العنف الاجتماعي في قطاع غزة

ريما كتانة نزال
حجم الخط

في الفترة الواقعة بين 21-22 أيلول الماضي، قامت لجنة المرأة في الأمم المتحدة بعقد "سيمينار" في غزة؛ حول العنف المبني على النوع الاجتماعي. جاء "السيمينار" في سياق نتائج العدوان المستمر على القطاع، بين كل حرب وأخرى؛ قصف واجتياح وتجريف، أثر الحروب والحصار والتدمير والإبادة والتشريد والنزوح، على حياة المرأة.
لقد خلقت الحروب وخاصة الحرب الأخيرة، "الرصاص المسكوب"، ظروفا اجتماعية أسهمت في زيادة معدلات العنف بجميع أشكاله، اللفظي والجسدي والجنسي، التسرب من المدارس والزواج المبكر والإنجاب المتكرر، زيادة عمالة الأطفال وتعاطي المخدرات، "حبوب الترامادول" بشكل خاص.
ظهور أشكال جديدة من العنف لأول مرة، جرائم الانترنت وزواج المسيار وختان الطفلات ومؤشرات على الدعارة، حرمان النساء من حقوقهن الاقتصادية على خلفية التدمير وتأخر إعادة الإعمار، فالمُنجَز لا يتجاوز 49% من المهام، ضياع وسرقة أملاك النساء خلال إعادة تسجيلها من قبل الذكور. التمييز ضد النساء في زمن السلم أعلى منه في زمن الحرب، إضعاف واستضعاف.
وبالتوازي مع شهادات الواقع الجديد، تفتح الدراسات والمؤسسات الخدمية المختصة العلب المغلقة؛ فالمعلومات غير مكتملة، عدم دقة الأرقام حول أعداد المُعَنَّفات والمحتاجات للخدمات والمتوجهات لطلبها. العروض والشهادات تتوالى لدعم الدراسات والانطباعات: محدودية قدرة المؤسسات الرسمية المحلية على الاستجابة للمتطلبات أو تلبية الاحتياجات وتقديم الخدمات الملحّة. الانقسام السياسي خلف المشهد المأساوي، عدم مواجهة الوزارات ذات الاختصاص في غزة للاستحقاقات ومهامها الطارئة، وزارة المرأة والشؤون الاجتماعية والعدل والداخلية، إنكار بنية حكم الأمر الواقع للتغيرات، كما أن التنسيق مع المؤسسات الأهلية المحلية بقصد مواجهة الواقع الجديد لا يفي بالأغراض، بل يواجه تحديات وصعوبات جمَّة، نقص البيانات ومحدودية التمويل وصعوبة توفير الحماية ومساءلة المتسببين بالعنف الجنسي، الثقافة السائدة والإنكار دائما تقف بالمرصاد. 
لماذا "سيمينار" غزة! وهل ثمة اختلاف نوعي بين أشكال العنف الممارس في الضفة الغربية عنه في القطاع، وهل ينحصر الخلاف في ارتفاع وتيرة العنف في غزة عن مثيلتها في الضفة! من يملأ الفجوات والفراغات!
المؤسسات الدولية وخاصة مؤسسات الأمم المتحدة المشاركة مع المجتمع المدني في "السيمينار"، هدفت إلى وضع النقاط على الحروف، تجميع المعلومات، حصر أشكال العنف المستجدة، جلب خبرة المؤسسات الدولية المتحصلة من تجارب التعامل مع حالة النساء في مخيمات اللاجئين، أثر الصراع المسلح على المرأة في البلدان العربية.
بالعودة إلى نتائج مسح العنف الاجتماعي الصادر عن المكتب المركزي للاحصاء عام 2011، يظهر أن نسبة العنف على أساس الجنس تبلغ 37% بين النساء المتزوجات، منها 51% في غزة بينما بلغت في الضفة الغربية 30%. كا تشير الأرقام في القطاع إلى أن حوالي 500 امرأة فقدن حياتهن في الحرب الأخيرة، كما ارتفع عدد الأرامل وزوجات المعاقين بسبب الحرب حوال الف وثمانمائة امرأة. وتعاني 45% من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، وما زال 95 ألف فرداً يقيم بالكرافانات، معظمه من النساء والأطفال.
كل ما سبق، مع إدماج قضايا البطالة والفقر وأثر الحصار وشح المياه وأزمة الكهرباء يصبح العنف وأشكاله مختلفا عن مثيله في الضفة الغربية، بالنوع والدرجة. ويختلف في تأثيراته على حياة النساء من جميع الجوانب، النزوح والملاجئ والكرفانات وظروف المأوى تزيد من أعباء النساء، وتربة خصبة لانكشافهن وإضعافهن وتهديد أمنهن واستقرارهن وتهميش احتياجاتهن وزيادة العنف ضدهن.
اذن، يتضح التمايز والتداخل، على صعيد العنف الاجتماعي بين الضفة وغزة، بسبب الظروف الجديدة الناشئة في القطاع في السياق الوطني والسياسي، الاحتلال والانقسام. وهناك اختلاف في عدد المتوجهات لطلب الخدمة والحماية في القطاع وعدم كفايتها، ظروف الحصار وقيود حرية الحركة في القطاع والضغوط الاقتصادية والمعيشية والتوترات النفسية. وهي الحالة التي وقفت خلف عقد الندوة الدولية في غزة، بهدف البحث المُعمَّق للخروج بتوصيات لما يجب عمله إزاء الحالة المتفاقمة.
النظرة الشاملة التي عكستها أوراق العمل والمستوعبة للنتائج، قرعت جرس انذار مدوِّياً حول الحالة الاجتماعية المتردية في القطاع، فهم الحقائق والمخاطر الاجتماعية الواقعة على النساء دون عزلها عن السياق العام الواقع تحت الاحتلال الطويل الأمد.
حتى لوْ غابت الأرقام أو أنكر البعض الحقائق على الأرض، لاقت الحالة الاهتمام لدى مؤسسات المجتمع المدني والصدى المتلائم لدى مؤسسات الأمم المتحدة، ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وأشارت إلى وضع آليات الاستجابة للمتطلبات الانسانية والإغاثية وتوسيع نطاقها وتفرعاتها، المساعدات المالية والخدمية والمأوى والملاجئ الآمنة والرعاية الصحية والنفسية، الاستشارات القانونية حول الطلاق والميراث والحقوق الاقتصادية وغيرها، واستمرار النقاش حول الفجوات وإصلاح النظم القانونية والقضائية المتعلقة بحقوق النساء في الضفة وغزة.
لقد عبرت أعمال "سيمينار" غزة، عن الإرادة والتصميم على التوجه نحو تطوير الاستجابة الإنسانية والإغاثية، بما فيها مراعاة استجابة الخطط الجديدة؛ وقاية وحماية الفئات المهمشة من مخاطر التهديدات المحيطة بالحياة، وخاصة الفئات المحاصرة بالمخاطر، كالنازحات، والأرامل، والفتيات المراهقات والمسنّات والنساء ذوات الإعاقة والمعيلات للأسر.