انتظرنا خطاب الرئيس محمود عباس لمدة يومين لعلنا نجد أي جديد يمكن الكتابة عنه، وخاصة الوعد الذي بشرنا به قبل أيام، بأنه سيكشف عن اسم من دس السم للرئيس الراحل ياسر عرفات، ولكن الخطاب الذي تأجل لمدة يوم، واستغرق القاؤه ما يقرب من الساعتين، لم يتطرق الى هذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد، وهذا ليس غريبا على الرئيس الفلسطيني، فقد اكد اكثر من مرة طوال السنوات الماضية، انه يريد الاعتزال، وتسليم المسؤولية الى من هو اكثر منه شبابا، وتوعد بحل السلطة، وتسليم المفاتيح الى نتنياهو، ووقف التنسيق الأمني، واستصدر قرارات عن المجلس المركزي والمجلس الوطني بحضور المقربين منه، في هذا الخصوص.
واكد في خطاباته في الأمم المتحدة وغيرها بأنه سيلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين امام المحاكم الجنائية الدولية، ولم يصدق في أي من هذه الوعود، ولم ينفذ أي منها، ومن يقول غير ذلك فليقدم لنا الدليل.
***
فوجئنا بالتصفيق الحاد للسيد “الرئيس″ عندما دخل قاعة المؤتمر، وفوجئنا بالتصفيق وقوفا واكثر حدة، واطول زمنا، عندما جرى اعلان عن انتخابه بالإجماع لرئاسة حركة فتح بدون انتخابات، وبدون منافسين، وفوجئنا يتصفيق اكثر حدة اثناء القائه لخطابه الذي جاء اكثر طولا من صبر أيوب، وبهذا التصفيق الاجماعي غير المسبوق سيستمر السيد عباس في الاحتفاظ بجميع مناصبه القيادية الخمسة: رئاسة فتح، رئاسة السلطة، رئاسة اللجنة التنفيذية، رئاسة الدولة الفلسطينية، القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية، ونعتذر مسبقا اذا كنا قد نسينا مناصب أخرى في هذه العجالة.
الرئيس عباس عقد اجتماعا بمن حضر للمجلسين الوطني والمركزي لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، لفصل حليفه التاريخي ياسر عبد ربه من منصبه كأمين للجنة لمنظمة التحرير، وها هو يعقد مؤتمرا لحركة فتح خصيصا لـ”تشريع″ فصل حليفه وشريك مؤامراته الأبرز ضد المرحوم عرفات، النائب محمد دحلان، وكل المتجنحين، والمتواطئين معه داخل الحركة.
تابعت بعض جلسات اليومين الأول والثاني من المؤتمر الفتحاوي، مكرها، لعلي اجد ما يمكن ان اكتبه، ولكنه حبل صبري انقطع مبكرا، خطابات طويلة انشائية مملة، وقاعة مليئة بأعضاء معظمهم تجاوز الستين، ونسبة ضئيلة من الشباب فقط، الوجوه نفسها الجالسة على المقاعد الامامية، لم يتغير الا قليل القليل، رغم بلوغ الحركة عامها الستين.
التنسيق الأمني اعظم “إنجازات” السلطة واتفاق أوسلو سيستمر، والنضال في الامم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة بعد المنقوصة في مجلس امنها سيستمر أيضا، ومعظم أعضاء القيادة سيحتفظون بمناصبهم في اللجنة المركزية وغيرها، باستثناء بعض الذين قالوا “لا” للرئيس على استحياء، او الذين التقوا بالنائب دحلان من خلف ستار، او تحدثوا عن الانباء باختصار شديد “دار ابو سفيان على حالها”، ومن دخلها فهو آمن، وفوق ذلك الرواتب والمخصصات والمكافآت المجزية والمناصب والسفارات.
***
الشعب الفلسطيني الذي قبل بهذا الهوان عليه ان يهيئ نفسه لبقاء الرئيس الذي تجاوز الواحد والثمانين من عمره لخمس او عشر سنوات أخرى، وحتى يظهر “دحلان آخر” لكي يعقد مؤتمرا جديدا لفتح لتشريع فصله، فالرئيس مخلد، ويزداد شبابا، وصحته في الذروة، ولا مكان للحساد.
هل نبالغ اذا قلنا انه سيكون المؤتمر الأخير لحركة “فتح” في صورتها الحالية، وقبل تشرذمها؟ هذه الحركة التي اطلقت الرصاصة الأولى، وقدمت آلاف الشهداء للحفاظ على الإرث النضالي، والكينونة والهوية الفلسطينية؟
الرئيس عباس سيخرج منتشيا من عواصف التصفيق، واطراء الاتباع ومعلقات مدحهم، ولكن المشكلة الأكبر بالنسبة اليه، والشعب الفلسطيني، ستكون بعد انفضاض السامر، او اليوم التالي للمؤتمر، عندما تعود المياه الا مجاريها السابقة، واستمرار الأوضاع الآسنة الحالية دون أي تغيير، وتضاعف الضغوط من الخصوم المدعومين من قوى إقليمية عظمى.
الرئيس عباس غير ملام لأنه وجد حركة تقبل بهذا الوضع، ووجد شعبا فلسطينيا يستمرئ الهوان والاذلال، ونبارك مقدما للرئيس بهذه الإنجازات الكبيرة وهذا النجاح غير المسبوق للمؤتمر السابع.