سورية مقبلة على الحسم

thumb
حجم الخط


في إطار التصريحات المتواترة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يبدو أن النزاع السوري في الطريق إلى الخاتمة، إذ إنه من المرجح أن يكون العام 2017 هو عام الحسم بالنسبة لهذا النزاع المستمر منذ أكثر من خمسة أعوام.
حديثاً، فاجأ ترامب نظراءه الغربيين بأن رؤيته مختلفة عن رؤيتهم في التعامل مع الملف السوري، وأنه بصدد تسوية هذا الملف نظراً للدمار الذي حلّ من وراء هذا النزاع، وقبل ذلك كان الرجل يؤكد في أكثر من محفل أنه مع أولوية القضاء على "داعش".
مرةً أخرى، يقول الرئيس الأميركي الجديد: إنه لا يلتفت كثيراً إلى موضوع النظام الحاكم في سورية، لكنه ألمح إلى أن ما يقوم به الرئيس بشار الأسد جيد في محاربة الإرهاب، وليس لديه مشكلة في التعاون مع روسيا من أجل تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية في سورية.
هذه الرؤية الترامبية مختلفة 360 درجة عن رؤية الإدارة الأميركية الحالية، حيث قدّم الرئيس باراك أوباما رؤية متشائمة للنزاع السوري، الذي قال: إنه لن يحل على المدى القصير وأن روسيا وإيران حليفتي النظام السوري، قوّتا هذا الأخير على حساب المعارضة المعتدلة.
حديث أوباما هذا يفسر ضبابية الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية حتى الآن، حيث ظلت واشنطن كل الوقت تتفرج على ما يجري في سورية، دون أن تبذل الجهد الحقيقي لتسوية الأزمة السورية، إلى درجة أن كثيراً من المحللين علقوا بأن الإدارة الأميركية لا تملك استراتيجية خاصة بسورية.
غير أن هؤلاء غير محقين، لأن الإدارة الأميركية تعلم تماماً ماذا تريد لسورية، وهي حين تغض الطرف عن هذا الملف، فإنها تستهدف إضعاف هذه الدولة مقابل ضمان تفوق إسرائيل، وكانت دوائر صناعة القرار الأميركي تدرك أن سورية إذا لم يأتها الشر فإنها ماضية في تعزيز موقعها العسكري والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
على هذا الأساس حرصت الولايات المتحدة على أهمية تحطيم سورية من الداخل، ثم سمحت بوجود تنظيمات متنوعة كنوع من الملهاة لإضعاف النظام السوري، فإن سقط النظام فخير فوز المعارضة المدعومة من واشنطن، وإن فاز النظام السوري في جولة النزاع فتكون سورية هي ضحية حرب طاحنة لا تعترف بالأخلاق ولا بالإنسان.
كل ما يجري الآن هو محاولة استثمار الوقت في ظل حالة عدم اليقين والفراغ الذي يصيب الولايات المتحدة الأميركية، حيث هناك إدارة أميركية حالية لا تفعل شيئاً للملف السوري، وتكتفي بتقديم تصورات تشاؤمية للوضع السوري، ورئيس أميركي جديد لا يهمه سوى محاربة الإرهاب في سورية.
المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا قدم اقتراحاً للحكومة السورية، يهدف إلى تشكيل إدارة ذاتية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة شرق حلب، ويبدو أن هذا الاقتراح يشكل محاولة أخيرة لإنقاذ المعارضة في حلب.
موقف الحكومة السورية كان حاسماً في هذا الموضوع، حيث رفضته جملةً وتفصيلاً، كونها ترى في حصوله هدية لمن تسميهم الإرهابيين، أضف إلى ذلك إنها ترى في معركة حلب مجرد مسألة وقت وفي طريقها إلى الحسم.
ويبدو أن المعارضة المعتدلة نفضت يدها من السياسة الأميركية سواء من أوباما أو حتى من ترامب الذي ألمح إلى وقف دعمها، وبالتالي فإن ذلك إن حصل على المدى الذي سيستلم فيه ترامب الحكم، فإن المعارضة ستكون في وضع صعب يهدد وجودها.
ومعلوم من أين تحصل المعارضة على الدعم الذي يسندها، ذلك أن هناك أطرافاً إقليمية ما تزال تقدم هذا الدعم الذي إن توقف فحينها ستكون سورية على موعد سريع مع الحسم، ولذلك من الطبيعي أن تحافظ المعارضة في حلب على صمودها ضد القوات الحكومية السورية.
هذا الصمود في المعركة إذا استمر، فإنه سيؤمن للمعارضة دوراً فاعلاً في إطار مرحلة الانتقال السياسي، أما إذا تراجع دورها العسكري فإن ذلك سينعكس بالتأكيد على نشاطها السياسي، وعلى وجودها في مستقبل خريطة طريق الدولة السورية الجديدة.
في ضوء كل ذلك، ومع الدعم السخي والقوي من قبل روسيا وإيران للنظام السوري، ومع تماهي الموقف الأميركي إزاء مستقبل الرئيس الأسد، من غير المستبعد أن نقبل على مرحلة لا تضع بالحسبان قصة مصير الرئيس السوري.
الوقائع تشير إلى الذهاب نحو هذا الاتجاه، إما الوصول إلى تسوية مرضية للأزمة السورية، يكون فيها دور للمعارضة المعتدلة، وهو دور تشاركي محاصصي، أو أنه لا أحد يتدخل لفرض مسار سياسي تفاوضي، وبالتالي يترك الأمر للفعل العسكري.
أوباما لم يكن يهمه من الأساس الموضوع السوري، وكان الهدف فقط خلط الأوراق وإتاحة الفرصة لإدامة الفوضى الخلاّقة، وترامب لا يفكر في سورية بقدر ما يفكر في الحال الداخلي لبلاده، وهذا الموقف ستستغله روسيا وحلفاؤها من أجل التعجيل في إنهاء الأزمة السورية.
الروس في حال حققوا اختراقاً إيجابياً في الملف السوري وهذا ليس بعيداً عن الحدوث، فإنهم بذلك سيقدمون أنفسهم على أنهم القوة التي عادت إلى هيبتها، كما سيتصرفون على أساس أن النظام الدولي الجديد يشكل ولادة مقدرة للاعبين كبار يسعون للتنافس والحصول على موقع في الدرجة الأولى من سلم النظام الدولي.
إذن على الأغلب أن نستقبل العام الجديد 2017 بقرب انتهاء الأزمة السورية، لكن هذا البلد لن يعود إلى سابق عهده ويندمل جرحه إلا بعد عشرات السنين، فالمنتصر هنا ليس النظام السوري ولا المعارضة، إنما المنتصر هنا هم اللاعبون الكبار، وبالتحديد روسيا التي ستقبض عاجلاً أم آجلاً هذا الثمن.
بعد هذه الحرب الطاحنة، ستنكفئ سورية على نفسها تلملم جراحها، وتدفع فواتير الاستدانة بأثر رجعي لحلفائها الذين دعموها، فكما يقول المثل: "ما في شيء ببلاش غير العمى والطراش"، ولن يكون بوسعها النهوض كما كانت قبل هذا النزاع.
إن ما ذبح سورية هو التآمر والتكالب الدولي عليها، وإن كان العالم يريد أن يصحح سلوكه الشاذ إزاء ما يحصل هناك، فالأولى له أن يتدخل حتى وإن كان في الوقت الضائع، من أجل فرض معادلة سياسية تصب في مصلحة الشعب السوري. نعم هو يستطيع فعل ذلك، لكنه يترك الأمر للسوق، و"من يحضر السوق يتسوق"