إزدادت العلاقات العربية العربية سوءا مع مطلع عام 2011 بسبب التطورات، التي عصفت بالعديد من الدول بسبب الثورات العربية، التي أدت لتغيرات دراماتيكية في طبيعة النظم السياسية. وتموجت العلاقات بين الصعود والهبوط إرتباطا بما شهدته دول الربيع العربي: مصر، تونس، ليبيا، سوريا، اليمن والبحرين بالإضافة لعراق والسودان والصومال، التي عاشت تحولات إستراتيجية لإسباب موضوعية نتاج التدخل الغربي في شوؤنها الداخلية، وما أفرزته من أدوات محلية لتأجيج الصراع على اراضيها.
وإذا توقف المرء امام العلاقات المصرية السعودية حصريا، يلحظ انها عاشت لحظات مد وجزر، إنتعاش وركود. لكن السمة العامة إتسمت بالايجابية خلال عهدي الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وخادم الحرمين الشريفين، سلمان بن عبد العزيز، رغم التغير الواضح في سياسات الملكين تجاه العديد من القضايا العربية والاقليمية، إلآ ان العلاقة الثنائية بين البلدين كانت إيجابية، لا بل شهدت في عهد الملك سلمان تطورا ملموسا وخاصة أثناء زيارته الأولى لمصر بعد توليه مقاليد الحكم في السعودية في إبريل الماضي من هذا العام، حيث تم التوقيع على 17 إتفاقية مشتركة بين البلدين، وكانت المملكة قدمت لمصر دعما ماليا بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 لتمكن القيادة المصرية من مواجهة التحديات، التي إنتصبت أمامها وخاصة في الميدان الاقتصادي، وما تركته من إنعكاس حاد على مكانة الجنيه المصري. إلآ ان شهر العسل السعودي المصري إنتكس، ودخل في مرحلة فتور وركود، نجم عنه تباعد في المواقف والسياسات.
ففي التاسع من إكتوبر الماضي بعد التصويت المصري في مجلس الامن لصالح مشروع القرار الروسي المتعلق بالتطورات في سوريا، إعتبرت السعودية بلسان سفيرها في الامم المتحدة عبدالله المعلمي، ان التصويت "مؤلم"، مع ان مصر صوتت في ذات الوقت لصالح مشروع القرار الفرنسي المدعوم من السعودية ودول الخليج حول ذات المسألة. بتعبير ادوق ووفق ما صرح به السفير المصري، عمرو عبد اللطيف آنذاك، أن ما يهم مصر هو وقف القصف في حلب، وملاحقة القوى الارهابية، وتأمين حياة السكان المدنيين العرب السوريين لكن العربية السعودية، المنخرطة مع العديد من دول الخليج العربي في الصراع الدائر على الاراضي السورية لصالح دعم قوى المعارضة الإسلاموية ضد النظام الرسمي، لم ترتاح للموقف المصري، وإعتبرته نوعا من التحدي لسياساتها العربية. مما حدا بها إلى سحب السفير السعودي من مصر لثلاثة ايام، ووقف إمداد مصر بالبترول، بالاضافة لوقف العمل بالاتفاقات الثنائية المشتركة. مما حدا بمصر ان تتجه لإيران من خلال إرسال وزير البترول، طارق الملا لإيجاد بديل عن النفط السعودي في مطلع نوفمبر الحالي.
وبالقراءة الواقعية لتطور العلاقات المصرية السعودية، لم يكن التصويت في إكتوبر الماضي سوى "الشعرة، التي قصمت ظهر البعير"، لان هناك مواقف متعارضة بين البلدين في العديد من الملفات العربية، منها: اولا الملف السوري؛ ثانيا الملف اليمني؛ ثالثا الموقف من روسيا الاتحادية وكذلك في العلاقة مع إيران. حيث لم ترَ القيادة المصرية ضرورة لإنخراط السعودية في حربها على اليمن، ورفضت أن تكون شريكا إلآ بالإسم في التحالف العربي، لكنها رفضت إرسال جندي واحد إلى اليمن. وفي المسألة السورية، تعرف قيادة المملكة تاريخيا حساسية الموقف المصري مما يجري في سوريا، لانها تعتبرها منذ قديم الزمان (محمد علي وإبراهيم باشا وحتى زمن الفراعنة) جزءا من الأمن القومي العربي عموما والمصري خصوصا، ولعل ما سرع بثورة الثلاثين من يونيو 2013، هو إعلان الرئيس المخلوع محمد مرسي الحرب على سوريا عبر دعمه للجماعات التكفيرية. ولمصر كدولة إقليمية أساسية سياستها الخاصة، ولا تقبل تحت أي إعتبار أن تكون تابعا للرؤية السعودية أو لغيرها من دول العالم، دون ان تتصادم بمواقف الدول الشقيقة وخاصة قيادة المملكة.
بالتأكيد مصالح الدول، هي التي تقرر طبيعة ومستوى العلاقات الثنائية، وحجم ومنسوب التعاون فيما بينها. لكن تخطأ اي دولة في فرض رؤاها على الدول الأخرى صغيرة او كبيرة. بالتالي على الدول المختلفة إن شاءت تفادي التوترات العمل على تعزيز المشترك فيما بينها، ووضع نقاط الخلاف للحوار على نار هادئة، وتدريجيا يمكن تعميق القواسم المشتركة في هذه المسألة او تلك. وعلى هذا الاساس، فإن الضرورة تملي على القيادتين العربيتين المصرية والسعودية اولا فتح الافق لتجسير العلاقات الثنائية؛ ثانيا إستيعاب كل منها لرؤى ومصالح الاخرى؛ ثالثا حماية العلاقات العربية العربية، لاسيما وان مصر والسعودية تحظيان موضوعيا بموقعين متميزين في الساحة العربية والاقليمية دون الإنتقاص من مركزية مصر، خاصة في الظروف المعقدة، التي تعيشها شعوب ودول الأمة العربية؛ رابعا تعزيز العلاقات الثنائية تصب في مصلحة البلدين وشعوب الامة العربية كلها. لذا لا مصلحة لتوسيع شقة الخلاف.