سألني احد الاصدقاء قبل ايام عن واقع العلاقات الفلسطينية المصرية، وهل تأثرت بحملات التهويش والدس من هنا او هناك؟ وهل يمكن للتباين في المسائل اليومية او الاجتهادات المختلفة في معالجة المسائل الداخلية او الخارجية التأثير على عمق العلاقات الاخوية المشتركة بين القيادتين والشعبين الشقيقين؟
لا يضيف المرء جديدا عندما يؤكد على المؤكد في قواعد العملية السياسية الفلسطينية، اولا العلاقات الاخوية المصرية الفلسطينية، علاقات عميقة عمق التاريخ والجغرافيا. ولا يمكن لقائد فلسطيني إسقاط هذا العمق الاستراتيجي مع مصر وأي كانت الظروف وتعقيداتها؛ ثانيا مصر العربية قدمت عشرات الاف من الشهداء دفاعا عن فلسطين وقضيتها. وبغض النظر عن حديث بعض المراقبين، بأن هذا له علاقة بالدفاع عن الامن الوطني المصري، لكن هذا التشخيص ناقص، لان الامن الوطني المصري هو أمن قومي فلسطيني وعربي عموما. وبمقدار ما تكون مصر قوية وفي حالة نهوض سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي بمقدار ما تكون الامة العربية وفلسطين في الطليعة بخير؛ ثالثا مصر الشقيقة الكبرى، وهي إحدى دول الاقليم الشرق اوسطي الهامة، وبالتالي هي قاعدة الارتكاز لاهل النظام السياسي العربي والشعوب الشقيقة على حد سواء. بتعبير أدق، لا يمكن الحديث عن قضايا العرب السياسية وخاصة قضية العرب المركزية دون أن تكون مصر حاملة اساسية لها دون إغفال او إسقاط لاوزان الدول الشقيقة الاخرى؛ رابعا مصر في كل الازمنة وبغض النظر عن النظام السياسي الحاكم باستئناء حكم الاخوان المسلمين، كانت حاضنة قومية للفلسطينيين، رغم التباين بين نظام وآخر، فنظام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، كان الاكثر دفئا تجاه الفلسطينيين، ولكن لكل لحظة سياسية محدداتها وتداعياتها. غير ان مصر المحروسة كانت دوما مع فلسطين حتى في اشد لحظات الاختلاف والتباين. لان مصر لا تستطيع ان تتهرب من مسؤولياتها تجاه قضية فلسطين، ولا يمكن للقيادات الفلسطينية تجاهل او إغماض العين عن الدور والمكانة الحيوية المصرية في حل المسألة الفلسطينية؛ خامسا مصر عبد الناصر كانت، هي حاملة لواء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1964، وهي من لعب الدور المركزي آنذاك،؛ والزعيم الخالد جمال، هو من حمل قيادة منظمة التحرير الجديدة (حركة فتح) إلى موسكو نهاية الستينيات من القرن الماضي؛ وابو خالد ذاته، هو من دفع حياته في 28 ايلول 1970، وهو يعالج قضية الصراع الفلسطيني الاردني.
الامثلة كثيرة ولا يتسع لها المجال في هذه العجالة. غير ان الطبيعة الاستراتيجية بين القيادتين والشعبين الشقيقين، هي اعمق من كل الاجتهادات والتباينات، التي يمكن ان تنشأ في مسار العملية السياسية. نعم الطموح والامل الفلسطيني دائما كبير على مصر. لان مكانة المحروسة كبيرة فلسطينيا وعربيا وافريقيا وعالميا. وإقرار ذلك ليس كرم أخلاق من الفلسطينيين او باقي الاشقاء العرب. إنما هو نتاج واقع ماثل على الارض في الجغرافيا والتاريخ والثقافة والحضارة وعلى كل الصعد والمستويات. وبالتالي لا يجوز لقوة سياسية او مجموعة او شخص ان يشط ويذهب بعيدا في الاستخفاف بمكانة مصر المركزية في السياسة الفلسطينية. نعم القيادة الشرعية معنية باشتقاق سياساتها وفقا للمصالح الوطنية. ولكنها لا تنسى للحظة، بأن نجاحها في هذه الخطوة او تلك في المنابر العربية او الاقليمية او الدولية إلآ بالتعاون مع الاشقاء العرب عموما ومصر خصوصا.
مصر المحروسة كانت وستبقى رافعة هامة للنضال الوطني الفلسطيني، وداعمة رئيسية للقيادة الشرعية، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسند شعبها الشقيق في فلسطين حتى تحقيق كامل اهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة. والشعب والقيادة الفلسطينية سيبقون دوما في خط الدفاع الاول عن مكانة مصر وامنها الوطني وتطورها على الصعد كافة.