مع اقوال رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن ثمة تطهيراً عرقياً في كل موقف لا يقر «بشرعية» الاستيطان و»شرعية» بناء المستوطنين تكون إسرائيل قد كشفت عن حقيقة التفكير الإسرائيلي حيال مستقبل «الحل» الذي باتت ترسي كل أسسه ومقوماته.
هذا الحل يقوم أساساً على استباحة مناطق «ج» استيطانياً، وتحويل القرى والبلدات الفلسطينية في هذه المنطقة الى معازل «متحكم» بها بالكامل، بالطرق الالتفافية، والمستوطنات ومعسكرات الجيش وبوابات الدخول والخروج، والابقاء على التواصل ما بينها وما بين المنطقة «ب» بالمنطقة «أ» في يد الجيش رسمياً وفي يد المستوطنين واقعياً.
عندما يكتمل الحزام الاستيطاني حول كامل المنطقة «ج» وعندما تصبح الطرق الواصلة ما بين المستوطنات طرقاً مكتملة ونهائية تصبح البلدات والقرى الفلسطينية مخنوقة من كل الاتجاهات، وتتحول حياتها الاقتصادية الى مستحيل اقتصادي الا من خلال الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وهنا يصبح السكان الفلسطينيون أمام خيار واحد: إما الرحيل أو القبول بالرضوخ الكامل وفق التحديد الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية.
اذاً، بداية الخطة هي عزل مئات الآلاف من الفلسطينيين في هذه المنطقة وترك مصيرهم الى الاعتبارات الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية والسياسية.
في هذه الحالة لن تكون إسرائيل بحاجة الى الضم الرسمي لأن الواقع سيكون قد كرس هذا الضم دون إعلان، ودون ضجيج، ودون اية «خسائر» سياسية.
هنا تصبح مهمة الجيش الاسرائيلي من ناحية المظهر الخارجي «فض النزاعات» ما بين «الأهالي». الأهالي هم في هذه الحالة السكان الفلسطينيون من جهة والمستوطنون من جهة أُخرى.
أي أن إسرائيل في مرحلة لاحقة ستحاول تسويق الصراع على الأرض وتسويق عملية الإحلال والخنق لكل ما هو فلسطيني في هذه المنطقة باعتباره صراعاً بين سكان مختلفين عرقياً ودينياً، وليس «صراعاً» بين دولة احتلال ومستوطنين مسلحين ومدعومين من الجيش والدولة الإسرائيلية ضد أصحاب الأرض والحق الشرعي في هذه البلاد.
وبذلك فان إسرائيل في مرحلة ما تراهن على ان تكون منطقة «أ» ومنطقة «ب» هي الكيان السياسي للفلسطينيين في الضفة الفلسطينية واليه يمكن ان يرحل الفلسطينيون من منطقة «ج».
بمعنى آخر فان الترانسفير في حلقته الجديدة والتطهير العرقي في شكله الجديد هو تدمير كل مقومات الحياة في المنطقة المسماة «ج» وتحويلها الى منطقة طاردة للسكان، وإعادة تهجير مئات الآلاف من هذه المنطقة وقذفهم الى المنطقة المحاصرة المسماة «أ + ب» تحت طائلة «المسؤولية».
فإما ان يقبل الشعب الفلسطيني بهذا «الكيان» كحل «مؤقت» او سيسمى مؤقتاً، ليصار في المستقبل الى حل نهائي لن يأتي ابداً، وإما أن يتحمل الشعب الفلسطيني «وزر» رفض هذا «السخاء» وهذا «الكرم» الإسرائيلي.
وبما أن المستوطنين هم أداة الفعل المباشر لهذه العملية، وهم يحملون السلاح في مواجهة مئات الآلاف العزل من السلاح فان كل محاولة لمقاومة المستوطنين ستواجه بالبطش التام من قبل المستوطنين وبحماية ورعاية الجيش وتخطيطه، وبهذا فان الوصول الى الحرب الشاملة بين الفلسطينيين والجيش والمواجهة المتواصلة مع المستوطنين ستصور على أنها نوع من الحرب الأهلية بين «أهالٍ» فلسطينيين و»أهالٍ» إسرائيليين ودور الجيش هنا هو العمل على فض النزاع ليس الا.
هذه هي القراءة الأولية لما ذكره نتنياهو حول التطهير العرقي، أضعه بين يدي الرئيس واللجنة التنفيذية وقيادة العمل الوطني وكل من يهمه الأمر، وذلك حتى لا يقال إننا غفلنا أو تغافلنا عن المخطط الحقيقي للقيادة اليمينية في إسرائيل، وحتى لا يقال إننا لا نملك القدرة على مواجهته منذ الآن.
هذا هو المفصل الذي سيحدد قيام الدولة من عدمه، وعند هذا المفصل بالذات وصلت إسرائيل وأوصلت الأمور.
لا مجال لنجاح المشروع الإسرائيلي للحل الا عبر هذه البوابة، ولا مجال لبقاء الأمل الفلسطيني الا عبر إسقاط هذا المشروع وقبره قبل أن يتحول الى «واقع» سيستحيل تجاوزه. إسرائيل تسابق الزمن لعبور هذه المفصل بالذات لأنها تدرك الأبعاد والتبعات الإستراتيجية لمثل هذا العبور.
أقوال نتنياهو ليست مجرد «قفشة» إعلامية وطبعاً هي ليست مجرد مناكفة سياسية. إنها ببساطة الإعلان عن الفصل القادم.