تقديم
لم أجد تقييماً للاتفاق الذي تم توقيعه قبل أكثر من عقدين أصدق من تعبير النائب عن حماس د. يحي موسى، حيث أشار إلى أن "أوسلو كانت بمنزلة "أم الكبائر" للفساد السياسي الذي دمر الحركة الوطنية الفلسطينية؛ فهي الأب الشرعي لجميع أنماط الفساد الأخرى؛ لأن ضحاياها هم الوطن والشعب والأرض، وأدواتها هي التآمر مع أعداء الأوطان، دمرت الإنسان الفلسطيني بفعل القهر والاستبداد، وأضعفت الحركات الوطنية، وحولتها إلى هياكل فارغة من المضمون".
إضافة لهذه القراءة، كانت هناك دراسة تحليلية للاتفاق كانت لي مساهمة بحثية فيها حول صعود حركة حماس، وقد صدرت في كتاب بعنوان: (اتفاق أوسلو: تقييم نقدي)، للسياسي النرويجي "بيتر باوك- Petter Bauck"، وقد تمَّ نشر طبعته الثانية قبل أيام، وقد شارك في كتابة فصوله عددٌ من المفكرين والشخصيات السياسية والحقوقية والإعلامية الغربية، إضافة لشخصيات فلسطينية، وكانت جملة الموقف هي أن أوسلو خيبت أمل الجميع، ولم تحقق ما كان يصبو له الطرف الفلسطيني، وأن المجتمع الدولي والولايات المتحدة يتحملون تبعة ما وقع من أخطاء، كما أن ضعف المواقف الغربية عن ردع إسرائيل هو ما أدى إلى تمادي وتغول الموقف الإسرائيلي، وعدم وفائه بما عليه من استحقاقات تجاه الطرف الفلسطيني.
نقاشات ومواقف من أوسلو:
إن ما أعرضه هنا هو مداخلة قدِّمتها في المؤتمر السنوي الذي عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالتعاون مع جامعة بيرزيت بتاريخ 27 – 28 أيلول سبتمبر 2013م، تحت عنوان: "عشرون عاماً على اتفاق أوسلو: مستقبل القضية الفلسطينية بعد خمسة وعشرين عاماً على إعلان الاستقلال".. وهذه المداخلة تناولت "سبل وآفاق الخروج من الأزمة"، وجاء فيها: بعد عقدين من المعايشة والمعاناة في أحضان أوسلو، ومشاهدة النتائج الكارثية لهذا الاتفاق، فإن من حق الفلسطينيين على مستوى النخب السياسية وفصائل العمل الوطني والإسلامي وكذلك المفكرين والأكاديميين أن يتساءلوا: ما هي سبل وأفاق الخروج من الأزمة التي أوقعنا فيها هذا الاتفاق؟ وما العمل لاستعادة توازن الموقف السياسي الفلسطيني، وترتيب البيت حول رؤية استراتيجية جامعة، يتوافق عليها الجميع كبرنامج نضالي لمشروعنا الوطني في التحرير والعودة.؟
لا يختلف اثنان على أن هذا سؤال بالغ الصعوبة والتعقيد؛ لأن أوسلو كاتفاقية أوجدت حقائق على الأرض فرضت نفسها، كما أن أوهامها وما أشاعته ماكينة الدعاية الصهيونية خلقت انطباعات بأن الفلسطينيين يتحملون جزءاً كبيراً من مسئولية الفشل الذي لحق بتطبيقات الاتفاق!!
إن الحقيقة التي لا تغيب ذيولها هي أننا نعيش ورطة كبيرة، حيث إن أمريكا والمجتمع الدولي ما تزال تنحاز إلى الجانب الإسرائيلي، وتغض الطرف عن كل التجاوزات والانتهاكات التي يرتكبها، وليس هناك أية ضغوطات لتلزيمه بالوفاء بما تمّ التوقيع عليه في واشنطن عام 1993.
في الحقيقة، لقد ساهم الانقسام الذي حدث في يونيه 2007 في اضعاف الحالة الفلسطينية، وإعطاء اسرائيل الفرصة للتغول والتمرد على الوفاء بما عليها من التزامات تجاه الطرف الفلسطيني.
بعد الانقسام، تعمدت إسرائيل الادعاء بأنه ليس هناك شريك فلسطيني أو من يمثلهم جميعاً، وأن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لا يعبر عن الاجماع الفلسطيني..!!
لا شك أن الفلسطينيين كانوا يراهنون على الربيع العربي في توحيد صفوفهم وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وبدرجة كبيرة اخراجهم من حالة الضعف والهوان التي وضعتهم فيها أوسلو، ولكن - للأسف - مع تراجع حالات الاستقرار والأمن وترنح أوضاع حركة النهوض العربي وإخفاق ثوراتهم في المجيء بنظم حكم جديدة قادرة على الشراكة السياسية وتحقيق الاستقرار والسلم الأهلي، تهاوت الأحلام والتطلعات وعادت حالات القلق وفقدان الأمل تراودهم من جديد.
إن هناك مجموعة من الخطوات التي يجب العمل على تحقيقها، حتى نتمكن من استعادة زمام المبادرة، وممارسة الضغط على الطرف الإسرائيلي والمجتمع الدولي، للوفاء بكل ما ورد في الاتفاقية من تعهدات أو اعتبارها – بشكل نهائي - في عداد الأموات، ويمكننا إجمال ذلك في النقاط التالية:
1- تشكيل حكومة انتقالية بتفاهم وطني إسلامي تمهد الطريق لاستعادة وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة.
2- إجراء انتخابات عامة ينبثق عنها حكومة شراكة سياسية بأجندة وطنية تتفق عليها كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي.
3- إعادة بناء منظمة التحرير وهيكلة مؤسساتها ومجالسها بالشكل الذي يعبر عن الإجماع الوطني الإسلامي، وأن يكون المجلس الوطني المنتخب هو مرجعية عملنا السياسي، والأمين على مصالحنا الوطنية العليا.
4- العمل على تفعيل الدور العربي وتوظيف تأثيراته الدولية، لتحريك المجتمع الدولي للقيام بواجبه في الضغط على إسرائيل لوقف كافة أشكال الاستيطان في المناطق المحتلة، والشروع بإخلاء ما تمَّ فرضه من واقع استيطاني على الأرض في الضفة الغربية، مخالفاً لما ورد في الاتفاقية أو العودة عن كل التعهدات التي التزم بها الفلسطينيون في أوسلو وواشنطن.
5 – شن حملة دولية للتعريف بالكارثة الحياتية والإنسانية التي جلبتها أوسلو للفلسطينيين، بهدف مواجهة حملات الخداع والتضليل الإسرائيلي، وحركة تزييف الوقائع التي تتولى أمرها ماكينة الدعاية الصهيونية في الغرب، ومخاطر ذلك مستقبلاً على الأمن والسلم العالميين.
6 – مطالبة العالم والجهات الراعية لاتفاق أوسلو للقيام بمراجعة شاملة، ووضع النقاط على الحروف لجهة نقض ما تمَّ التوقيع عليه في النرويج وواشنطن، لإلزام الطرف الإسرائيلي بعدم التمادي في عمليات استحواذه وتغوله على الأرض الفلسطينية، ووضع حدٍّ لعمليات البناء والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والتوقف عن مخططاته في الاستيلاء على المدينة المقدسة وتهويدها.
7 – إدراك حقيقة أن الذي يخرجنا من ورطة أوسلو ليس العناوين الحزبية والفعاليات التي تعالت على الهوية الوطنية، بل هو اجتماع الصف ووحدة الكلمة، وأن تسود القناعة أن الوطن فوق الجميع، وقداسته فوق الأنا التنظيمية، وأسمى من كل الروابط الحزبية، وأية أعذار على خلفيات ظاهرها ادعاءات المصلحة الوطنية وباطنها "لعُاعات الدنيا" ومغانمها لا يمكن القبول بها، وهي الحالقة لجهودنا الوطنية ومسيرتنا الجهادية.
8 – يتوجب على السلطة بعد أن حصلت على القرار الأممي بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب، وبعد أن صدرت العديد من القرارات الدولية لصالح الفلسطينيين، عدم العودة مجدداً لطاولة التفاوض على الأسس التي قامت عليها اتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق، وتجنب اللقاءات السرية التي تثير حفيظة الشارع الفلسطيني، وخاصة عند السماح لأمريكا المتحيزة للطرف الإسرائيلي التفرد برعاية المفاوضات.
9 – إن حجم التجاوزات الإسرائيلية للاتفاق يفتح فضاءً واسعاً للفلسطينيين للتراجع عن كل ما تعهدوا به للمجتمع الدولي، حيث إن إسرائيل لم تلتزم الوفاء بما وعدت به، وأن معظم استحقاقات الطرف الفلسطيني حسابات على الورق، سيظل يظلع دون الوصول إليها.
10 – ضرورة إحياء العمل النضالي ضد الاحتلال حتى ولو كان بشكله اللاعنفي، كالاعتصامات السلمية ومسيرات العودة؛ أي الزحف الجماهيري باتجاه الحدود، والحِراكات الشعبية في المناسبات الوطنية، لإبقاء المشهد الفلسطيني الذي يعاني من "المظلوميَّة التاريخية" حيَّاً أمام ضمير المجتمع الدولي.
إن من الجدير ذكره القول: إن اتفاقية أوسلو ولدت ميتة؛ لأنها في الأساس جاءت كتفاهمات أمنية ليس إلاَّ، وإذا كان البعض يعتقد – فقط الآن - أن اتفاق أوسلو قد وافته المنية، لأنه كان من المفروض أن يؤدي إلى المرحلة الانتقالية وصولاً إلى تحقيق الدولة، وهذا للأسف لم يتحقق.. إن جوهر المسألة وعمق الحقيقة هي أن اتفاق أوسلو ومنذ لحظات ولادته الأولي كان في غرفة الانعاش، وكانت توقعات الإسلاميين والكثير من فصائل العمل الوطني لهذا الاتفاق هي الفشل؛ لأن كلَّ من كلَّف نفسه عناء الاطلاع على التفاصيل وتقديم رؤية استشرافية كان يشعر منذ لحظة توقيع الاتفاق بالخيبة والإحباط.. إن النتيجة التي خلصنا إليها بعد عقدين من الزمن هي ما نشاهده اليوم؛ وهو ما ذكره السيد أحمد قريع، الذي شارك في وضع اللمسات الأولى للاتفاق خلف الكواليس، حين أشار بأصبعه في أحد المقابلات بأن حصيلة أوسلو كانت صفراً (Big Zero). واليوم، بعد 23 عاماً هو يطالب بإلغائها!!
وإذا كان البعض داخل السلطة الفلسطينية يطرح - اليوم - ضرورة وضع استراتيجية وطنية للخروج من هذه المرحلة، فإن القوى الوطنية والإسلامية جاهزة لذلك، وبانتظار دعوة من الأخ الرئيس (أبو مازن) للقيام بذلك.