هناك سؤال يثير الاستغراب هو عدم التبني العربي، وحتى عدم تبني أطراف دولية، بوضوح وجلاء معلنين، للأجندة الفلسطينية لتسوية السلام، رغم تواضع هذه الأجندة؟ ولماذا يجري الحديث في أمور تبدو فرعية، وتجاهل أمور لا تقل أهمية عمّا يجري الانشغال به، وتحديداً في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وشؤون حركة "فتح".
ربما يكون جزء من المشكلة أنّ الأجندة الفلسطينية ذاتها غير شاملة، وغير مبلورة تماماً، وتكاد تدخل في سياق رد الفعل. وأنّ الفلسطينيين ربما أنفسهم لا يتبنون أجندتهم بالقوة الكافية. وأنّ تركيزهم على التفاوض ومتطلباته جاء على حساب الشق الداخلي من الأجندة، الذي يبدو مغيباً إلى حدٍ كبير، ويضعف الموقف فيما يتعلق بالصعيد الخارجي (إنهاء الاحتلال وتسوية الصراع).
عملياً فإنّ المطلب الفلسطيني تراجع الآن من عدم العودة للتفاوض وطلب آلية دولية لتنفيذ القرارات الدولية والاستحقاقات المترتبة للشعب الفلسطيني، وفق جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال، إلا أنّ عودة الحديث (أي التفاوض) مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يجب أن يمر بتنفيذ الاسرائيليين لما اتفق عليه سابقا (بالأحرى جزء يسير مما اتفق عليه سابقا لاستمرار التفاوض)، وهو إطلاق الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل اتفاقيات أوسلو عام 1993، وتجميد الاستيطان. ولكن حتى هذه الأجندة، لا يبدو أنّ هناك تبنيا تاما لها، ليس فقط من قبل القوى الدولية التي تقر بشرعية المطالب الفلسطينية، ولكن حتى من دول عربية. وهذا لا يعني أنّ هناك من يرفض هذه المطالب، ولكن لا يوجد موقف يحولها لأولويات ملحة، لا يمكن لأي مفاوضات أن تبدأ دونها.
يثير الانشغال العربي بمسألة المصالحة داخل حركة "فتح"، وتحديداً إعادة محمد دحلان، للمشهد، والحديث عن تفعيل المبادرة العربية للسلام، وجعلها موضوع النقاش، التساؤل لماذا لا تطرح أيضاً المطالب السابقة (لمتطلبات العودة للتفاوض) بقوة ووضوح وعلانية؟.
بإمكان الفلسطينيين أن يطرحوا أجندات داخلية، بجانب الأجندة الخارجية، تقوّي موقفهم وتوضح أنّ لديهم مسارهم للعمل ولا يعلّقون كل أوراقهم على الجهد الفرنسي، لعقد مؤتمر دولي للسلام، ما تزال تفاصيله وأجنداته ومرجعياته دون اتفاق، أو وضوح. ومن هذه الأجندات أنّ الجهد الدولي والعربي يجب أن ينصبّ على معالجة قضايا الأسرى، ومن ضمنها قضية القيادي مروان البرغوثي، الذي يمكن بالفعل لوجوده في المشهد أن يغيّر جزءأ منه، ومن مسألة فاعلية وشعبية حركة "فتح"، وتعتبر قضيته أكثر إلحاحاً لحركة "فتح" مما يسمى الآن بالمصالحة داخل "فتح". والثاني، عملية التغلب على العقبات التي تحول أمام الانتخابات البلدية، والتوصل لاتفاق مع حركة "حماس" بشأنها، ولعل زيارة لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية، الأخيرة، للدوحة للقاء قيادة حركة "حماس" ومناقشة الشأن معهم، خطوة في الطريق الصحيح، ويمكن للفصيلين "فتح" و"حماس" أن يضحيا بالفوز في هذه الانتخابات، وتجريدها من التنافس السياسي الفصائلي، لصالح توافقات موقعية، ولكن بهذا يثبتان أنّ هناك أملا أن يعمل الفلسطينيون معاً ثانية. والبند الثالث، هو المضي في خطوات الإصلاح والتغيير على صعيد الحكومة والمجلس التشريعي، في السلطة الفلسطينية، أو منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني.
ويمكن لبيان صادر عن اجتماع قيادي فلسطيني موسع، أو المجلس الوطني، بتحديد الأجندة الفلسطينية، أن يعطي دفعة كبيرة للمطالب الفلسطينية، وللدول العربية والصديقة، تتبنى هذه الأجندة، وتطورها باتجاه ضرورة حسم موضوع إنهاء الاحتلال، وأن تواجه المناقشات الخاصة بالمؤتمر الفرنسي الدولي، بهذه المطالب الشعبية.
تبنّي موقف عربي محدد وعملي فيه أجندة مطالب آنية عاجلة لأجل القضية الفلسطينية، مهم جداً، لا لأجل الفلسطينيين، وحسب، بل وحتى لغرض ترميم المشهد العربي، الحالي. وحتى يتم قطع الطريق على الدعاية الاسرائيلية، التي تريد أن تقول إنّ هناك التقاء مصالح عربيا معها، في ملفات مثل إيران، يمكن أن تؤدي إلى تراجع الموضوع الفلسطيني كثيراً. وتبني موقف عربي واضح في المسألة الفلسطينية مهم، لأنّه أيضاً يقطع الطريق على صعيد تصوير ما يحدث في سورية واليمن وغيرها على أنّه مسألة محور ممانعة ومقاومة، ضد دول أخرى.
عن الغد الاردنية