تابع الجميع المسيرة التي دعت إليها حركة فتح أو ما يعرف بالتيار الإصلاحي في الحركة الخميس المنصرم، وما تخللها من رسائل عدة مفادها أن أبناء الحركة في قطاع غزة يرفضون سياسة التهميش واللامبالاة المتبعة من قبل القيادة الفلسطينية بحقهم، وذلك بعد أن تقطعت بهم السبل وفشلوا في الحصول على أدنى حقوقهم التي أهدرتها النزاعات المقيتة.
لقد خرج الألاف من أبناء "فتح" في غزة معبرين عن رفضهم لتنكر القيادة لهم، ليس هجوماً بقدر ما هي رسالة من الجيل الشاب للمطالبة بإنصافه وإحقاقه، وكان هذا الاحتشاد بمثابة صرخة غضب من أولئك الشباب الذين عايشوا البطالة والفقر وضنك الحياة والحروب في القطاع المحاصر، ورأى هذا الجيل من شباب حركة فتح في المصالحة الداخلية الفتحاوية مقدمةً، لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين قطبي الصراع في الضفة وغزة، فاحتشدوا ليصرخوا بمليء حناجرهم للقيادة بأن تنظر إلى أوضاعهم المأساوية التي عايشوها جراء الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس.
وتخلل هذه المسيرة مشهد لا يعبر عن ثقافة الشاب الفلسطيني بالمطلق جراء إقدام مجموعة من الشباب على حرق صورة الرئيس أبو مازن، وما تبع ذلك من تصريحات أدانت هذا السلوك المشين، والذي عبر الجميع عن رفضه لمثل هذه التصرفات التي تسيئ لنضالات الشعب الفلسطيني، بمن فيهم القائمين على تنظيم تلك المسيرة.
إن إقدام بعض الشبان على حرق صورة الرئيس، بهذا المشهد الخارج عن سلوك وعادات الشعب الفلسطيني، لا بد من التوقف عنده والتفكر قليلاً عن دافع أولئك الشبان من هذا التصرف الغير مسؤول، ألم يكن هذا الشاب ذاته قبل أعوام قليلة يطالب الرئيس بالقدوم إلى قطاع غزة بوصفه الأب للشعب الفلسطيني في غزة كما الضفة؟، ألم ينادي هذا الشاب منذ أعوام عدة الرئيس والقيادة الفلسطينية بالنظر إلى ما وصل إليه من ضيق الحال وقلة الوظائف؟.
السيد الرئيس.. ويا كل المسؤولين
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".. أليس من واجبات القائد أن يكون إلى جانب شعبه فيما يعانيه من مشاكل؟، أليس من واجبات القيادة تأمين حاجيات فئات الشعب المقهورة والسعي في تحقيق تطلعاتها؟.
العديد من الواجبات التي أهملتها القيادة الفلسطينية تجاه الجيل الشاب في غزة، ذاك الجيل الذي أبصر عينيه على انقسام حطم آماله في الحصول على وظيفة أو مصدر دخل يستطيع من خلاله العيش بكرامة كباقي شعوب العالم، حتى أصبح الخريج الجامعي يعي تمام الوعي أنه سيُنهي دراسته ليلتحق بركب البطالة، دون أي أمل في الحصول على وظيفة بعد قضاء ستة عشر عاماً في المراحل الدراسية المختلفة.
لا يمكن أن يتم تبرير هذا العمل الغير أخلاقي بالمطلق، ولم يكن هذا الشاب يطمح في أن يصل إلى ما وصل إليه من فقر وبطالة، ولم تكن رغبته تتمثل في إحراق صورة الرئيس بقدر حاجته إلى حياة كريمة، ولم تنصب رغبة الشاب إلى هذا التصرف إلا بعد حالة من التيه وفقدان الأمل التي سيطرت على مراحل حياته المهمشة.
ومما لا شك فيه أن الانقسام الفلسطيني و الحروب المتتالية وتفشي الفقر والبطالة، وتجاهل القيادة لتطلعات فئة الشباب في غزة، أدت إلى حالة من فقدان البوصلة لجيل كامل انتهى به المطاف عاطلاً عن العمل، وفاقداً لمقومات الحياة.
وختاماً، فإن هذا المشهد يحتم على الرئيس والقيادة الفلسطينية النظر إلى الواقع المرير في قطاع غزة، ذاك الجزء الأصيل من الوطن، الذي تقطعت بشبابه السبل، وواجهوا ضنك الحياة منذ نشأتهم، والنظر بعين الرحمة لأولئك الشبان الذين لا يرغبون إلا بالعيش أحراراً.
مدير التحرير