يأخذ مؤتمر حركة فتح السابع أهمية كبيرة على المستوى السياسي والإعلامي، بسبب مكانة الحركة لدى الشعب الفلسطيني، التي تعتبر العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وتواجه الحركة مجموعة من التحديات الكبيرة والمعقدة، عشية عقد مؤتمرها السابع، حيث يعقد المؤتمر في أجواء داخلية ووطنية وعربية ودولية غاية في التعقيد والتشابك، مما سبب العديد الأزمات والإشكاليات التي تواجه الحركة والقضية الفلسطينية، منها ما يتعلق بمشروع التسوية مع إسرائيل بعد ما وصلت عملية السلام لطريق مسدود، وملف الانقسام، بعد فشل كل جهود المصالحة الوطنية، وأخرى ما يتعلق بالأوضاع الداخلية في حركة فتح ، خاصة فيما يتعلق بموضوع تيار دحلان، والتدخلات العربية.
وتعتمد حركة فتح على مفهوم القيادة الجماعية في ادارة شؤون التنظيم من الداخل، وتقصد الحركة بمفهوم القيادة الجماعية، وجود مؤسسات قيادية مؤلفة من هيئات مختلفة لأعمال القيادة التشريعية والاستشارية والتنفيذية، تتشكل من مجموعة أعضاء يتساوون في الحقوق والوجبات، وتؤخذ في داخلها القرارات –بموجب اغلبية محدد وفقاً للأصول المرعية.
ويحدد النظام الداخلي لفتح الأطر النظامية التي تنظم أسلوب اتخاذ القرار، وكيفية اتخاذه والعمليات المتعلقة بذلك، مثل المناقشة وحق المشاركة وانتخاب الهيئات القيادية، وممارسة القيادة الجماعية، وتقيد الأقلية برأي الأكثرية، مع حقها في ممارسة النقد والنقد الذاتي ضمن الأطر التنظيمية. وقد نص هيكل البناء الثوري على مبدأ القيادة الجماعية للحركة، واعتبره ملزم للفرد وفي نفس الوقت أكد -هيكل البناء الثوري- على استمزاج آراء القاعدة فيما يصدر عن القيادة من قرارات، ويكون الاستمزاج عن طريق الهرمي التنظيمي، على أن تلتزم القيادة بآراء القاعدة إذا اقرتها الأغلبية في اللجنة المركزية، وتمارس المستويات التنظيمية حرية الرأي والتعبير في مجال البناء والعمل، ويتحدد الرأي بأغلبية الأصوات ويصبح بذلك ملزماً للمستوى التنظيمي
والمؤتمر العام هو أول الأجهزة القيادية في حركة فتح، وأهمها، فهو أعلى سلطة قيادية في الحركة، ومن المفترض أن ينعقد المؤتمر العام مرة كل سنتين أو ثلاثة سنوات على أكثر تقدير، بدعوة من اللجنة المركزية، أو نصف أعضاء المجلس الثوري، ويضم المؤتمر: أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية، وممثلي الأقاليم، وأعضاء المجلس العسكري، وكفاءات حركية.
وعقدت حركة فتح قبل هذا المؤتمر ستة مؤتمرات عامة، كان الأول قبل الانطلاقة عام 1964، رغم اختلاف الآراء حول تاريخ المؤتمر الأول، وانعقد المؤتمر الثاني عام 1968 بالزبداني في سورية، وانعقد المؤتمر الثالث فيها عام 1971، ثم انعقد المؤتمر الرابع في دمشق عام 1980 بعد تسع سنوات، وحظي بتغطية إعلامية فلسطينية وعربية ودولية واسعة. وانعقد المؤتمر الخامس في تونس عام 1989، والمؤتمر السادس انعقد في داخل فلسطين، في مدينة بيت لحم عام 2009.
وتنظر حركة فتح إلى المؤتمرات على أساس أنها مجالس ممثلي الأطر المحددة، التي لها الحق في رسم القرارات الأساسية في حياة التنظيم وفي اختيار هيئات القيادة ومحاسبتها. وتعطي فتح أهمية خاصة للمؤتمرات التنظيمية باعتبارها القناة الرئيسية والأداة الهامة لمجموعة أعضاء التنظيم في اتخاذ القرارات الأساسية وفي المشاركة في تقرير شؤون تنظيمهم. فبواسطة المؤتمرات يتمكن ممثلو الأعضاء أو الأطر الدنيا من اختيار هيئات القيادة ومن اتخاذ القرارات التي تخص بصورة مباشرة الوضع الكلي لتنظيمهم، بكل التعدد والغنى في الآراء ووجهات النظر والخبرات وليس هذا فحسب، بل بتمكين ممثلي الأعضاء أيضا من محاسبة القيادات ومراجعة ما تم تنفيذه.
وأهم ما يتم اعتماده في المؤتمرات غير انتخاب اللجنة المركزية والمجلس الثوري، هو اعتماد وثيقة البرنامج السياسي والنضالي، الذي يقره المؤتمرون بالأغلبية، وهذا البرنامج يحدد وجه الحركة السياسية والمستقبلية، ويحدد علاقات الحركة على المستوى الوطني والعربي والإقليمي والدولي، وتؤكد فيه الحركة على رؤيتها السياسية والنضالية للمرحلة المقبلة، فالبرنامج السياسي الصادر عن المؤتمر يرسم استراتيجية الحركة خلال السنوات المقبلة، وقد صدر عن كل المؤتمرات برامج سياسية، حددت رؤية الحركة في القضايا السياسية والنضالية المطروحة.
وخلال المؤتمر السادس الذي عقد لأول في الداخل الفلسطيني عام 2009 في مدينة بيت لحم بعد عشرين عام تقريباً من المؤتمر الخامس، صدر برنامج سياسي يمكن تسميته بأنه برنامج الخيارات المفتوحة، لأنه أبقى الباب مفتوحاً لاعتماد الخيار وبديله في نفس الوقت. فهو أبقي خيار الكفاح المسلح أحد أساليب النضال وأشكاله، وفي نفس الوقت أبقى خيار المفاوضات للوصول إلى حل مع الجانب الإسرائيلي، بل حاول التركيز في أكثر من بند على العملية التفاوضية وشروطها. واتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات الهامة، كان من أبرزها: تشكيل لجنة تحقيق ومتابعة اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ولجنة تحقيق في أحداث غزة من أجل تحديد مسؤولية الأشخاص الذين تّمنت الإشارة إليهم في تقارير اللجان المكلفة، كما أصدر المؤتمر قراراً بإعلان سياسي يكون جزءاً من البرنامج السياسي، ركز على التمسك بحركة فتح، حركة تحرر وطني تهدف إلى إزالة الاحتلال ودحره، وتحقيق الاستقلال الوطني للشعب الفلسطيني. وأكد مؤتمر فتح السادس إلى أن حل الدولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يزال الخيار الاستراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية، رافضاً الاعتراف بإسرائيل "كـدولة يهودية"، ورافضاً الاقتراح بإقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، مشدداً على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المتواصلة على أساس حدود الرابع من حزيران/ يونيو عام1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكداً على ضرورة الوصول لحل عادل ومتفق عليه مع إسرائيل لمشكلة اللاجئين، على أساس قرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة رقم (194)، وأكد برنامج الحركة الالتزام بالسلام والعملية السلمية.
لذلك أمام أعضاء المؤتمر السابع لحركة فتح بالإضافة لتحدي انتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري يكونوا قادرين على مواجهة هذه التحديات والنهوض بحركة فتح على المستوى التنظيمي، هناك تحدي لا يقل أهمية عن ذلك، هو تحدى خروج برنامج سياسي ونضالي عن حركة فتح، يكون على مستوى الحدث والصعوبات، فهذا البرنامج يجب أن يناقش ويضع حلول عملية لأكثر من قضية ملحة على الساحة الفلسطينية والعربية، يأتي في مقدمتها العلاقة مع إسرائيل ومستقبل عملية السلام في ظل انسداد الأفق السياسي وتنكر إسرائيل لعملية السلام، ويضع حلول عملية لقضية الانقسام الفلسطيني والمصالحة مع حركة حماس، والعلاقة مع الكل الوطني الفلسطيني والشراكة الوطنية، بالإضافة لتحديات تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل التنظيمي في حركة فتح، فالبرنامج السياسي والنضالي الصادر عن المؤتمر السابع لحركة يجب أن يناقش كل هذه القضايا وغيرها وضع لها رؤيا وحلول عملية، وفق استراتيجيات وآليات عمل محددة، ولا يكتفي بالكلام المرسل الذي يفهم من أكثر من جانب.
وفي النهاية يمكن القول، رغم كل ما تعانيه حركة فتح على المستوى الداخلي، إلا أن الشعب الفلسطيني مازال يعول على حركة فتح ويعطيها ثقته في استطلاعات الرأي، في الحصول على حقوقه الوطنية في الاستقلال الحرية وتقرير المصير، لذلك أصبح الشأن الداخلي الفتحاوي أمر عام من حق أبناء الشعب الفلسطيني الحديث والنقاش فيه، مما يعطي للبرنامج السياسي والنضالي الصادر عن المؤتمر السابع أهمية كبير، في معالجة أزمة التسوية والمصالحة ومنظمة التحرير، وباقي الأزمات الأخرى، فالكل يأمل في طرح برنامج سياسي ونضالي يشكل رافعة للعمل الوطني والسياسي والنضالي، يمهد للخروج من الأزمة الداخلية، ويحدد طبيعة العلاقة مع إسرائيل بشكل واضح، ويؤسس لشراكة وطنية حقيقية زمن السلم والحرب.
بقلم أ. منصور أبو كريم
باحث سياسي ومدير الدارسات بمركز رؤية