ازدياد عدد الحرائق في إسرائيل في الأعوام الأخيرة

20160312080529
حجم الخط

كان الملازم ثانٍ، بنيامين سيمان طوف، قبل أكثر من أربعين سنة "المُحذر على البوابة"؛ فقد حذر قبل حرب "يوم الغفران" بأن الحرب قريبة، وتجادل مع قادته حول هذا الأمر، وقد تم إسكات تقاريره وأُرسل إلى السجن تقريباً.
مع مرور الوقت فقط تحول سيمان طوف إلى بطل وحظي بالتقدير، وتحول اسمه إلى مصطلح يستخدمونه عندما يريدون الإشارة إلى شخصية ما أو جهة تقوم بالتحذير مسبقاً من الخطر ولا يتم الاهتمام بالتحذير إلى أن يتحقق.
في هذا الأسبوع، وصل عدد الحرائق 1773 حريقاً في أماكن مفتوحة، 80 ألف شخص تم إخلاؤهم ومئات المنازل المحروقة، ولم يكن من الصعب ملاحظة الملازم سيمان طوف في هذه المعركة. إنه يوجد هناك منذ سنوات، وهو يحذر في الغابة من "إرهاب الحرائق" الذي يتسع: منظمة "الحارس الجديد".
في حزيران الماضي، نشر مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست تقريرا شديدا حول الجريمة الزراعية في إسرائيل. عدد من الجهات وقفت من وراء هذا التقرير. "الحارس الجديد" كانت إحدى الجهات المركزية. احتل "إرهاب الحرائق" مكانا متواضعا: فقط صفحة ونصف الصفحة من أصل 46 صفحة، تتحدث عن الحرائق المفتعلة، لكن يمكن القول بأثر رجعي: إنها مرت من تحت رادارنا.
الحقائق اللافتة هناك تشير إلى أنه في العام 2014 كان في إسرائيل 28543 حريقا في مناطق مفتوحة (65 في المئة من أحداث الحرائق في ذلك العام). ولكن تم فتح ثلاث ملفات تحقيق فقط بتهمة إشعال الحرائق.
حتى لو انطلقنا من فرضية أن عُشر الحرائق في المناطق المفتوحة – بالضبط مثل النوع الذي انتشر في الأسبوع الماضي ووصل الأماكن المأهولة – هي نتيجة حرائق عدائية وليس إهمالا أو بسبب حالة الطقس السيئة، فإن الحديث يدور عن معطى لا يمكن استيعابه.
تشير معاينة معطيات أجهزة الإطفاء في السنوات الأربع الأخيرة إلى أن العام 2014 لم يكن عاما استثنائيا؛ ففي السنوات 2012 – 2015 تم توثيق 123326 حريقا في الأماكن المفتوحة (64.75 في المئة من إجمالي الحرائق)، ولكن في تلك السنوات تم فتح 35 ملفا فقط بتهمة إشعال الحرائق، بالمعدل 8 – 9 ملفات كل سنة. وعدد الحرائق – لا توجد معطيات دقيقة حوله – أكبر من ذلك بكثير.
إضافة إلى ذلك، في هذا الأسبوع، حيث تغيرت الصورة بشكل دراماتيكي، سواء من ناحية عدد حوادث الحرائق المفتعلة أو من ناحية عدد التحقيقات والمعتقلين، ما زال عدد قليل من الحرائق يتم التحقيق فيه.
ران شيلف، رئيس قسم التحقيق في السلطة القطرية للإطفاء والإنقاذ، قال، في حزيران الماضي، لأعضاء مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست: إنه يتم في كل سنة التحقيق فقط في عدد قليل من الحرائق في الأماكن المفتوحة، وإن أغلبية التحقيقات التي تبلغ 5 آلاف تحقيق، تتم بخصوص الحرائق في المباني والسيارات.
في نهاية الأسبوع الماضي، في ذروة موجة الحرائق الكبيرة، قال شيلف: إن 1.300 حريق كان في الأماكن المفتوحة في ذلك الأسبوع، وتم التحقيق فقط في 30 حريقا منها (2 في المئة فقط)، وفي هذا الأسبوع أيضا حدث أكثر من 100 حريق. وكان شيلف نفسه يكفي من اجل الاعتراف بأنه "لا يمكن التحقيق في 1.300 حريق في الأسبوع"، وحسب تقديره، فإن 60 – 70 في المئة من الحالات التي تم التحقيق فيها، تبين أنها حرائق مفتعلة.

ضربة قدَر؟
تشير المعطيات، التي توجد لدى "الحارس الجديد"، منظمة المتطوعين المدنية التي تعمل على تقليل الجريمة الزراعية من خلال الحراسة والعمل التربوي، إلى اتساع هذه الظاهرة، وكثرة جرائم إشعال الحرائق والتجاهل الكبير للمشكلة حتى الآن.
الأحداث الأكثر بروزا التي قامت المنظمة بتوثيقها حدثت على مدى السنين في كيبوتس حماديا في بيسان، فقد سجلت هناك عمليات إحراق متكررة في السنوات 2002 – 2005، 2009 – 2011 (5 عمليات إحراق)، 2012 – 2013 (4 عمليات إحراق) وفي العام 2015 (6 عمليات إحراق).
في كل هذه الحوادث لم يتم اعتقال أحد. ونظرية الأجهزة الأمنية هي أن الحديث في معظم الحالات يدور عن محاولات العرب إبعاد اليهود عن مناطق الرعي التي تم إعلانها كأراضي دولة، والسيطرة على الأراضي بدلا منهم. لكن كيبوتس حماديا ليس وحده؛ ففي تل نيلي و"كري داشا" وكوخاف هيردين والجليل وتسيبوري وموليدت وبيت هشيته وغلبوع وعين حرود والمطلة وببنال، سجل حسب التقديرات الكثير من عمليات الإحراق للدافع ذاته.
يهودا مرمور، المزارع من يبنال والذي لديه مناطق رعي في غور الأردن ويبنال، تعرض هو أيضا في السنوات العشر الأخيرة إلى عمليات الإحراق التي كلفته مئات آلاف الشواكل كل سنة.
"الشعور في كل مرة من جديد هو الإصابة بنوبة قلبية"، قال مرمور، "في الصيف يُحرق وفي الشتاء ينمو من جديد، لكن في تلك السنة لا يكون لدي طعام للأبقار، ويبقى الضرر، وهناك عمليات إحراق هددت المنازل في المنطقة أيضا".
ويضيف مرمور: إن الشرطة تأتي إليه بعد الحادث في العادة، وتقوم بملء التقرير وتسجيل الشكوى. "بعد شهر يتم إغلاق الملف بسبب عدم وجود الأدلة وعدم اهتمام الجمهور"، قال مرمور.
حسب معطيات وزارة الأمن الداخلي، كل سنة يتم إحراق 37 ألف دونم، وهي مساحة تساوي بحجمها ثلثي مدينة تل أبيب. 75 في المئة من الحرائق تحدث بين أشهر أيار وأيلول، وجزء كبير منها يكون نتيجة أعمال "تخريبية".
حتى هذا الأسبوع تعاملت السلطات مع "إرهاب الحرائق" في الأماكن المفتوحة على أنه نوع من ضربة القدَر. ولا يوجد أيضا أي توثيق لهذه الظاهرة. آلاف الحوادث تتم في المناطق الزراعية والأحراش والأماكن المفتوحة. وقد وصلت، هذا الأسبوع، إلى المناطق المأهولة، وجميعها وضعت حتى هذا الأسبوع في إطار "الجريمة الزراعية"، التي تشمل أيضا سرقة الأغنام والأبقار والممتلكات.
أوري سفير، ضابط احتياط ومدير في "الحارس الجديد"، قال: إن من أهمل علاج إشعال الحرائق في الأماكن المفتوحة يقطف الآن الحرائق التي تعرض حياة الناس للخطر في المناطق القريبة من التجمعات السكانية، ويحذر سفير من اتهام الشرطة وحرس الحدود: "أعرف أن الغطاء قصير. وقد أفهم أولويات الجهات الأمنية. من المهم أكثر إلقاء القبض على خلية لـ"حماس" تخطط لعملية إطلاق نار، أو إرسال القوات إلى القدس لمنع عمليات طعن المدنيين، لكن يجب علينا أن نفهم أن الإهمال له ثمن، الأمر الذي يعني فقدان السلطة والنظام في الأماكن المفتوحة".

يكفي عود ثقاب واحد
في هذا الأسبوع، على خلفية المنازل المحترقة، عشرات آلاف الأشخاص الذين تم إخلاؤهم والأضرار الكبيرة للممتلكات، "سقطت السمونة".
إن التحقيق في 100 حادث إحراق من الأسبوع الماضي يشير إلى أن ربع هذه الحوادث كانت مفتعلة، وهناك أدلة حول 13 حادثة فقط داخل "يهودا" و"السامرة"، وأحداث قليلة، لكنها مركزية، داخل الخط الأخضر. عمليات إحراق أخرى كانت لها أضرار كبيرة للممتلكات ما زالت قيد التحقيق.
لا تسارع الشرطة أو جهاز الإطفاء إلى إصدار الاستنتاجات، رغم أن المشبوهين واضحون. وفي المقابل، سارعت سلطة الضرائب، هذا الأسبوع، واعترفت بشكل رسمي بأن عدداً من الحرائق هو أعمال عدائية.
تقول الشرطة: إن هذا الإعلان سابق لأوانه، وإن الطريق ما زالت طويلة إلى أن يتم إثبات الاشتباه، ولكن في الوقت الحالي اعترفت وزارة المالية وسلطة الضرائب رسميا بأن الحرائق هي نتيجة أعمال عدائية في المناطق التالية: الحريق في موشاف طل إيل، الأحد الماضي، الحريق في زخرون يعقوب، الثلاثاء الماضي - فقد وجدت هناك مواد قابلة للاشتعال، الحريق في دولب في الليلة ذاتها، الحرائق في غيلون وتلمون في ليل الأربعاء، وموقع واحد على الأقل للحريق في حيفا يوم الخميس الماضي صباحا.
في منطقة دير قديس قرب رام الله اعتقل الجيش ثلاثة مشبوهين كانوا في سيارة عثر فيها على قفازات وزجاجات مملوءة بالبنزين. وفي منطقة يتسهار أيضا تم إحراق حقول قرب منازل الإسرائيليين. وتمت مشاهدة أشخاص من حوارة وعينبوس. وفي منطقة بارك بيغن في القدس تم اعتقال مشبوه من حوسان شوهد وهو يقوم بإحراق حرش. وتم اعتقال شابين أيضا من قرية ساجور قرب بيسان، وثلاثة مشبوهين من قرية بسمة تفعون اشتبه بهم بإحراق حرش قريب.
إن إمكانية إثبات الإحراق المتعمد في المحكمة صعبة، وخلافا لمناطق "يهودا" و"السامرة" وشرق القدس، حيث أن أغلبية الحرائق هناك هي نتيجة الأعمال العدائية (لا سيما بواسطة إلقاء الزجاجات الحارقة)، فإنه في مناطق إسرائيل السيادية تكون عمليات الإحراق نتيجة لعود ثقاب أو إلقاء سيجارة مشتعلة أو إشغال قطعة من الكرتون.
في الأحوال الجوية الصعبة يكون الأمر كافيا. الرياح ونسبة الرطوبة المنخفضة يقومان بعمل الباقي.

هل سيكون هناك فحص داخلي؟
الوسط العربي في إسرائيل والوسط الفلسطيني والشرق أوسطي دخلوا، هذا الأسبوع، إلى حقل الألغام في الشبكات الاجتماعية، إلا أن الصورة في هذه المرة ليست أحادية الجانب مثلما حدث في انتفاضة السكاكين، ففي هذه المرة يوجد أيضا الكثير من المحرضين والراقصين حول النار، وفي المقابل يوجد الكثير ممن ينشرون تغريدات متحفظة ومنددة بظاهرة الحرائق المفتعلة.
في أوساط "عرب إسرائيل" وفي أوساط الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية سمعت أصواتا كثيرة تطالب باستضافة العرب واليهود الذين احترقت منازلهم.
الانتقادات الأشد تم نشرها من قبل أعضاء الكنيست العرب، فهم انتقدوا، ولكن في المقابل أكدوا أن الحديث يدور عن "إحراق وطننا"، وقاموا بالاحتجاج على "الاشتباه التلقائي وإلصاق ذلك بوسط كامل".
وقد انضمت السلطة الفلسطينية إلى التنديد في هذه المرة بشكل استثنائي، حيث قامت بإرسال رجال الإطفاء وسيارات الإطفاء من اجل تقديم المساعدة، ومع ذلك، لم تكن تنقص دعوات التشجيع والفرح من الحرائق في مناطق السلطة الفلسطينية.
الردود في الدول العربية كانت متداخلة أيضا، فإضافة إلى التنديدات الرسمية والمساعدة في الإطفاء من الأردن ومصر – قامت الدولتان بإرسال طائرات إطفاء – سجلت ايضا ظواهر العداء لاسرائيل والفرح من اللهب.
في أوساط "عرب اسرائيل" كان الرد الأبرز والأكثر انفعالا من رئيس القائمة المشتركة، عضو الكنيست ايمن عودة، الذي قال: إن الحرائق تضر بالجميع. "الكرمل هو لي مثلما هو لكل انسان آخر... هذه اشجاري وهذا مكاني، أنا مصاب هنا ولست أنت... هذه غابتي، هذه اشجاري، أنا ولدت هنا وأبي ولد هنا وجدي ولد هنا وهذا وطننا". وزميله في الحزب، أحمد الطيبي، قال: إنه إذا تبين أن الحرائق كانت من فعل العرب فإن هذا شيء سيئ ويحتاج إلى التنديد والحساب في المجتمع العربي. ومع ذلك رفض تبني مصطلح "إرهاب" و"انتفاضة" بخصوص الحرائق المفتعلة.
من بين ما تم نشره باللغة العربية في الشبكات الاجتماعية يمكن اقتباس تغريدة توضح دوافع المنددين: "يتم حرق الاشجار والجبال، أي الوطن... هل أصبحنا ضعفاء الى درجة أننا نسر لاحتراق شجرة؟ يا ليت أننا ننتصر على جهلنا في يوم ما". وتساءل منددون آخرون، نحن سنعود الى هناك في يوم ما، فلماذا نقوم بالاحراق؟