اتسمت العلاقات المصرية ـ الأثيوبية خلال العقود الماضية بالمراوحة بين التوتر والهدوء، في عهد الرئيس عبد الناصر، تميزت تلك العلاقات بالكثير من الود، نتيجة لاهتمامات ناصر الإفريقية واعتباره أحد أهم قادتها حيث شكل فخراً لشعوب وقادة القارة السوداء، أثيوبيا اهتمت بوضع صورة عبد الناصر في مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا كدليل على هذه العلاقات في عهده، أما في عهد أنور السادات، فقد اتسمت تلك العلاقات بالفتور، دون أن تتصف بالتوتر، ولكن في عهد الرئيس مبارك، فقد عادت العلاقات إلى طبيعتها الهادئة، وحضور الرئيس المصري لكافة المؤتمرات التي عقدت في العاصمة الأثيوبية دليل على تحسن هذه العلاقات، إلاّ أنه لم يعد الرئيس المصري يشارك في حضور هذه المؤتمرات إثر محاولة اغتياله في العاصمة الأثيوبية العام 1995، إلاّ أنه كان يكلف رئيس وزرائه للمشاركة في المؤتمرات التي تعقد في العاصمة الأثيوبية، خاصة تلك المنعقدة لقمة منظمة «الوحدة الإفريقية» التي باتت فيما بعد تسمى منظمة الاتحاد الإفريقي.
وترافق وصول مرسي إلى الحكم بعد ثورة يناير، مع انطلاق أعمال البناء في سد النهضة، ورغم أن فترة مرسي استمرت لعام واحد، إلاّ أنه زار أديس أبابا مرتين، قمة الاتحاد الإفريقي العادية 2012، والقمة الاستثنائية 2013، في القمة الأخيرة، تم استقباله في المطار من قبل وزيرة التعدين الأثيوبية سينكيش ايجو، ما يعتبر استقبالاً متواضعاً من الناحية البروتوكولية الدبلوماسية، ولا يليق بمكانة إحدى أهم الدول الإفريقية، يضاف إلى ذلك قطع كلمته وكتم الميكروفون أثناء خطابه بحجة انتهاء الوقت المخصص لكلمته، وجاء ذلك دون تذكيره أو الإشارة له بانتهاء وقت الكلمة، واعتبر ذلك سلوكاً غير مهذب تجاه الرئيس المصري الذي قال في كلمته إنه جاء إلى أديس أبابا، لبحث تعزيز العلاقات مع أثيوبيا، وذلك على هامش قمة الاتحاد الإفريقي.
العلاقات المصرية ـ الأثيوبية في عهد مرسي، لم يكن بالإمكان وصفها بالتوتر ولا بالهدوء، بل هي علاقات مربكة معقدة، غير واضحة، على اثر إرباك القيادة المصرية وعدم قدرتها على وضع خطة واضحة لمواجهة تداعيات سد النهضة الذي كان يترسخ لحجز مياه النيل عن مصر والسودان دون أي رد فاعل على الانتقادات والاعتراضات، الأمر الذي اضطر إدارة مرسي إلى دعوة رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة وممثلي الأزهر والكنيسة، لمناقشة أزمة بناء سد النهضة الأثيوبي، باعتبار أن هذه النخب مسؤولة عن وضع خطط التعامل ووضع الحلول لهذه الأزمة، استهل مجدي حسين، رئيس حزب العمل الجديد كلمته في هذا الاجتماع قائلاً بضرورة أن تبقى نقاشات هذا اللقاء سرية، إلاّ أن من بجانبه فاجأه بالقول: إن اللقاء منقول على الهواء مباشرة، وذلك بعد عدة كلمات تطرقت إلى حلول تتضمن إعلان الحرب واستعدادات أجهزة الاستخبارات لأمور ذات طبيعة سرية مطلقة تم تداولها من دون ان يعلم احد ان اللقاء يبث على الهواء مباشرة، ولم يعلم هؤلاء عن ذلك إلاّ بعد أن أشار الشخص المجاور للصحافي مجدي حسين إلى ذلك، ولكن بعد نقاشات مستفيضة تحدث الجميع بكل جدية عن حلول في غالبها استخبارية عسكرية، كان يجب وبالضرورة أن تظل بالغة السرية!!
تعاملت إدارة الرئيس السيسي مع ملف العلاقات المصرية ـ الأثيوبية بجدية كاملة، من خلال عقد القمم والمشاورات المستمرة بين الأطراف الثلاثة: مصر والسودان وأثيوبيا، يستمر بناء السد، وتستمر المشاورات من أجل إيجاد حلول للأزمات المحتملة، سادت العلاقات بين البلدين، من الناحية المعلنة على الأقل، بالتفاهم والود المتبادل، إلى أن جاء تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية شبه الرسمية، يشير إلى أن التلفزيون الرسمي الأثيوبي اتهم مصر بدعم جبهة «الأورومو» المعارضة المسلحة، وذلك على إثر ما شهدته الساحة الأثيوبية الداخلية من توترات ومظاهرات على خلفية قيام الحكومة بمصادرة أراضي قبائل «الأورومو» وهي الإثنية الأكبر من حيث عدد السكان، والأقل رعاية وتمثيلاً في الهياكل السياسية للدولة الأثيوبية، الأمر الذي دعا الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ، مع أن ممثلي جبهة «الأورومو» قد أشاروا إلى أن حالة الطوارئ معلنة فعلاً من الناحية العملية على كل مساحة الإقليم.
عادت وكالة الأناضول لتشير إلى أنه تم استدعاء السفير المصري في أديس أبابا إلى وزارة الخارجية للاحتجاج، إلاّ أن بيان وزارة الخارجية المصرية أشار إلى أن الأمر يتعلق بالاستفسار والتعليق على تقارير وكالة الأناضول، ولم يكن هناك أي احتجاج.
هدأت القصة، وربما إلى حين، إلاّ أن ما يلفت الانتباه إلى أن وكالة الأناضول التركية شبه الرسمية، انفردت وحدها بهذه الأخبار، في محاولة منها لوضع العصي في دواليب المصالحات والتفاهمات بين القاهرة وأديس أبابا، وعلى الجانبين الاحتراس من دور تركي تخريبي يزرع الفتنة التي قد تودي بالعلاقات الودية بين الجانبين المصري والأثيوبي!!