تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لشهداء الهبة الانتفاضية (تشرين الأول 2015)، وهنا نستذكر وصاياهم، لنعرف ما كان يجول في خاطرهم، وما الذي دفعهم للتضحية بحياتهم؟ وكيف استشعروا بدنو آجالهم؟ وهل بالفعل خططوا وسعوا لذلك؟ لنتابع:
الشهيد مؤيد الجبارين (20 عاما) وجّه وصيته إلى والديه، وقال فيها: "يا رب تسامحيني يا أمي، يا رب تسامحني يا أبي، سوف أقتل جنديين إسرائيليين، وآخذ بثأري منهم، لا تزعلي يا أمي ابنك شهيد ورافع رأس فلسطين، أتمنى أن تسامحوني، وآسف جداً على ما سببته لكم، وإن شاء الله ربنا بصبركم".
الشهيد مهند حلبي (19 عاما)، وهو طالب جامعي، ومقرب من الجهاد الإسلامي، كتب ليلة استشهاده: "حسب ما أرى، فإن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت، ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا، وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا، فلا أظن أنّا شعب يرضى بالذل، الشعب سينتفض".
ومن المفارقات أن "مهند" هو صديق الشهيد "ضياء تلاحمة"، الذي قضى قبل أيام في الخليل، حيث وضع حلبي صورة رفيقه تلاحمة على صفحته الشخصية، وعلّق عليها: "تأملوا جيدا، أنظروا إلى وجهه، فيه علامات مخلص، واثق، مبتسم، فرح، شامخ، صامد، قوي، مستبشر، جميل، نعم إنه الشهيد".
الشهيد بهاء عليان (22 عاما)، كتب وصيته قبل 10 شهور من تنفيذه عملية في حافلة إسرائيلية، حيث أطلق عليان النار برفقة الشهيد بلال غانم (23 عاما) على ركاب الحافلة، ما تسبب بمقتل مستوطنين اثنين وإصابة 16 مستوطنا بجراح. وذكر أصدقاؤه، بأنه كان ناشطا ومثقفا، وقد أحبّ الحياة وانغرس في العمل التطوّعي، وعاش حياته مبادرا طموحا؛ فله ينسب الفضل في مشروع أطول سلسلة قراءة حول أسوار القدس.
كما أطلق حملة لجمع التبرعات" لغزة في الحرب الأخيرة (2014). وقد أوصى الفصائل الفلسطينية كافةً بعدم تبني استشهاده، مؤكداً أن موته كان للوطن وليس لهم، وألا يحزن أحد على استشهاده، وألا يُعتبر رقما، موصيا بالمحبة بين الناس، وأن لا يغرسوا حب الانتقام في ابنه، وألا يُرهق أهله بالأسئلة.
الشهيد أمجد السكري (34 عاماً) وهو ضابط في الشرطة الفلسطينية، وأب لأربعة أطفال، نفذ عملية إطلاق نار على حاجز بيت إيل، أسفرت عن إصابة ثلاثة جنود. وكان قد التقط لنفسه صورة "سيلفي" قبيل استشهاده بساعات، وكتب على صفحته: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة، بس للأسف مش شايف شي يستحق الحياة، ما دام الاحتلال يكتم على أنفاسنا، ويقتل إخواننا وأخواتنا، اللهم ارحم شهداءنا، واشف جرحانا، وفك قيد أسرانا، أنتم السابقون ونحن اللاحقون".
الشهيد أحمد عامر (16 عاماً) من بلدة "مسحة"، طلب في وصيته من والديه أن يسامحاه، وأن لا يذكروا محاسنه، بل يذكروا مساوئه حتى يسامحه الناس عليها. وطلب من عائلته سداد دين عليه لثلاثة أشخاص (ما مجموعه 60 شيكلاً)، أحدهم لصديقه، وله دين عليه مقداره 8 شواكل.
وفي بلدة "قَطَنة"، كتب الشهيد أحمد طه (20 عاماً) في وصيته: قال تعالى "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير"... وهذه الآية تنطبق على واقعنا، لما يفعله المستوطنون بنا وبالقدس. فعلينا أن نثأر منهم... وأنا أوصيكم أن تكونوا على نهج الشهداء وأن لا تترددوا بتنفيذ عملياتكم البطولية... أعلن تنفيذ عملية نصرة لنبينا محمد ونصرة للمسجد الأقصى والمساس بأعراضنا... ولا تحزنوا إن هُدم البيت فبإذن الله يبني الله لنا بيتا في الجنة".
الشهيد محمد عليان (21 عاماً) من سكان "عناتا"، طالب التمريض في الكلية العصرية، وأحد النشطاء في حركة الشبيبة الطلابية. كتب على صفحته قبيل استشهاده بأيام: "إلى جميع الإخوة والأخوات في عناتا، ضاحية السلام المخيم، حد زعلان من حد يسامحه لأنو هلقيت أي حد احتمال يكون شهيد"... وكان قد خاطب أمه قائلاً: "من كثر ما بحبك يا أمي رح أخليكي تصيري أم الشهيد".
الشهيدة رشا عويصي (23 عاماً) من قلقيلية، كتبت في وصيتها: "أمي الغالية، لا أعرف ماذا يحدث، فقط أعرف أن طريقي انتهى، وهذا الطريق اخترته بكامل وعيي دفاعًا عن وطني والشباب والبنات. لم أعد أحتمل ما أرى، لكن الذي أعرفه هو أني لم أحتمل، أهلي أمي وإخوتي سامحوني على كل شيء، ما بوسعي غير أني فعلا أحبكم، وخاصة خطيبي سامحني على كل شيء، ما بوسعي غير هذا الطريق أنا آسف على هذا الرحيل".
الصديق الكاتب "د. أحمد عزم" أجرى مقاربة مع وصايا شهداء من الجيل السابق، ذكر منها وصية الشهيدة دلال المغربي، التي كتبت في وصيتها ما يعكس بوضوح فكر حركة فتح التي انتمت إليها، إذ تقول: "وصيتي لكم جميعا أيها الإخوة حملة البنادق تجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني، واستقلالية القرار الفلسطيني. أحبائي لا يهم المقاتل حين يضحي أن يرى لحظة الانتصار، سأراها بعيني رفيقي فاستمروا".
ويضيف "العزم": "كانت وصية دلال، وصية شابة نالت تدريبا سياسياً، وفكرياً، وعسكرياً، وترى صورة شاملة وواضحة للثورة والنضال، وتعكس درجة عالية من الوعي والنضوج السياسي.
الشهداء الأوائل كانوا جزءا من ثورة، يضطر "الموساد" للذهاب لبيروت وتونس وروما لاغتيالهم، بعد أن يكونوا قد دونوا نهجاً لمن بعدهم، أو ثورة ترسل دلال المغربي ومن معها عبر البحر في تحدٍ إعجازي، كما حصل أيضا في عمليات السافوي وترشيحا والدبويا وديمونا وغيرها، حيث كانت العملية الفدائية تستغرق شهوراً من الإعداد والتخطيط".
بينما في تلك الهبة كانت المبادرات فردية، دون تخطيط، والفرق الآخر أن الدافع في العمليات السابقة كان وطنيا، والآن الدافع بين الوطني والديني والشخصي، متأثرين بالخطاب السياسي التحريضي السائد، وبالشعارات الثورية المتداولة، أو حميةً للنساء الفلسطينيات اللواتي تعرضن لمضايقات واستفزازات من قبل الجنود والمستوطنين.
ومنهم من خرج متأثراً بخسارة شخصية له، كاستشهاد قريب أو صديق، أو هدم بيته، أو تعرضه للذل والإهانة على أحد الحواجز، فتولدت لديه رغبة بالانتقام.
هذه القراءة، جزء من كتاب "الشباب الفلسطيني، المصير الوطني ومتطلبات التغيير"، الذي صدر مؤخراً عن مركز الأرض للأبحاث والسياسات، تحرير د. جميل هلال.
قراءة لما يحدث قد لا تُعجب البعض وأرجو أن أكون مخطئا ً!
14 أكتوبر 2023