الوقت الملائم للتعاطي مع ترامب

دونالد-ترامب1
حجم الخط

كثيراً ما كان يتم الربط والمقارنة بين دونالد ترامب وبين بعض الزعماء. فعلى سبيل المثال كتبت مجلدات عن التقارب المفترض، والصلة بين ترامب وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كما جرى تشبيه ترامب أيضاً بالرئيس العراقي السابق، صدام حسين، والرئيس الكيني أوهورو كنياتا، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وجميعهم زعماء سلطويون بدرجات مختلفة.
ورأيي دائماً أن عقد المقارنات بين الشخصيات العالمية عمل لا يستحق الجهد الذي يبذل من أجله، وأننا إذا ما حاولنا العثور على أوجه تشابه بين الشخصيات التي تتم بينها المقارنة، يمكن بسهولة العثور عليها، ولكن الخلاصة النهائية التي سنخرج بها من تلك المقارنات هي أنه ليس هناك شيء يمكننا أن نطلق عليه «النموذج الشامل للشخصية السلطوية».
فما يحدث هو أن أشخاصاً مختلفين جداً، ينجحون في الوصول إلى سدة الحكم في بلادهم، بسبب الطلب الشعبي على الشخصية ذات اليد القوية، والسعي للتغيير الجذري، أو الاثنين معاً. أما الطريقة التي يتصرف بها مثل هؤلاء الأشخاص بمجرد الوصول إلى القمة، فهي ليست محددة سلفاً، وبالتالي لا يمكن معرفتها مسبقاً.
وباعتباري روسياً، راقبت صعود بوتين عن قرب وباهتمام شديد، وأعتقد أن دوره كان يمكن أن يكون مختلفاً عما انتهى إليه، لو كان قد تم التعامل معه بشكل مختلف سواء من الشعب الروسي، أو من قبل القادة الأجانب الذين واجههم.
فشأنه شأن ترامب صعد بوتين إلى قمة السلطة، على نحو غير متوقع حيث وقع اختيار سلفه في الحكم، الرئيس العليل بوريس يلتسين عليه، بشكل مفاجئ نوعاً ما، وقبل أن يستقيل يلتسين من منصبه بوقت غير طويل.
وقد احتاج بوتين إلى الجزء الأكبر من فترة ولايته الأولى، قبل أن يتمكن من تحديد اتجاهه، وفي غضون ذلك تأثر كثيرا بالشبكات التي كانت تقدم له الدعم.
فقد أقنعته مجموعة من الاقتصاديين الليبراليين، الذين رأوا في وصوله فرصة للإصلاح، بالبدء في إجراء إصلاح ضريبي تحرري مع فرض معدل ضريبي ثابت. كما أقنعته مجموعة من ضباط «الكي جي بي» -مثله هو شخصياً- بأن المشروعات الكبيرة، تحتاج إلى المزيد من سيطرة الدولة، كما بادرت مجموعة ثالثة من الأيديولوجيين الإمبرياليين، الذين كانوا هاجعين تحت حكم يلتسين، وأصبحوا مع صعود بوتين آملين في الإصلاح على نحو مفاجئ، بالترويج لفرض المزيد من الضوابط المركزية، وتقليل درجة السيادة التي تتمتع بها المناطق الروسية لخنق أي ميول انفصالية.
وأتذكر أن بوتين في بداية عهده كان حريصاً على الاستماع. وهو كان يفعل ذلك لأنه كان يبحث عن أفكار، وسياسات يستطيع التمسك بها، وإلى أناس يستطيع الوثوق بهم. وبمرور السنوات أدرك بوتين شيئين: أن الغرب والولايات المتحدة، على حد سواء، كانوا على استعداد لأخذ أموال روسيا ولكنهم لم يكونوا مهتمين بشكل خاص بجعلها عضواً حقيقياً في النادي الغربي. وفي حين أن معظم الروس كانوا مهتمين برفاههم أكثر من اهتمامهم بالحريات، إلا أن طبقة النخبة الثقافية «الإنتيليجنسيا» الرسمية في روسيا كانت تنزع دائماً لكراهيته، باعتباره عضواً سابقاً في «الكي جي بي»، بصرف النظر عن إنجازاته. ولكن بوتين من جانبه، متشجعاً بنمو قدراته في مجال الحكم، بدأ في التصرف بثقة، مستفيداً في ذلك من الدروس التي تعلمها، والحقائق التي توصل إليها، وهو ما صدم العالم.
وطريق الرئيس التركي أردوغان كان مشابهاً أيضاً إلى حد ما. وأنا أشك أنه قد خطط لتأسيس نظام أتوقراطي عندما جاء للحكم في تركيا للمرة الأولى. لأن مثل هذا الشيء كان يبدو مستحيلاً في ذلك الوقت، نظراً للدور التاريخي للجيش التركي كضامن للديمقراطية. ولكن أردوغان انتهي به المطاف إلى تعلم أنه يمكن أن ينجو بالمزيد من السلطوية -وخصوصاً أن الغرب لم يقدم له من الحوافز، ما يدعوه لعدم التفكير في ذلك.
وشأنه شأن بوتين، وجد أردوغان، أنه من السهل عليه أن يجد أعداءً في الغرب، بل ووسط مثقفي بلاده، لأنه مهما فعل، فلن يعطوه مهلة لالتقاط الأنفاس، لأنه لم يكن علمانياً مثلهم.
وترامب اليوم أيضاً في مرحلة التطلع والاستماع. ومن الواضح أن اجتماعاته مع الرئيس أوباما قد غيرت وجهة نظره بشأن التخلي عن برنامج «أوباما كير».
كما يقال أيضاً إنه سيتراجع عن بعض وعوده، التي قدمها أثناء الحملة، وهو شيء جيد في حد ذاته. ومن الواضح أيضاً أنه يستمع إلى الناس، كما أنه لا يقصر دائرة هؤلاء الناس على المجموعة الضيقة نسبياً، التي كانت تحيط به أثناء حملته الانتخابية. والكثير مما سيفعله ترامب كرئيس، يعتمد على ما يسمعه الآن، كما سيعتمد على الخطوات الأولية التي سيقوم باتخاذها.
والآن هو الوقت الملائم للتعاطي مع رئيس لم يختر بعد ما يريد، أو لم يفكر في التفاصيل الدقيقة لما يريد أن يفعله. وتوجيه الركلات والإهانات، إليه كرد فعله على مفردات خطبه أثناء الحملة، سيدفعه على الأرجح إلى الطريق الأكثر خطوراً وتدميراً. ولذلك فمن المهم بالنسبة للمجتمع الأميركي، والمجتمع الدولي، العمل في وقت واحد على خلق حوافز لترامب، كي يتعلم ويصبح أكثر حكمة، بدلًا من تركه يموج بالغضب، ويصبح بالتالي أكثر مرارة.