كلينتون أم ترامب: البيت الأبيض على مرمى صندوق اقتراع!

رجب أبو سرية
حجم الخط

لا تشهد أي انتخابات رئاسية أو برلمانية في العالم، اهتماما عالميا، لم يعد يقتصر على نخبة السياسيين أو المتابعين الإعلاميين وحسب، بل وصل إلى الجمهور العام، بما في ذلك الجمهور الفلسطيني، كما تشهد عادة الانتخابات الرئاسية الأميركية من اهتمام دوري، يتكرر كل أربعة أعوام، وينتهي كما ينتهي عادة «كلاسيكو كروي» بين فريقي برشلونة وريال مدريد، أو حتى بتأثر أقل، حيث يقبل العالم فيما بعد نتيجة الاقتراع، ويجلس الفائز في البيت الأبيض أربعة أعوام، في الغالب يتم تجديدها أربعة أعوام أخرى.
السبب في الاهتمام العالمي يعود بالطبع إلى مكانة الولايات المتحدة كقائد سياسي للعالم بأسره، لكن لا يبدو أن هذا السبب الوحيد، وإلا لنالت اهتماما أقل نسبيا انتخابات الرئاسة الروسية حيث صارت روسيا تمثل مجددا ندا كونيا لأميركا، أو حتى انتخابات الرئاسة الصينية، حيث باتت الصين التي لا يعرف حتى المتابعون اسم رئيس جمهوريتها، تمثل تحديا اقتصاديا كبيرا لأميركا، يضاف إلى قوتها العسكرية والسياسية والبشرية.
الاهتمام العالمي له علاقة إذاً، «بالبروبوغندا» التي تحدثها تلك الانتخابات، التي تكاد تكون فرصة للتنافس بين داعمي أو ممولي الحملات الانتخابية، والذين يظهرون كذلك في الانتخابات البرلمانية، وربما في ذلك ما يعوض ضعف الحضور الأميركي فيما يخص كرة القدم، رغم التفوق الأميركي في الألعاب الرياضية عامة، والذي يظهر في الألعاب الأولمبية عادة.
المهم أن انتخابات هذا العام بدت لأول وهلة، أي في المرحلة التمهيدية سهلة، حيث شق كل من المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون طريقيهما لترشيح حزبيهما بسهولة، سببها أن كلينتون خاضت الانتخابات التمهيدية قبل ثمانية أعوام وخسرتها بصعوبة بالغة، وفي الأمتار الأخيرة أمام الرئيس الحالي باراك أوباما، ثم أنها كانت قبل رئاستي جورج بوش الابن وباراك اوباما سيدة البيت الأبيض كزوجة للرئيس بيل كلينتون بين عامي 1992 _ 2000، ثم وزيرة للخارجية في الولاية الأولى لاوباما بين عامي 2008 ـ 2012، أما ترامب فربما لأنه ملياردير مثير للجدل، بتاريخه ومواقفه السياسية معا، لكن استطلاعات الرأي سرعان ما أظهرت تفوق كلينتون بمجرد أن انحصر التنافس بين المرشحين.
التفوق حسب استطلاعات الرأي لكلينتون، الذي استمر منذ أن فازت بترشيح الحزب الديمقراطي لبضعة أسابيع، تبدد في الأيام الأخيرة، لتزداد الانتخابات إثارة، وذلك بعد أن استخدم الحزبان كل ما في جعبتيهما من «ملفات شخصية» للمرشحين، ملف التحرش الجنسي لترامب، وملف البريد الإلكتروني لكلينتون إبان توليها منصب وزيرة الخارجية، وبعد أن بدا أن كلينتون في طريقها لفوز سهل، لدرجة أن ترامب نفسه، كان يعتقد بذلك لدرجة أن يعلن وخرقا لعرف انتخابي/ ديمقراطي أميركي، بأنه لن يقر في حال فوز منافسته بنتيجة الانتخابات وسيقول إنه جرى تزويرها!
ربما أن مديري استطلاعات الرأي أرادوا أن يطمئنوا العالم الذي بات بأغلبه، بما في ذلك حلفاء أميركا الغربيون ـ باستثناء روسيا بالطبع، قلقين من فوز ترامب نظرا لتشدده فيما يخص السياسة الأميركية الخارجية.
في الحقيقة ان الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجري عادة بين مرشحين ليس بينهما رئيس، أي التي تجري بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس، عادة ما تكون أكثر إثارة وتوازنا، ذلك أن الرئيس/ المرشح يكون ممتلكا لبريق ووهج البيت الأبيض ومسلحا بحضور سياسي وعلاقات عامة تمنحه قوة إضافية، كذلك عادة ما يكون الناخبون الأميركيون أكثر ميلا للتغيير بين الحزبين، بعد ولايتين رئاسيتين لحزب بعينه، أما هذه المرة فمجرد أن تتفوق كلينتون، فيعني أنها قد حققت اختراقا لتقليد، وإذا ما فازت فإنها ربما تحقق إنجازا لم يحققه الحزب الديمقراطي منذ زمن طويل وهو الفوز بثلاث وحتى بأربع ولايات متتالية، إضافة إلى أنها ستكون أول امرأة رئيسة للولايات المتحدة.
كان ترامب إذاً، يمتلك أسبابا للفوز، تتمثل في الرئاسة الديمقراطية ولايتين متتاليتين، لم يحقق خلالهما اوباما الشيء الكثير، لكنه بتاريخه الحافل بالتحرش والإساءة للمرأة، كذلك بإعلانه عن سياسة متشددة، بدافع إثارة الجدل، وبعد أن خسر بتقدير كل استطلاعات الرأي مناظراته مع منافسته، التي شن عليها خلالهما هجوما شخصيا مقرفا، اضعف من قوة المنافسة لديه، ولم يجد إعلانه الانحياز الأهوج لإسرائيل نفعا، حيث بدا لأول مرة ـ ربما ـ اللوبي اليهودي حائرا بين المتنافسين.
المهم الآن وقبل ساعات من إجراء الانتخابات، تبدو المنافسة على أشدها بعد أن تقلص الفارق في استطلاعات الرأي إلى نسبة مئوية واحدة لصالح كلينتون، بحيث يمكن القول إن دراما انتخابات العام 2000 التي جرت بين المرشح الديمقراطي ـ وكان قبل ذلك نائبا للرئيس بيل كلينتون، آل غور، والمرشح الجمهوري جورج بوش الابن والتي حسمت بفارق نحو 400 صوت فقط، تلوح في الأفق، حيث إن ولاية فلوريدا بالذات قد تحسم هوية الرئيس الأميركي الذي سيكون رقمه الخامس والأربعين، بعد انتخابات كانت هي الثامنة والخمسين التي تجري في أميركا منذ استقلالها عن التاج البريطاني.