في فلسطين، متأخراً كثيراً فاتحاً بذلك سلسلة من الاتهامات، ذلك أن المسائل التي اعتمدها لتبرير الوقف المؤقت للانتخابات كانت معروفة منذ بداية العملية الانتخابية حول القدس، وحول محاكم البداية لدى حركة حماس، هذه الحركة التي لا سلطان لها لا على لجنة الانتخابات المركزية ولا على محكمة العدل العليا.
وبعيداً عن التفاصيل التي لم تعد، ولم تكن مهمة، فإن الأمر كله يتعلق بعدم توفر مصلحة حقيقية بإجراء هذه الانتخابات، من قبل حركتي فتح وحماس، لأسباب متباينة بالتأكيد، والمسألة لم تعد، ولم تكن قانونية أو دستورية، بقدر ما هي مسألة سياسية، وأشير هنا إلى «سياسية» ارتباطاً بالوضع الفلسطيني المتأزم على ضوء الانقسام وليس ارتباطاً بتداعيات إقليمية وعربية حسب ما رأى البعض، وعوضاً عن توجيه السهام إلى لجنة الانتخابات المركزية، فإن الأَولى هو تقييم هذه التجربة وتقويمها واستخلاص العبر. هناك الكثير الذي يمكن أن نتحدث عنه سلبياً حول أداء حركة فتح، بصرف النظر عن العناوين الرئيسة لهذه التجربة!!