ألحّتْ زميلتها الصاخبة في العمل على أنْ تأخذها معها إلى عالم البالغين، فهي تجنّ من حيائها، ولا تحب رؤية وجنتيها بلون أحمر، وتعتقد بأنه آن الأوان للإفلات منها على قارعة الطريق كثيابٍ بالية، وكل مثابراتها لإقناعها بأن هذا ردّ فعل عادي إلا أنها كانت تستهجن بحدة، وتتبرأ من كل البراهين العلمية التي تجزم ذلك. فكل ما يهمّها كيف أنها لم تجرّب التّدخين ولو لمرة، ولمْ تستطعم طعم البوسة المبتدئة.
فزميلتها كانت ترغب منها أن تمتازَ ببعض الشجاعة، وتتدرب كيف تفتنُ الشابّ بدخانِ نرجيلة مثلا. كانتْ تتوسّل منها أنْ تروح وتبتاع علبةَ معسّلٍ لكيْ تدّخن نفس نرجيلة في البيتِ، وقبلها خلّتها تذوقُ دخان نرجيلة بطعمِ النعناع، ولأنها ترغبُ النعناع، راق لها، والغريب لم تنتابها نوبة الضيق التنفسي القاتل كما يحصل عندما تكون جالسة في مكان فيه مدخنو النرجيلة. اتفقتا على أن يكون بعد أسبوع بداية حياة أخرى مختلفة، وستذهب معها إلى سهرةٍ لأحدى الصديقات في فيللتها، تركتها وراحتْ بعد أن انتقت لها تنورةً عادية، وهي تبتسم بمكر وأوعزت أنْ تلبسها كما هي، ولا تبشعها بكلسات تحتها. وهي تلبسُ التنورةً تذكرت إيعاز زميلتها، بأن تلبسها كما هي، راقت لها، إذا كانت ستعصي فليكن عصيانا شجاعا.
قالت لنفسها لا بد لي أولا أن اتخلّص من الحياء، الخروج والسير في الشارع بهذه التنورة لوحدي، وانتظار سيارة أجرة، أو أية سيارة خاصة التي عادة ما يتوقف سائقو السيارات لأخذ أيّ زبون بهدف الاسترزاق.
وصلتْ في الموعد، وولجتْ إلى الحفلة مستترةً، تتجنّبُ جنون الإضاءة، تفتش عن زميلتها، ما أن شاهدتها حتى مسكتْ بها كفتاة غريقة، فتحت فمَها وهي تعربُ عن استهوائها بما عملته. قامت وقدّمتها للجالسين، وعرفتها على صديقتها صاحبة الفيللا، جرّبتْ الاتحاد معهم بمشقّةٍ، شيء ما عجيب ثقيل على ذاتها، الحال ليس سارّا، ولا يستوجب المخاطرة. قامَ شابٌّ وسيم وقدّم لها عصيراً، ظنّته مشروبا كحوليا، لكنها لقيته عصيرَ رمانٍ بطعم غريب، أوشكتْ أن تقذفه في سحنته، لا يحتمل الموقف مفاجآت، تصوّر أنك تهيئ فمك لتستطعم عصير رمان، تلقى نفسك تعبّ كأسَ عصيرٍ غريب المذاق، علمتْ بعدة برهة بأنه مشروب كحولي، بمعنى آخر عصير رمان ممزوج بمشروب الروم. انبهر من امتعاضها، وأخبرها أنه لم يروق له عصير الرمان، عرض أن يأتي لها بكوكتيل آخر، عندما تذوقتْ استطعمتْ به بعض المرارة، وأحسّتْ بالضيق من أن يكون به نبيذ، فسّر لها أنه عصير رمان ممزوج بمشروب كحولي خفيف، لكنه كان يكذبُ، لأنّ طعمه كان حادا.
كان شابّاً ودودا، بقي معها حتى انتهاء السهرة، كانتْ تتهاون عن جسّه لساقها من حينٍ لآخر، في البداية كانتْ تحسّ بانقباضٍ، حاولتْ معارضة معارضتها للتغيير، حتى في المراقصة، بدا لها غامضا وكأنها لم تراقص البتة، لكن بالفعل لم تراقص شابّا من قبل. بدأ الضيوف في الذّهاب، وقد بدأتْ تتعوّد على المكان والشاب، الذي ترك المدعوين، وكانت مهمته الملحّة، لاحظ هو رغبتها في عدم الذهاب، فعرض عليها المكوث، وسيقوم هو بإيصالها للبيت. رنتْ إلي زميلتها بابتسامة مبهمة، ونطقتْ يروق لي بأنك تتعلمين بسرعة، لم تعِ، سألتها عن غايتها، تابعتْ دربَها بعدما رشقتها بابتسامة. تفرّقَ الحشد، سألته لماذا لا نذهبُ وقد فرغ المكان، فقد كانت علته أن ليس من المناسب أن يترك صاحبة الحفل لوحدها في فيللتها وبها نزلاء، لكنْ حينما سيغادر الجميع سنغادر بعدما نساعدها في ترتيب الفيللا، مع أنه لو غاب لوقتٍ طويل لن ينتبه أحد من المدعوين، فالكل منشغل مع الكل في حفلة بدت صاخبة بعض الشيء.
قعد بجانبها وسألها عن سبب التّعجل المجنون، ناولها كأساً أخر من عصير الرمان أو الكوكتيل كما علمتْ يطلق عليه، وعلمتْ فيما بعد أنه ممزوج بمشروبِ الرّوم، أمسكَ بإصبعها، رفعه لوجهه، دنا أكثر، راح يحسس على شعرها، وهي ترتعدُ من لمسة أصابعه. سألها بصوت عادي أأنتِ خائفة، خفقات قلبها كانت تتسارع، كانتْ خاضعة بسكون، لا بصمتٍ، سألها لماذا أنتِ ضجرة هكذا، وضع بوسة خجولة على خدّها، لم تتزحزح، خطا ورنا لمقلتيها الدامعتين، سألها عن رغبتها فيه، لم تعلم بما تردُّ، بدا مضطربا وقال ناتاشا أنتِ أتيت هنا لماذا؟ وقعدتِ تنتظرين الناس جميعهم يذهبون حتى ظللنا لوحدنا، لماذا طلب أن نذهب لكي يوصلها إلى بيتها، لكن طوال الطريق حلّ عليهما الصمت.
قبل أن تخرج من سيارة الفيراري أمسك بزندها، ثم مسّ بلينٍ على خدّها ليجعلها ترنو إلى عينيه الساحرتيْن، وهمس أنتِ أكثر فتاة باردة رأيتها طيلة عمري، وأكثر واحدة رفقتها ضجرة في السهرات، بدّدتِ لي وقتي هكذا، لولا أنني مرتعبٌ من زميلتكِ التي أتيتْ بكِ كنتُ تركتكِ على رصيف الطريق السريع، ولم أرهق نفسي في أخذكِ حتى البيت، توهّج محياها بابتسامة حقيقية لأول مرة في هذه الليلة، شعرتْ بفرحٍ غريب، كأنها تطهرت وتعبّدتُ لإبعاد كربٍ ثقيل، كم تكون الخيبة مفرحة أحيانا، اُصيب هو بحالة من الجنون، أمسك بيدها بشدة، حتى الوجع لم تحسّ به، ظلتْ ممتلكةً بابتسامتها، وهو يصرخ فيها أنتِ مجنونة، نطقتْ له: بل أنا خائبة، وفرحة بهذه الخيبة، لن أنسى أنكَ أول من وجد هذه السمة العادية عندي.
كان انجذابها صوبه يردعها من الخروج من سيارة الفيراري قبل أن توضّح له ما جرى، أخبرَته أنه سيلقى الردّ عندما يعلمُ الاختلاف بين كوكتيل الرّمان وكوكتيل اليزابيث باثوري كونتيسة الدّم.