الخطأ الطبي ... شعار نوفمبر الجديد

15087059_10211486889270490_1418150870_n
حجم الخط

يعتبر القطاع الصحي من أهم القطاعات التي تحظى باهتمام الدول المتقدمة لما له من أثر على الحفاظ على حياة البشر، و لهذا رأينا أن موضوع التأمين الصحي كان من أهم البرامج التي عرضت في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية الاخيرة. أما في فلسطين، فإننا اصبحنا نعيش في واقع " فوضوي" بين من يحترم الطبيب و بين من يعاتب الطبيب و بين من يدعي الخطأ الطبي و بين من هو متأكد من هذا الخطأ. إنه واقع مشوش سواء على المواطن أو على الطبيب، لكن ما سبب ما وصلنا إليه حتى اليوم؟ و لماذا ينتظر المواطنون شحنة إعلامية للهجوم من جديد؟ و أين حق الطبيب من كل ما يحدث؟

في البداية و قبل الخوض أكثر في هذا الموضوع ، لا بد التأكيد على وجود الأخطاء الطبية و الإهمال الطبي ايضاً في بعض المؤسسات الصحية و من قبل بعض الاطباء و الذين لا يمثلون بكل تأكيد شريحة الاطباء في فلسطين. إن الخطأ الطبي وارد في اي دولة و لكن في واقعنا إن غياب وضوح قانون خاص عن الأخطاء الطبية و اليات المحاسبة و المساءلة و نقص الخبرة في التعامل مع قضيا تخص هذا الشأن يعتبر عائق أساسي في التخفيف من هذه الظاهرة. كما إن هذا السبب أدى إلى ضعف ثقة المواطن بالطبيب و بمؤسسات الدولة التي تعمل على المحاسبة و المساءلة، كون الشفافية أمر مهم في بناء جسر من الثقة بين المواطن من جهة و بين الطبيب و الدولة من جهة أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص المؤسسات الصحية التي تغطي حاجة المواطنين أدت إلى وجود فجوة بين المواطن و النظام الصحي، ففي ظل وجود حاجات طبية متزايدة للمواطنين فإننا لا زلنا نواجه مشاكل في نقص اسرة المستشفى و حجز مواعيد في العيادات الخارجية بعد شهرين و أكثر من تاريخ الطلب لتزايد أعداد المتقدمين للخدمة و نقص الكوادر الطبية و المباني و المستشفيات الحكومية. هذه الإجراءات ستؤدي إلى وجود حالة نفسية سيئة عند المواطن و سيأتي بحسن نية ليحمل الطبيب المسؤولية و الذي فعلياً لا شأن له في ذلك كون مثل هذا الأمور تتعلق بالسياسات الاستراتيجية لوزارة الصحة. كما قال لي طبيب مقرب عن قضية عدم وجود اسرة كافية و الانتظار لساعات للانتقال إلى الأقسام الطبية المختصة " هو انا الي مانع المريض يطلع و جايب اهلي بداله مثلاً؟"  

إن غياب الأسلوب النفسي المهني و مهارات التواصل عند بعض الاطباء في التعامل مع المواطنين كارثة و أمر يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

أتحدث في هذه القضية تحديداً بعمق لأنني رأيتها بعيني كثيراً. فإن التعامل مع مواطن متوتر لسبب طبي يخصه أو يخص عائلته بطريقة غير مهنية و غير حضارية غير مقبول لا أخلاقياً و لا إنسانياً. أين الرقابة و عقد التدريبات اللازمة في هذا الشأن؟ و التي تعتبر من أساسيات الحياة قبل أن تكون من أساسيات المهنة،  إن هذه الأسباب المتراكمة تجعل الاطباء جميعاً ضحية الانتقاد و احياناً الاعتداء كما حدث بالأمس مع طبيب في مجمع فلسطين الطبي نتيجة الشحنات الإعلامية التي تغرس في نفوس المواطنين و الذي اعتبره أمر لا يحل القضية بما يخدم جميع الأطراف.

أخيراً و ليس أخراً ، قد يظن البعض أنني نسيت أساس القضية و لكنني من أصحاب مقولة " ختامها مسك"، إنه الطبيب الإنساني الذي يعمل جاهداً من أجل إنقاذ الأرواح و ضم الجراح بلا اي محفزات تذكر في واقعنا الفلسطيني. للأسف إن غياب نظام الحوافز للمتميزين و الرقابة على الأطباء المقصرين و محاسبتهم جعل الواقع محبط لكل طبيب طموح متميز أراد الخدمة في بلاده ، يتعرضون للضغط يومياً و أخص بالذكر اطباء المستشفيات الحكومية و يتعرضون للإساءة لما ليس لهم شأن به احياناً و رغم ذلك يواصلون المسيرة و عندما يخطأ احدهم في الشرق ننتقد و نشتمهم جميعاً في كل الاتجاهات. هذا هو واقع الطبيب الفلسطيني ...

إذا اردنا أن نكون عادلين علينا القول " نحن مع محاسبة من يخطئ و مع إكرام من يتميز و مع تدريب من يحتاج المهارة"  ، هذه الجملة وحدها ستبني نظام صحي متقدم للشعب الفلسطيني.