نتنياهو في انتظار تقرير "ملغوم" حول عملية "الجرف الصامد"

20160312080712
حجم الخط

شهدت الأسابيع السابقة حراكاً خاصاً، بين اندلاع قضية الغواصات وبين أضرار الحرائق، وابتعد عن برنامج العمل اليومي تطور كان سيحظى في ظروف أخرى باهتمام أكبر.
المسودة النهائية تقريباً لمراقب الدولة عن عملية "الجرف الصامد"، التي أعطيت للمسؤولين الرفيعين الذين كانوا على صلة بهذه العملية، يوجد فيها بعض التغييرات المهمة في وصف الحرب على قطاع غزة صيف 2014، والاستنتاجات التي نبعت منها، وعندما سينشر التقرير النهائي في نهاية الشهر، سيتبين أنه يوجد فيه الكثير من المواد المتفجرة، وليس صدفة أن خصص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، جزءاً كبيراً من جولة الإرشاد المطولة للصحافيين في الصيف الأخير للخلافات مع مراقب الدولة، يوسف شبيرا، ومحاولة ضعضعة مكانة مكتب المراقب.
معاينة المسودة الأخيرة – طُلب ممن تم انتقادهم إرسال ردودهم حتى يوم الإثنين الماضي – تكشف عن أن محاولة نتنياهو لم تنجح. لقد عاد المراقب وتبنى بشكل حاسم موقف الوزير نفتالي بينيت في الجدل بينه وبين نتنياهو وبين وزير الدفاع السابق موشيه يعلون.
شبيرا ورئيس قسم الأمن في مكتبه، العقيد المتقاعد يوسي باينهورن، يقولان: إن الكابينت عرف بشكل متأخر وجزئي عن تهديد الأنفاق في غزة. وإضافة إلى ذلك، إذا كانت شخصية نتنياهو قد حلقت في المسودة السابقة فوق النص كالحاضر – الغائب، لأن مسؤوليته لم تُذكر، فقد تغيرت اللهجة في هذه المرة، فنتنياهو ويعلون يتعرضان إلى انتقاد شديد. ويشير المراقب أيضا بشكل استثنائي إلى ثلاث ملاحظات شخصية حول أداء رئيس الحكومة.
المغزى السياسي لهذه الملاحظات، على فرض أنها لم تشطب من التقرير النهائي، ما زال من المبكر تحديده. نتنياهو، بعد فضيحة الغواصات وفي ظل أزمة عمونة وقانون التسوية، يبدو كأنه يشق طريقه بأمان في حقل الألغام السياسي. التكتيك الثابت الذي تبناه، مؤخراً، حيث الهجمات الشخصية على منتقديه، خصوصاً الصحافيين، يخدمه في زرع الشك في أوساط الجمهور الواسع. يمكن أن هذه الطريقة ستستخدم أيضاً عند نشر التقرير النهائي، لا سيما أن الوقت الطويل الذي مر منذ الحرب يكفي للتغطية على مشاعر خيبة الأمل التي أثارتها النتائج لدى الجمهور.
ينتقد شبيرا نتنياهو بشكل شخصي في ثلاث قضايا: غياب فحص البدائل السياسية قبل الانزلاق إلى الحرب ضد "حماس"، وعدم إشراك الكابينت في أخطار تهديد الأنفاق وعدم الرقابة على الجيش، الذي لم يعد خططاً هجومية حقيقية لعلاج الأنفاق، وفي المجال السياسي يقول المراقب: إن رفض البدائل وعدم طرحها في الكابينت منع مناقشتها. وناقض الكابينت لأول مرة الأهداف الاستراتيجية في قطاع غزة فقط في 23 آذار 2014، أي قبل الحرب بثلاثة أشهر، وعندها ايضاً تركز النقاش في مستوى قوة النشاط العسكري المستقبلي ضد "حماس"، وليس في خطوات أخرى.
ينضم شبيرا إلى الانتقاد الذي سُمع فيما بعد، والذي قال: إن التسهيلات في الحصار وإلغاء معارضة نقل الرواتب من قطر لموظفي "حماس" في القطاع (المعارضة التي قادها أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية في حينه)، كان من شأنها المساعدة في تأخير الحرب أو منعها، ويتبين أيضاً أن خطط الجيش الاستراتيجية حول غزة تم عرضها على الكابينت قبل أن يحدد الأهداف الاستراتيجية، ويشير المراقب لنتنياهو أن هذه إجراءات غير سليمة، ويضيف: إن الجيش الإسرائيلي - هذه ليست المرة الأولى - اضطر إلى أن يصوغ لنفسه الأهداف؛ لأن المستوى السياسي امتنع عن فعل ذلك.
صحيح أن نتنياهو اهتم بشكل كبير بتهديد الأنفاق منذ العام 2012، لكن ذلك تم في العادة في دوائر صغيرة ومغلقة مع القيادة الأمنية. وفي الوقت الحالي، بعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة، لم يتم إطلاع أعضاء الكابينت على خطر التهديد، باستثناء أقوال عامة لم تعكس حقيقة الوضع، ويقول المراقب: إن التهديد تم عرضه بشكل مفصل أكثر أمام الكابينت في 30 حزيران، عندما تم العثور على جثث الفتيان الثلاثة في غوش عصيون، وكان ذلك بمبادرة من بينيت، كما زعم بينيت منذ الحرب.
في هجومه على المراقب في الصيف الأخير، أكثر نتنياهو من اقتباس أقواله هو نفسه عن الأنفاق قبل الحرب، ولكن المراقب قال: إن هذه كانت أقوال عابرة أثناء نقاش مواضيع أخرى ولم تتطرق إلى أساس تهديد الأنفاق وتفاصيله، وفي أحد النقاشات تحدث الجيش الإسرائيلي عن تهديد الصواريخ من غزة على أنه تهديد أكبر من تهديد الأنفاق، وفي العادة، لم يكن المتحدثون يميزون – ومنهم نتنياهو – بين الأنفاق الهجومية التي قد تستخدم لتنفيذ عملية كبيرة وبين الأنفاق الدفاعية التي تقوم "حماس" بحفرها داخل القطاع.
ليس نتنياهو وحده الذي يتعرض للانتقاد في هذا الأمر، فهناك قائمة طويلة من المسؤولين في تلك الفترة – يعلون، بني غانتس رئيس الأركان في حينه، رئيس "الشاباك" يورام كوهين، رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال أفيف كوخافي، رئيس قسم التحقيق والبحث الجنرال إيتي بارون، ومستشار الأمن القومي (الذي هو رئيس "الموساد" الحالي) يوسي كوهين، ففي 16 كانون الأول 2013، في النقاش الذي عرضت فيه الخطط العملية قال غانتس: إنه "يحتمل وجود أنفاق هجومية واقتحامات في خط الاحتكاك"، وإن تهديد الأنفاق، كما قال المراقب، لم يتم طرحه أكثر من ذلك أثناء النقاش.
ذكر نتنياهو في الكابينت في 9 كانون الثاني 2014 "أكثر من عشرين نفقاً"، لكن المراقب قال: إنه لم تتم الإشارة إلى أنها أنفاق هجومية، وبعد شهرين، في 13 آذار من السنة ذاتها، تحدث يوسي كوهين عن إمكانية "خروج كتيبة لـ"حماس" من تحت الكيبوتس"، وفي 1 آب، بعد بروز التهديد بشكل أكبر، عرض يورام كوهين لأول مرة التفاصيل على الكابينت، وحسب المراقب، فإنه لم يطلب أي وزير باستثناء بينيت، التوسع أكثر في النقاش، ولم يطلب أي أحد عرض خطط تنفيذية لعلاج التهديد، وهذا الأمر حدث عندما كان الجيش الإسرائيلي يستعد لإحباط عملية اختطاف عن طريق نفق في كرم أبو سالم. وخططت إسرائيل لرد شديد في غزة على عملية الاختطاف وقتل الفتيان في الضفة الغربية.
يتداخل هذا الموضوع مع الملاحظة الثالثة التي هي الأهم، التي يتعرض لها نتنياهو شخصياً بسبب مسؤوليته: عدم الرقابة على الجيش الذي لم يجد الرد على تهديد الأنفاق في الوقت المناسب، ويشير المراقب إلى أن النخبة السياسية والأمنية عرفت في العام 2013 خطر التهديد، لذلك كان من المفروض أن تتأكد من أن للجيش خطة تنفيذية لعلاج الأنفاق قبل الحرب، وفي الأسبوع الذي سبق الحرب في غزة، وحينما وضع الجيش خطة القصف الجوي للأنفاق أمام الكابينت، لم يوضح يعلون والضباط للوزراء ماذا ستكون النتائج.
كان الجيش الإسرائيلي يعرف أن خطوة من الجو قد لا تكون ناجعة، وأن إلحاق الضرر الجزئي سيزيد من صعوبة علاج الأنفاق على الأرض. الوزراء لم يعرفوا ذلك، وحسب شبيرا، فإن أغلبيتهم لم يهتموا بشكل خاص.
بكلمات أخرى، الخطط العسكرية للأنفاق – أولاً من الجو، وبعد ذلك على الأرض بشكل محدود – لم تكن مناسبة لعلاج الخطر. ولا يذكر شبيرا وباينهورن النتيجة بشكل مباشر: موت عشرات الجنود في معركة بطيئة ومترددة ضد الأنفاق، حيث كان يمكن فعل ذلك بنجاعة أكبر مع مصابين أقل.
مسودة تقرير الأنفاق توضح لماذا اهتم نتنياهو بالهجوم على مصداقية المراقب – للوهلة الأولى بسبب تقرير مصيبة الكرمل – في المؤتمرات الصحافية التي أجراها في أعقاب الحرائق الأخيرة. ويتوقع أن يقوم رئيس الحكومة بإدارة معركة كبح أخرى في محاولة لمنع نشر أجزاء من التقرير النهائي عن الحرب بذريعة أمن المعلومات.

بلبلة استراتيجية
تسرح الجنرال المتقاعد، يوسي بيداتس، هذه السنة، من الجيش بعد خدمة طويلة في قسم الاستخبارات (في وظيفته الأخيرة كان قائد الكلية العسكرية). وقد نَشر، هذا الأسبوع، مقالاً في موقع معهد بروكنغز في واشنطن وتطرق فيه إلى الاستعدادات لدخول ترامب إلى البيت الأبيض. بيداتس، الذي تم تعيينه في منصب رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية قبل حرب لبنان الثانية بوقت قصير، تحدث عن الحالة الاسرائيلية: قيادة لا تجربة لها اضطرت إلى مواجهة "حزب الله" في العام 2006.
وحسب قوله، وبنظرة إلى الوراء، فإن أحد التفسيرات المهمة للأداء الإسرائيلي المخيب للآمال على المستوى الاستراتيجي والتنفيذي في الحرب، كان غياب الجهاز المنهجي السابق الذي يُمكّن القيادة الاسرائيلية الجديدة من معرفة الواقع المركب. "الكمين المفاجئ لحزب الله (اختطاف جنديي احتياط عند نشوب الحرب) كشف عن عدم الجاهزية الاستراتيجية لدى القيادة"، كتب، وأضاف: "إمكانية وجود كمين تمت مناقشتها على جميع المستويات، لكن التركيز كان على المنع التكتيكي والعقاب. والاستراتيجية الواضحة لم تكن موجودة... الشخصيتان الرفيعتان (أيهود أولمرت وعمير بيرتس) كانتا جديدتان وبلا تجربة. المسؤولون في الجيش جاؤوا وهم يتبنون مواقف عميقة لم يقوموا بتوضيحها. وفقط أثناء الحرب تبينت الفوارق التي كان من المفروض توضيحها مسبقاً. وعندما قصفت المدافع لم يكن ممكناً تطوير عملية معرفة تؤدي إلى فحص جميع الخيارات".
لا يتطرق بيداتس في مقاله إلى نتائج المعركة الأخيرة في غزة، التي خدم خلالها في هيئة الأركان. في العام 2014 كانت القيادة الأمنية – نتنياهو، يعلون وغانتس – أكثر تمرساً وخبرة من تلك التي كانت في العام 2006. ورغم ذلك فإن البلبلة الاستراتيجية بقيت على حالها. والنتائج أيضاً لم تكن مُرضية، ليس فقط في أوساط الجمهور، بل أيضاً في أوساط القيادة التي هي على استعداد الآن للنظر مباشرة إلى الواقع، مثلما حدث قبل سنتين ونصف على الأقل.

ذهاب المستشار الأبدي
الجنرال المتقاعد، عاموس جلعاد، أحد أقوى الأشخاص وأكثرهم تأثيراً في الجهاز الأمني، أعلن، الأسبوع الماضي، نيته إنهاء عمله في شباط القادم. وجلعاد هو رئيس القسم الأمني والسياسي في وزارة الدفاع، وهو في هذا المنصب منذ 13 سنة. وأثناء هذه الفترة خدم تحت إمرة خمسة وزراء دفاع هم شاؤول موفاز وعمير بيرتس وأيهود باراك وموشيه يعلون وأفيغدور ليبرمان مؤخراً، وقد عمل من وراء الكواليس في جميع التطورات الدراماتيكية في المنطقة، وقام بعدد كبير من الزيارات السرية التي تعززت خلالها العلاقة بين إسرائيل وبعض جيرانها.
جلعاد، الذي يوجد في مركز جهاز اتخاذ القرارات منذ أكثر من ثلاثين سنة، منذ كان ضابطاً في المستوى المتوسط في قسم الاستخبارات، لم يكن دائماً راضياً عن علاقته مع وزراء الدفاع، وعمير بيرتس لم يهتم بنصائحه أثناء حرب لبنان الثانية، وعندما عاد باراك إلى وزارة الدفاع، فكر للحظة باستبداله، لكنه اكتشف بشكل سريع أهميته.
والتعلق بجلعاد زاد في السنوات الأخيرة على خلفية الهزة في العالم العربي. علاقته مع ليبرمان، الذي حل مكان يعلون في أيار الماضي، كانت تختلف تماما. واستقالة جلعاد ليست صدفة. يبدو أنه اختار أن يغادر بعد اكتشافه أنه مستبعد بشكل منهجي من عملية بلورة السياسة من قبل الوزير الجديد.
سيكون خروج جلعاد خسارة كبيرة للأجهزة الأمنية، وليس مؤكدا أنها ستتحمل ذلك في الوقت الحالي. فالمعرفة والتجربة الكبيرة لها قيمة كبيرة، وهو يحظى بالاحترام في الدول المحيطة. فمصر لن تنسى إسهامه في تعزيز التنسيق مع إسرائيل، وخفض التوتر مع الإدارة الأميركية بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي في صيف 2013.
إن خروجه يعبر عن مرحلة تغيير وعدم استقرار لدى نخبة وزارة الدفاع، وقد قام ليبرمان بهدوء بعدد من التعيينات في أقسام الوزارة والصناعات الأمنية، ومع ذلك فإن مكانة مدير عام الوزارة، الجنرال أودي أدام، الذي تم تعيينه في المنصب في نهاية ولاية يعلون، غير واضحة على المدى البعيد.
وحول وزير الدفاع هناك عدد من الجنرالات المتقاعدين الذين يقدمون له الاستشارة. ومن أبرز الأسماء منسق شؤون "المناطق" السابق، إيتان دانغوت، قائد سلاح البحرية السابق إليعيزر مروم، ومن كان قائد ذراع البر في الجيش الإسرائيلي يفتاح رون طال.
حتى الآن لم يتم إعلان هوية من سيحل مكان جلعاد، ودانغوت هو مرشح محتمل، وكذلك منسق شؤون "المناطق" الحالي، الجنرال يوآف مردخاي. وهناك اسم مفاجئ آخر تم طرحه هو العقيد تشيكو تمير.
يُقدر ليبرمان تمير جداً ويقوم باستشارته في المواضيع العسكرية. وزير الدفاع فحص إمكانية إعادة تمير إلى الخدمة، لكنه تراجع عن هذه الفكرة. تمير، الذي يعتبر بحق أحد القادة الميدانيين الممتازين في الجيش في العقود الأخيرة، اضطر إلى ترك الجيش الإسرائيلي بعد إدانته في قضية حادثة التراكترون في العام 2009. وإعادته إلى قيادة الجيش ستثير التوتر القديم.
يصعب تخيل تمير، الذي حارب طوال خدمته "حزب الله" و"حماس"، وهو يخرج بمهام سياسية سرية باسم ليبرمان، أو يكتب له وثائق استراتيجية بشكل أسبوعي، ويبدو أن ليبرمان يريد تمير بجانبه كي يساعده على تغيير التفكير العسكري القائم ومعرفة ما الذي يختفي وراء التفسيرات التي تقدمها له قيادة الجيش. وإذا تم تعيين تمير بدل جلعاد أو في أي منصب رفيع آخر، فستكون هذه رسالة من وزير الدفاع إلى هيئة الأركان: حتى لو كانت علاقة العمل بيننا جيدة الآن، فلدي طرق خاصة بي للرقابة عليكم وتحقيق الأجندة التي تهمني.