كثر الحديث في الصحافة العالمية وفي الدوائر الدبلوماسية، وأخيرا في وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر تاثيرا في العامة عن مصر، وما تواجهه من صعوبات اقتصادية، وهذا الحديث المضخم ليس من أجل إصلاح ما فسد في مصر، ولكن من أجل التصيد ومن باب تضخيم الصعوبات. ليس هناك من عاقل من ينكر أن مصر تواجه عددا من الصعاب معظمها اقتصادي، ولكن اكثر هذا المعظم هو ذو صفة مؤقتة وعابرة. بلاد كثيرة واجهت مثل تلك الصعوبات وتغلبت عليها بالعقل والمثابرة معا ، مثلا تركيا في ثمانينيات القرن الماضي واجهت مصاعب اقتصادية أكبر وأعظم، كان الموظف التركي يتسلم راتبه في الصباح فيسرع إلي محل الصرافة كي يحوله إلي دولارات، لأنه لو انتظر الي المساء فإن راتبه سوف يتراجع في القيمة ويتبخر ، وكان المسافر التركي الي الخارج لا يحمل معه إلا مائة دولار فقط، أيا كانت وجهته وأيا كان مراده، وعليه ان زاد بعض المبلغ الذي يحمله ان يعيد ما فاض منه الي خزينة الدولة! في خلال عقد واحد من السنين ومع تصور حاسم حمله السيد توركت اوزال وقتها رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية عبرت تركيا تلك المصاعب بنجاح ، لأنها استطاعت أن تعبئ مواردها الإنسانية والاقتصادية لتحقيق هدف مهم هو الاستنهاض الاقتصادي والوطني، وبعد أن كانت السلعة التركية المصنوعة محليا ليست ذات قيمة، جودت الصناعة بمواصفات عالمية وشيئا فشيئا أصبحت الصناعة التركية هي المطلوبة في الجوار وفي العالم. لأن أشبه مصر ببلاد مثل سنغافورة او ماليزيا، فالقيمة الإنسانية والثقافية والقدرات الفنية في مصر اليوم تساوي ان لم تفق تلك القدرات في تلك البلدان عندما بدات نهضتها. ماذا ينقص مصر اليوم، دون عاطفة او ضرب في الخيال، ينقصها ان يؤمن ابناؤها بها، وأن يعتبروا ما هم فيه عملية مؤقتة وعليهم هم ان يتحملوا أعباءها ويجتازوها معا. مصر بمواردها من أغني البلدان، وهذا ليس قولي ولكنه قول الدراسات المختلفة التي تنشر هنا وهناك، ما يجب أن يفهم ان هذه الثروة المائية والبشرية والارض الخصبة والقوة البشرية المتعلمية تحتاج الي تنظيم كما تحتاج الي وقت وإيمان بقدرتها علي تجاوز الصعاب.
ما ينشر عن مصر خاصة في وسائل الإعلام الخارجية وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر بيننا هي بفعل فاعل ومنظمة، ولا يخفي من هو خلفها ، فهناك قوي تريد اولا ان تنال من الرأسمال المعنوي المصري، ومن ثم تنقض علي الدولة عندما يبدأ الناس بتصديق تلك المقولات. وفي الاسابيع الاخيرة شاهد الجميع قصصا تبدو من الخارج انها حقيقية ، خذ مثلا صاحب التكتك (او هكذا قيل) الذي انتقد الوضع الاقتصاد القائم، ونشر ما قاله علي الناس ، وبعد ايام تنشر صورة لشخص مقتول ويقال إنه صاحب التكتك الذي تجرأ الاسبوع الماضي علي قول (ما لايجب قوله)! هذا التكتيك الخبيث يقنع البسطاء من الناس، ولكنه لا يقنع أصحاب العقول التي تفرق بين الشائعة والحقيقة، لانه لا يمكن ان تكون (اجهزة ما) تفعل مثل هذا الفعل الا اذا كانت قد اعمت ضميرها! وبعد ان تم فضح اللعبة وخرج صاحب التكتك إلي العلن اختفي كل من النقد (التكتكي) والصورة ( التكتوكية) من علي شبكة التواصل الاجتماعي ، وبعد ذلك بدأت الشائعات تضرب من جديد في المنتج الزراعي المصري ، ثم تحولت إلي السياحة ، أردت فقط ان اضرب بعض الامثلة بهذا،ولكن الامثلة كثيرة تتناولها في بعض الاوقات أقلام تبدو محترمة وفي وسائل اعلام ايضا تبدو محترمة! السؤال هو لماذا مصر مستهدفة؟ انه سؤال حيوي للغاية! لانها ببساطة يمكن ان تتعافي وفي وقت قصير، ولان لديها مؤسسات ازالت قائمة ولان وقوفها صلب علي الارض، وأنها قاعدة الاقليم العربي ، في الوقت الذي يراد لهذا الاقليم العربي الركوع . نعم هناك صعوبات اقتصادية وهي ليست مصرية فقط ، بل عالمية ، الاقتصاد العالمي يعاني الركود الكبير، الولايات المتحدة بكل قواها وقدراتها هي الآن تلجأ الي الاستدانة من الداخل واصدار السندات، دول النفط بسبب تراجع اسعار النفط تضطر الي الاستدانة من الداخل والخارج، وبدائل النفط تزداد انتعاشا وتقدما، منذ اسابيع فقط استعرض في المانيا قطارا يسير بالهيدروجين! مستغنيا عن المحروقات التقليدية! والتجارة العالمية تبطئ من نموها أيضا من الصين حتي أوروبا.
وبالتالي فإن كل ذلك التباطؤ وكل ذلك الاستغناء عن السلع الصادرة من منطقتنا وعلي رأسها البترول، يؤثر في الاقتصاد المحلي، ولكن وهي لكن كبيرة ، الا يقال ان بدائل الطاقة هي المستقبل ، إذن كم نحن محضوضين عندما نعرف ان اهم بدائل الطاقة هي الطاقة الشمسية، وليس لاحد من ذلك المصدر الغني ما لدينا ،مصر والمنطقة العربية يمكن ان تكون مصدرا للطاقة الجديدة البديلة ، ألم يقولوا ان العنصر البشري هو رأس المال الحقيقي للانتاج ، وليس اكثر من شعوبنا شبابا وفتوة ، اي ان بلاد الغرب منها الولايات المتحدة واوروبا الغربية يتجه نسبة كبيرة من سكانها ان يكونوا من كبار السن والشيخوخة، ولا توجد بسبب ذلك الكثير من المدخلات البشرية في المجتمع الصناعي ومكانية تجديد اعمار السكان، ونحن في هذه المنطقة النسبة الاكبر من السكان هم في ريعان الشباب، وتلك ثروة ضخمة يفتقد اليها الغرب بشدة،ولا يضير المتابع ان يعرف ان ترحيب بلد مثل ألمانيا رسميا بالمهاجرين واللاجئين الا لانهم يحتاجواالي طاقة شبابية ويد عاملة شبابية تتناقص لديهم ! الخطأ الاكبر ان يتوجه بعضنا دون وعي لمتابعة الصيحة التي تقول ان مصر في خطر اقتصادي طويل المدي، تلك أكذوبة علينا العمل علي كشفها، نعم هناك صعوبات ولكن معظمها هو قصير المدي، مع تفكير ابتكاري وقدرة علي فهم ما وراء تلك الصيحة من أهداف تتكشف الحقائق .
مصر مستهدفة لان البعض لا يرغب ان يري دولة عربية بحجم مصر بعيدة عن الاضطراب الذي يتفشي في الشرق الاوسط، وقد كتب الكثير ان اول واهم سلاح لمواجهة تلك الهجمة هو الوعي والثقة بالنفس واعتبار ان ما هو قائم مؤقت فقط يحتاج الي بعض الصبر.
لماذا يقوم الأطفال بتصرفات سيئة في وجود الأم أكثر من الأب؟
01 أكتوبر 2023