أثارت صفحة فى كتاب الجغرافيا للصّف الأول الإعدادي( المتوسط)، جاء فيها اسم« إسرائيل« بدلاً عن فلسطين، جدلاً ونقاشاً حادَّين فى الجزائر، وأعادت إلى الواجهة موقف الشعب الجزائرى الرافض لأيّ تقارب أو تطبيع أو تعاون مع إسرائيل، وطرحت تساؤلات جمة ذات أبعاد سياسية وتربوية وقومية، من أهمها: هل هذا العمل مقصود ومدبّر أم هو خطأ وسهو ونتيجة منطقية للتعامل مع الإنترنت وتحديدا مع جوجل، كما جاء فى تصريحات مسئولى المطبعة، من أنه طلب منهم تغيير الخريطة بأخرى أكبر، فغيّرها عماّل المطبعة دون أن ينتبهوا إلى اسم إسرائيل فى تلك الخريطة.
لاشكّ أن هذا الخطأ غير مقبول على الصعيدين السياسى والاجتماعى فى الجزائر، وقد تحصّنت الشخصية الجزائرية، ومنذ حكم الرئيس الراحل هوارى بومدين ضد أى اعتراف بالكيان الإسرائيلي، لكن ما يحدث اليوم من مواقف وردود أفعال هو نتيجة لثلاثة أمور.
أولها: فض الخلافات السياسية فى الجزائر منذ ثمانينيات القرن الماضى من خلال منظمومة القيم التعليمية، وكل الحكومات المتعاقبة تدخلت فى تلك المنظومة وأحدثت بلبلة وصراعا داخل المجتمع، وما نراه اليوم على خلفية الخريطة، هو جزء من الصراع، ظاهره فلسطين ـ وقد يكون باطنه أيضا ـ ولكن لو حدث هذا الخطأ فى مجال آخر غير التعليم لكان أخف من ناحية الرفض الاجتماعى.
وثانيها: أن هناك أخطاءً متراكمة فى عهد الوزيرة الحالية، أهمها: تسريب أسئلة البكالوريا (الثانوية العامة) فى يونيو الماضي، وقد اضطرت الوزارة إلى إعادة الامتحان، وكان منتظرا إقالة الوزيرة، ولكن هذا لم يحدث، بحجة أن ذلك يخدم مصلحة أطراف فى الحكومة أو فى الوزارة، لذا ينتظر أن تتضاعف ردود الأفعال من أطراف فاعلة لأجل إبعاد الوزيرة ومن معها ـ وهو امتحان عسير سيواجهه الرئيس بوتفليقة.
ثالثها: إن المسألة الفلسطينية شكلت الوجدان والوعى القومى منذ أيام الثورة، وهناك شعور عام فى الجزائر، بأن غالبية الأنظمة العربية قد تخلّت عن القضية الفلسطينية بما فيها النظام الجزائري، بل بعض الجزائريين يتهم السلطة الفلسطينية بالتخلى عن الثورة لصالح الثروة، وبما أن بلادهم ليست من دول المواجهة، فإنهم يبحثون عن أيّ مدخل لإعادة إحياء القضية من منطلق الهوية والانتماء، وقد وجدوا فى كتاب الجغرافيا ضالتهم.
وبعيدا عن الأسباب السابقة وغيرها، هناك ميراث من العداء المبّرر تجاه الكيان الإسرائيلى من طرف الجزائريين، فيه ما هو جزء من حالة عربية عامة، يحاول بعض الأنظمة باجتهادات سياسية خاطئة أن يمحوها من الذاكرة الجماعية، بحجة أسبقية الوطن عن مصالح الأمة ـ قد تكون مقبولة اليوم لكن بالـتأكيد لن تكون مقبولة فى الغد ـ لأن احتلال فلسطين فى تاريخنا المعاصر هو الأساس فى كل التغيرات الحادثة فى دولنا، وفيه ما هو حالة خاصة سببها تحالف معظم اليهود المقيمين فى الجزائر مع الاستعمار الفرنسى خلال سنوات الاحتلال، مع أنهم كانوا قبل ذلك جزءاً من المجتمع الجزائري.
هنا يطرح السؤال التالي: هل من سبيل للخروج من حالة العداء تلك ما دامت إسرائيل قد أصبحت بعد 68 سنة من احتلالها لفلسطين واقعا؟.. واضح أنه لا على المستوى الجزائرى ولا العربى عامة يوجد مخرج من تلك الحالة، وموقف المثقفين المصريين ـ رغم أن مصر هى أول دولة عربية تدخل فى اتفاقية سلام مع إسرائيل ـ خير دليل على ذلك، ولو وقوفهم سدا منيعا فى وجه التطبيع الثقافى لاكتسحت إسرائيل كل الدول العربية.
كل ذلك ينتهى بنا إلى التأكيد على أن سقوط فلسطين ــ القدس تحديداً ـ يكون دائما نتيجة تخاذل الحكام أو هزيمتهم، ويتم استرجاعها من طرف الشعوب، ويبدو أن القوى الداعمة لإسرائيل، وهى نفس القوى التى تخلّصت من الضغط اليهودى داخل دولها، تقتص اليوم من الشعوب العربية وتضعفها لصالح إسرائيل فى الظاهر، ولكن ذلك يعود عليها بالنفع، وبناء عليه من الضرورى تقوية الجبهات الداخلية فى كل الدول العربية.
ما يحدث فى الجزائر اليوم على خلفيّة وضع إسرائيل بدل فلسطين فى كتاب مدرسي، ليس شأنا جزائريا فقط، ولكنه موقف عربى عام، يفرض على السياسيين العرب سحب المبادرة العربية للسلام.. صحيح هى ميتة وفاشلة، ولم تقبل بها إسرائيل، ومع ذلك فإن ذكرها فى الخطاب الرسمى وتصريحات مسئولى جامعة الدول العربية يشى بتمسك العرب بها، فى وقت تنهار فيه الأمة العربية بالكامل، وتتكالب عليها الأمم.
السابع من أكتوبر والولايات المتحدة وإسرائيل
12 أكتوبر 2023