منذ وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، شغل الرئيس محمود عباس مكانه، كرئيس لدولة فلسطين (رئيس السلطة الفلسطينية)، ورئيس لـ م.ت.ف، ورئيس لحركة "فتح"، وقد ترسم ذلك عبر انتخابات رئاسة السلطة التي جرت خصيصاً للمناسبة، مطلع العام 2005، أي منذ أكثر من أحد عشر عاماً.
أما خالد مشعل فهو رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" منذ العام 1996، ومنذ أن استشهد عبد العزيز الرنتيسي في العام 2004، ومشعل هو القائد / الفرد لحركة "حماس"، التي تشكل رسمياً، منذ العام 2006، الطرف الثاني لمعادلة السياسة الفلسطينية الداخلية.
أي أن الرجلين: محمود عباس وخالد مشعل يمثلان قطبي وشخصي القيادة السياسية الفلسطينية، مع فارق أن الأول يمثل رسمياً ودولياً رأس الهرم الفلسطيني، والثاني يمثل رأس هرم المعارضة السياسية.
هذه الثنائية، تلخص الحالة الفلسطينية وتنتهي بها إلى اللحظة الراهنة، فمنذ أن انطلقت الحالة الوطنية كحالة سياسية عبر الكفاح المسلح، منتصف ستينيات القرن الماضي، وهي تشهد ثنائية القيادة والمعارضة، ومن ثم ثنائية السلطة والمعارضة، وكانت من قبل هذه الثنائية تتمثل في ("فتح" _ الجبهة الشعبية) أو يمين ويسار، أما الآن فهي تتمثل في ("فتح" _ "حماس") أو معسكر وطني ومعسكر إسلامي.
لكن ما يجمع طرفي المعادلة هو طبيعة وشكل القيادة، فهي من حيث الشكل تأخذ الطابع الجماعي (لجنة مركزية / "فتح"، مكتب سياسي / "حماس")، لكن من حيث الجوهر والمضمون، فهي قيادة فردية، حيث تتكرس قيادة الفرد مع مرور الوقت ومع طول فترة بقائه في المنصب.
من حيث الوقت أو الزمن الذي مر على الرئيس عباس وهو رئيس حركة "فتح"، دولة فلسطين، م.ت.ف، فهو أكثر من أحد عشر عاماً، أما الوقت الذي مر على مشعل رئيساً لحركة "حماس" فهو أكثر مما أمضاه الرئيس عباس، فهو رئيس "حماس" منفرداً، أي دون رأس غزة منذ العام 2004 ورئيس مكتب "حماس" السياسي منذ العام 1996.
المهم هو أنه مر على وجود الرجلين في الموقع الأول، أكثر من ولايتين جمهوريتين لرئيس أميركا أو لرئيس فرنسا، أو أي رئيس ديمقراطي آخر، ما يعني أن "الرئاسة" أو حتى القيادة الفلسطينية ما زالت تكرس ثقافة نظام حكم الفرد، وأن ثنائية "فتح" / "حماس" بحكم أن الحركتين تنتميان إلى يمين ويمين الوسط السياسي، وأنهما لا تؤمنان كثيراً بالديمقراطية السياسية، تنطوي على كابح لحركة الشعب الفلسطيني، التي تتوق لدخول العصر الحديث، الذي أهم ما يميزه أنه صار ديمقراطياً في كل دول ومناطق العالم.
ولعل الحديث المتزامن عن مرحلة ما بعد مشعل وعباس، أو على الأقل، الحديث عن ترتيب الأوضاع الداخلية في كل من "فتح" و"حماس"، في ظل وجود الرجلين، ولكن على قاعدة تجديد أو دخول شركاء في الحكم، ما يؤكد أن نبض الشارع الفلسطيني، حتى وإن لم يكن ذلك مرئياً، ما هو إلا دافع لهذا الحديث.
"حماس" تنتظر مطلع العام القادم، للوقوف على نتائج انتخاباتها الداخلية، التي تنتهي بمجلس شورى يختار (ككلمة أدق من ينتخب) رئيساً للمكتب السياسي للحركة، و"فتح" تنتظر المؤتمر السابع لتنتخب نائباً لرئيس الحركة.
نائب رئيس حركة "فتح"، سيكون عملياً وفي ظل وجود رئيسها الحالي، قائداً فعلياً، نظراً لتقدم الرئيس بالعمر من جهة، ونظراً لتوليه المناصب الأولى في السلطة والمنظمة، وليس في "فتح" وحسب، ما يثقل كاهله أصلاً.
كذلك تولي شخص آخر غير مشعل رئاسة المكتب السياسي لـ"حماس"، لن يعني "تقاعد" مشعل، الذي بدأت "حماس" في الوقت نفسه تفكر له في منصب أعلى، فإما أن يكون رئيساً أو مرشداً أعلى للحركة أو مرشحها لرئاسة دولة فلسطين ورئاسة م.ت.ف.
اختيار رئيس مكتب سياسي جديد لـ"حماس" لا يحتاج أكثر من التوافق داخل الحركة، كذلك انتخاب نائب للرئيس عباس، رغم كل ما يدور من حديث عن اجتماع مجلس وطني أو تشريعي، أو توافق فصائلي، لا يحتاج أكثر من توافق أو احتكام لمؤتمر "فتح" السابع، فالمدخل هو انتخاب نائب لرئيس حركة "فتح"، ولا أحد غير "فتح" ممثلة بمؤتمرها السابع أو حتى بمجلسها الثوري له علاقة بالأمر، حيث يمكن للمجلس الثوري، وحتى اللجنة المركزية أن تنتخب في أول اجتماع لها نائباً لأبو مازن كرئيس لحركة "فتح".
أما نائب رئيس اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف فيحتاج إلى اجتماع لجنة تنفيذية، وهو أمر سهل، أما الصعب أو المستحيل فهو انتخاب نائب لرئيس السلطة، لأنه يحتاج اجتماع مجلس تشريعي، وهذا يخضع الأمر لحالة الانقسام ولثنائية "فتح" / "حماس".