عبدالناصر.. عاشق.. الحلوة بلدي

thumbgen (37)
حجم الخط
 

جمال عبدالناصر ۔۔ أيقونة الثورة في مصر والعالم العربى۔۔ عاشق الوطن، المحرض على الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية۔۔ الزعيم الكاريزمة الذي تدرس شخصيته وقراراته حتى هذه اللحظة في أرقى الأكاديميات السياسية في العالم.

مات جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970 على أثر أحداث «أيلول الأسود»، فقد مات شهيدا ليوحد كلمة العرب خاصة إزاء القضية الفلسطينية ومنذ أن عاد عبدالناصر من «الفالوجا»، وعروبته وعروبة فلسطين جزء أساسي في فكره، ومن أجلها خاض الحروب وبسببها مات، مات جسداً وظل فكرا وروحا تحرك كل قيمة وطنية، فعبدالناصر هو مفجر «يوليو» و«محرض» على ثورتى يناير ويونيو.

ولو أردنا الإنصاف، فالتاريخ الحديث المعاصر لابد أن يذكر «عبدالناصر» محرضا على الثورات سواء داخل مصر، والمنطقة العربية، أو داخل القارة الأفريقية ومثيلتها الآسيوية وحتى اللاتينية.

عبدالناصر لم يكن مجرد رئيس قاد مصر في فترة من أحرج فترات التاريخ منذ عام 1952 وهى تلك الفترة التي تلت حربا عالمية مدمرة قضت على حياة أكثر من 60 مليونا من البشر، وأعلنت في نهايتها عن الرعب النووى والذى سيظل حاكما لسياسات الدول الكبرى لسنوات مضت وأخرى قادمة.

وقد شهدت الفترة المعنية التي سبقت ثورة يوليو 1952، هزيمة قاسية للأنظمة العربية الحاكمة في 1948، وضياع أرض فلسطين، وإعلان الكيان الصهيونى نفسه كدولة.

عبدالناصر۔۔ أول فرحة العرب، أو كما تقول كل أم على ابنها «البكرى» «أول فرحتى»، فهو من غيّر ملامح الحياة بأسرها على كافة الأصعدة في مصر والوطن العربى، هو بحق صاحب مشروع تنموى نهضوى عملاق نجح في بعضه وأخفق في بعضه الآخر، بحكم التدخلات الدولية المتعارضة والمتفقة في آن على حماية إسرائيل۔

عبدالناصر يعد وبحق ظاهرة تحررية جسدها بأفكاره وبمواقفه الصلبة، وبوصلته الوطنية التي لا تخطىء هدفها أبدا، فهو الرئيس الشاب الذي حقق انتصارا سياسيا مذهلا في عام 1956، لفت إليه كل الأنظار حيث تنبهت الشعوب لهذا الزعيم الذي يتحدى قوى الاستعمار التقليدية، ويقض مضاجعها ويخلخل أبنيتها القوية ويكون سببا قويا وحيا في التخلص من الاستعمار المباشر لوجهه التقليدى، وحيث ارتدى الاستعمار أقنعة جديدة وأصبح استعمارا اقتصاديا.

«ناصر۔۔ كلنا بنحبك۔۔ ناصر۔۔ وهنفضل جنبك، ناصر۔۔ يا حبيب الكل يا ناصر»، هذه أغنية تكاد تكون فلكلور، لأن عبدالناصر جزء من ثقافتنا وتاريخنا وصانع لأهم أحداثه وأفكاره، فقد كان قائدا «مزدحما» بالآمال، وبتحقيق الوحدة العربية الشاملة، وإطلاق دولة العرب الكبرى التي كانت- ومازالت- حلم الملايين من شعوب العرب.

ثورة يوليو 52 تظل الثورة الأم، وهى التي قال عنها قائدها: «ثورة 52 لم تطلب أحلاماً رخيصة وهذا الشعب لم يرض لنفسه أن يكون عبئا على التقدم»، ولأنه عاشق للوطن وابن كل المصريين، وأبوهم في نفس الوقت، فهو عاشق لشعبه، ويقول عنه: «هذا الشعب المصرى، منذ يوم ثورته الكبرى كان طليعا لشعوب أمته، ولو قبل هذا الشعب بأقل من ذلك أو تردد في تحمل مسؤوليته لتغيرت ملامح المنطقة العربية بأسرها»، وهذا صحيح فإرادة القائد وإرادة الشعب تلاقت ف حب الوطن فكان العصر الذهبى للمصريين، وخرجت الأغانى الوطنية الخالدة منذ ذلك الحين، وكانت الأغنية بمثابة منشور سياسى كان عبدالحليم حافظ يلقى علينا «بيانا سياسيا» يعبئ الشعب ويعرض عليه مبادئ الثورة، بحيث يوصل للناس رؤية القيادة السياسية والعكس، ومن ينسى: ثورتنا المصرية۔۔ أهدافها الحرية۔۔، وعدالة اجتماعية ونزاهة وطنية۔۔ ومن منا لا يتذكر أغانى الإرادة الوطنية والتحدى:«قلنا هنبنى ۔۔ وآدي إحنا بنينا السد العالى من أموالنا۔۔ بإيد عمالنا۔۔ على الكلمة وآدى إحنا بنينا» كلها كلمات تجسد إرادة الشعب وتحديه للاستعمار الذي كان أول مبادئ ثورة 23 يوليو 52 هو:«القضاء على الاستعمار» وهو ما أخذه الرئيس عبدالناصر على عاتقه طوال عمره وحتى آخر دقيقة في حياته.

والأغانى كانت تسير في الاتجاهين من وإلى الشعب، فعبدالحليم حافظ أيضا هو من عبر عن الشعب، وأوصل رؤيته للقيادة السياسية حين قال: عايزين۔۔ عايزين يا جمال عايزين۔۔ عايزين اللي يصون مبادئنا۔۔ وينور بالحب طريقنا، ويغنى معانا لـ«الحليوة بلدى» وهذه أسمى معانى الديمقراطية۔۔ لكل من يحلو له أن يدعى أن فترة حكم ناصر غابت فيها الديمقراطية، وهو الزعيم الذي آمن بشعبه وبحريته وكان يسعى ويتحدى ويحارب من أجل الحرية الاجتماعية للمصريين.

إرادة عبدالناصر الفولاذية كان يستمدها من إيمانه بوطنه۔۔ فرغم هزيمة 1967 التي سببت لى شرخا في قلبى بأحزان جثمت عليه، كان إيمانى لا يتزعزع بأن النصر قريب مهما بعد، وعيناه تكاد تراه وإن قلت أحيانا: آه.. هل يخدع الدم صاحبه؟ وهل تكون الدماء التي عشقتك حراما؟

ولأن عبدالناصر هو الزعيم الوطنى الحقيقي، فقد خرجت مصر كلها عن بكرة أبيها تطالب عبدالناصر بالبقاء وكأنها ترفض «اليتم»۔۔ وكنت طفلة صغيرة حين انضممت لمظاهرة صغيرة من الأطفال وكلنا نهتف «هنحارب۔۔ هنحارب» ناصر كلنا بنحبك۔۔ ناصر۔۔ ناصر ولا رئيس إلا ناصر!!

  • وانتظرنا خطاب التنحى، وبكى ناصر وبكينا معه وهو يعلن في مجلس الأمة: «قررت أن أبقى في مكانى۔۔ حتى تنتهى الفترة التي نزيل فيها آثار العدوان»۔۔

وهو من قال أيضا: «إن رقعة من الأرض قد تسقط، ولكن أي رقعة من إرادة الشعب، ليست قابلة للسقوط أبدا» ولهذا فقد كان موقف الشعب في 9، و10 يونيو 1967، وهو الحد الفاصل بين الظلام الذي أطبق علينا والضياء الذي أمسكنا بخيوطه۔۔ وظلت كلمات عبدالناصر۔۔ محفورة في عقلى ووجدانى واعتبرتها بوصلتى، حين تجنح بى السفينة، وميثاق شرف ألتزم به في مواجهة خيانات جسيمة، وأرددها دائما كى لا أنساها۔۔ محتفظة بنبراته، وتنهداته، وصرخاته، وهو ينطق كل حرف مغروسا في خلايا دمه وعقله وقلبه.

وقد ظل سؤال مهم يهاجمنى كلما أحبطت: من ترى يحمل الآن عبء الهزيمة فينا؟

المغنى الذي طاف يبحث للحلم عن جسد يرتديه؟ أم هو الملك المدعى أن حلم المغنى تجسد فيه؟!

وظننت أننى حصلت على الرد لسؤالى هذا بعد ثورة 25 يناير 2011، ولكن سارقي الفرح، سارقي الثورات، «الإخوان وإخوانهم» قفزوا على أكتاف الثورة، وصعدوا لسدة الحكم الذي لم يتسمر أكثر من عام، أيقنت مصر خلاله أنها تسير في طريق مظلم، آخره هوة سحيقة، فقامت القوات المسلحة، التي حمت ثورة يناير، بحماية أكثر من 30 مليونا جابوا شوارع القاهرة، وميادينها والمحافظات يزأرون بسقوط حكم المرشد، أي سقوط حكم الإخوان، فكانت ثورة 30 يونيو، التي شهدت أيضا حضورا لجمال عبدالناصر من خلال صوره التي كان يجاورها صورة البطل الشعبى الجديد عبدالفتاح السيسي، الذي قضى على الاستعمار الإخوانى لأقدم دولة في التاريخ.

وقد جمع بين الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس عبدالفتاح السيسي، حب الوطن، والإخلاص له، والتجرد، والعفة، وطهارة اليد، والشجاعة والجسارة، وأنهما أبناء المؤسسة العسكرية مصنع الرجال الشرفاء، حماة الوطن، وهذه المشتركات هي التي دفعت بالمصريين أن يضعوا السيسى على رؤوسهم، ويجلسوه على مقعد عبدالناصر، وليتوقفوا عن ترديد كلمات الشاعر الفلسطينى معين بسيسو في رثائه لعبدالناصر: والكرسى الشاغر يا عبدالناصر ---- هذا الجرح الفاغر فمه أكبر من كل ضمادة.

عن المصري اليوم