كان خطاب الرئيس باراك أوباما في جنازة شمعون بيريس إحدى الخطوات الأشد مكراً التي يمكن لسياسي أن يقدم عليها.
فهو قدم للجمهور الإسرائيلي تفاحة حمراء ومشهية من الصهيونية، لكنه وضع السمّ داخلها: إذ اعتمد ظاهرياً على أقوال سمعها من بيريس، ووصف حكم إسرائيل في «المناطق» كحكم الأسياد والعبيد.
كما أنه صاغ رد فعل عنيفا وغاضبا على البيوت التي سوف يتم بناؤها لمهجّري «عمونا». ولم يكن متوقعاً أن يغدو موضوع «عمونا» نقطة احتكاك وأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن أوباما حرص على أن يوضح أن القدس في نظره ليست ضمن حدود إسرائيل.
وهاكم التكهنات المتشائمة بشأن الفترة الواقعة بين حدثين - بعد انتخابات الرئاسة في 8 تشرين الثاني وحتى يوم أداء اليمين القانونية للرئيس أو الرئيسة المقبلة.
وهذه فترة تقارب ثلاثة أشهر تبدو ككابوس. بدلاً من أوزة عرجاء، سيقف في مواجهة إسرائيل حيوان مهزوم وراغب في الثأر، صبياني ونرجسي.
فالرئيس أوباما مشبوه كمن يطمح لتوجيه ضربة أخرى لدولة إسرائيل - ضربة قوية أخيرة - من منطلق الرغبة في توجيه ضربة قاضية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
فهذا الأسبوع شجّعت أوباما صحيفته المقربة، «نيويورك تايمز»، التي دعته لاتخاذ خطوة من طرف واحد في مجلس الأمن تحدد المعايير لتسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولا يستبعد المسؤولون في تل أبيب مثل هذا الاحتمال.
وكثيراً ما يوصف نتنياهو بأنه شخص متشائم. ومن المؤكد أن رجاله في الدوائر القريبة ليسوا متفائلين بشأن الخطوات المؤهل أوباما لتنفيذها في الفترة الانتقالية.
وهناك احتمال آخر، وهو أن يعرض على مجلس الأمن الدولي مشروع قرار ضد المستوطنات، ولكن ليس واضحاً حتى الآن بأي صورة سيحدث ذلك.
وعندما يعرض المشروع، ربما كمبادرة من الدول العربية، كنوع من جائزة وداعية لإدارة أوباما، فإن الولايات المتحدة لن تستخدم حق النقض (الفيتو).
والشيء الواضح الوحيد الذي يرونه في تل أبيب هو أنه على ما يبدو لن تدرج في القرار عقوبات.
مع ذلك، فإن القرار الذي سيعتبر المستوطنات غير قانونية قد يستخدم في المستقبل كأساس لقرارات أخرى تقود إلى فرض العقوبات.
والأمر المذهل هو أنه في موضوع مركزي إلى هذا الحد، مثل «العملية السلمية»، ليس هناك أي تواصل ناجع بين إسرائيل والولايات المتحدة.
والقيادة السياسية تحاول تجميع معلومات بطرق دبلوماسية وعبر خبراء من دول مختلفة يقيمون صلات مع الإدارة الأميركية، وتسعى للحصول منهم على تقديرات بشأن وجهة الإدارة الأميركية، وهذا ببساطة أمر لا يُصدَّق.
وعندما يتحدثون إلى جهات يفترض أنها تعلم وتعرف كيف تقدر إلى أين يقودك هذا، فإن الشعور هو أن أوباما سيقود إلى خطوة من طرف واحد في مجلس الأمن – وأن هذه الخطوة ستبشر بنهاية عهد المفاوضات المباشرة، وهو ما يعني فرض الجمود على الخطوات السياسية كلها.
وكل هذا بسبب أن إسرائيل، بناء على قراري 242 و338 من سنوات سابقة، لن تكون على استعداد لتقبل وضع سياسي لا يكون فيه لها قول بشأن المواضيع الأساسية في الحل النهائي.
وبالمقابل، ليس هناك أية جهة يمكنها أن تمارس عليها الضغط المطلوب من أجل تحقيق شهوة انتقام الرئيس أوباما.
ومقابل إدارة يقف على رأسها شخص سيُذكر كرئيس معادٍ وفاشل يقف الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ.
والأغلبية في مجلسي الكونغرس لا تزال تعمل. وهذه جوقة مئات بطات عرجاء، ومن ناحية إسرائيل فإن جولة الانتخابات في تشرين المقبل للكونغرس تعتبر حاسمة.
ولكن في الفترة الخطيرة لأوباما لا يزال الكونغرس كما كان.
ومراسم أداء اليمين لأعضاء الكونغرس ستتم في 3 كانون الثاني، بعد أسبوعين ونصف الأسبوع من انتهاء ولاية الرئيس.
فهل بوسع الكونغرس أن يعمل كعنصر توازن مقابل المغامرة الأوبامية؟ في إسرائيل يخوضون نضالاً مع مجلسي الكونغرس، نتائجه مثلاً تتمثل في تلك الرسالة التي وقع عليها 88 سيناتوراً طالبوا الرئيس بالامتناع عن أية خطوة من طرف واحد في الأمم المتحدة ضد إسرائيل.
ثمة أهمية كبيرة لواقع أن إحدى الموقعات على الرسالة هي زعيمة اليسار في الحزب الديمقراطي، إليزابيت فارن.
ومن ناحية منطقية فإن الاستنتاج هو أن الرئيس سيُضطر للاكتفاء بخطاب رئاسي يحدّد موقف الولايات المتحدة بشأن التسوية الدائمة، وهذا سيكون خطاباً فلسطينياً ومعادياً لإسرائيل، وبداهة ستتم تغطيته بعبارات مثل «إرث بيريس».
وردود فعل أوباما، حتى من وجهة نظر «محبي السلام» المؤيدين للفلسطينيين، لا تعتبر منطقية، خصوصاً لجهة تأثيرها على الجمهور الإسرائيلي.
وهكذا مثلاً، القرار المعادي لإسرائيل في مجلس الأمن يمكن أن يكون ناجعاً إذا صعدت إلى سدة الحكم في إسرائيل حكومة يسارية برئاسة يائير لبيد أو زعيم عسكري آخر، وهي ستخدم كسندان يضرب عليه بمطرقة ضغوط حكومة اليسار.
ولكن قراراً من طرف واحد يمكنه أن يعزز قوة اليمين في إسرائيل، وحسب التقديرات في القيادة السياسية سيقود هذا إلى نهاية العملية السياسية وتحديداً نهاية المفاوضات.
مناورة نتنياهو المستحدثة..إزاحة حماس "تفاوضيا"
02 يناير 2025