أنهت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" الأحد المنصرم، أعمال مؤتمرها العام السابع، وذلك بعد خمسة أيام من التداول المستمر، والتي أفرزت قيادة جديدة للحركة على صعيد اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وكذلك إقرار برنامج سياسي جديد بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة، إضافة إلى برنامج البناء الوطني.
وتولي حركة "فتح" على مدار خمسون عاماً من الانطلاق أهمية بالغةً لمؤتمرها العام، وذلك لما يحمله عقد المؤتمر من تصحيح للسلوكيات وتخطيط للبرنامج السياسي، ورسم أهداف العمل وتثبيت الهيكل التنظيمي وتوزيع المهام القيادية.
وعقدت الحركة ست مؤتمرات حركية منذ نشأتها عام 1965م حتى هذا التاريخ، وكان أول مؤتمرات الحركة عام 1967م، وثانيها في العام 1968م، وثالثها في العام 1971م، وكذلك عقدت "فتح" مؤتمرها الرابع في العام 1980م، كما عقدت المؤتمر الخامس في العام 1988، إلا أن عُقد المؤتمر السادس لأول مرة على أرض الوطن في مدينة بيت لحم في العام 2009م.
وضخت كافة مؤتمرات الحركة السابقة على مدار نشأتها الدماء الجديدة في صفوف أقاليمها الموزعة داخل الوطن وخارجه، وكذلك صححت المؤتمرات الستة مجمل المعيقات السياسية والتنظيمية، كما كان لغزة دوراً بالغ الأهمية خلال تلك المؤتمرات من حيث التجهيز والإعداد والمشاركة وصناعة القرار.
وصاحب انعقاد المؤتمر السابع جملة من الشوائب كان أبرزها عدم تمكن أعضاء غزة من الوصول إلى رام الله للمشاركة في تحضيرات الانعقاد، إضافة إلى الأصوات الرافضة لعقده في ظل حالة التشرذم التنظيمي، ومقاطعة بعض القيادات لفعاليات المؤتمر، ومن أبرزهم النائب الفتحاوي جمال الطيراوي، الذي أعلن مقاطعته للمؤتمر بشكل علني.
غزة الغائبة الحاضرة
وفي هذا الإطار، كشف قيادي فتحاوي وعضو مؤتمر سابع، عن تذمر غالبية أعضاء وكوادر غزة من كافة ترتيبات المؤتمر، معبراً بشكل صريح عن توجه مسبق لدى العديد من القيادات النافذة في إقصاء غزة عن المشهد.
وأضاف القيادي خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن غزة لا تشكل من المؤتمر السابع ومفرزاته إلا جزء يسير لا يكاد يذكر، معبراً عن رفضه وعدد كبير من الأعضاء لما أسماه بالكولسة من أجل تغييب قيادات غزة عن المشاركة في ترتيبات الانعقاد.
وأوضح أن المؤتمر السابع رافقه العديد من الإجراءات الأمنية التي لا تمثل الوضع التنظيمي، متسائلاً: "أين أبناء الحركة وقد وجدنا ثلثي أعضاء المؤتمر من أفراد وضباط الأجهزة الأمنية؟".
وبيّن أن قيادة الحركة بغزة، أوشكت في اللحظات الأخيرة على اتخاذ قرار بمقاطعة المؤتمر رفضاً لتأخير وصول أعضاء القطاع إلى رام الله، لافتاً إلى أن الرئيس استدرك الأمر ووضع ثقله بالتدخل لدى الجانب الإسرائيلي، من أجل فتح معبر بيت حانون "إيرز" في يوم العطلة، لتأمين مغادرة عدد كبير من أعضاء غزة لحضور المؤتمر.
وأشار إلى أن هذا السقوط المدوي لمرشحي غزة لعضوية الثوري والمركزية كان متوقعاً، وذلك كنتيجة حتمية لعدم تمكن أعضاء غزة من لقاء كوادر الحركة وأعضاء المؤتمر في الأقاليم الأخرى، من أجل ترتيب المواقف والاتفاق على ألية الترشح.
وتابع: "ما يقرب من نصف أعضاء المؤتمر كانوا مرشحين إما لعضوية المركزية أو الثوري، حيث أن 65 عضواً ترشحوا للمركزية، و437 ترشحوا لعضوية الثوري"، لافتاً إلى أن العدد الكبير ورغبة كوادر ليس لها تاريخ في الوصول إلى مراكز رفيعة، جعل من عملية الترشح للعضويات المختلفة أمراً باهتاً لا قيمة له.
وأردف، أن الأصل في الترشح لمن يجد في نفسه المقدرة على خدمة المشروع الوطني بالتقدم والإعلان عن الترشح، من أجل خدمة المشروع الوطني الفلسطيني، لا المصالح الشخصية الضيقة.
بدوره، قال المحلل السياسي د. حسام الدجني، إن غياب غزة عن المؤتمر السابع يشكل فرصة كبيرة للقيادي في الحركة محمد دحلان، لزيادة عدد أنصاره ونفوذه في قطاع غزة.
وأوضح المحلل السياسي هاني حبيب، أن الأصل في أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري تمثيل الحركة بكاملها وليس منطقته فحسب، مشيراً إلى أن "فتح" تعتمد نظام العمل بالمناطق وهذا أمر خاطئ.
وأضاف الدجني خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن الرئيس عباس نجح في عقد المؤتمر دون تقديم أي جديد سياسي على مستوى البرنامج والمراجعات السياسية لقرارات المجلس المركزي الخاصة بوقف التنسيق الأمني.
وبيّن حبيب خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن حصة قطاع غزة ضمن نتائج هذا المؤتمر محدودة جداً، لافتاً إلى أن قيادة غزة المنتخبة خلال المؤتمر مقيمة في الضفة، وبالتالي كان الأجدر بقيادة الحركة وضع الخطط اللازمة لانعاش المناطق الضعيفة، وأبرزها قطاع غزة بسبب الانقسام.
وأشار الدجني، إلى أن قطاع غزة خسر حقه في التمثيل المناسب باللجنة المركزية، وكذلك عدم إفراز المؤتمر لحجم كبير من القيادات تكون قادرة على الضغط للحصول على مطالب غزة وحقوقها.
ونوه حبيب إلى ضرورة إصدار الحركة أوامر لقيادة غزة التي أفرزها المؤتمر السابع، بالعودة إلى مناطقهم والعمل تنظيماً في الأقاليم التي يمثلونها.
ولفت الدجني، إلى أن جديد المؤتمر هو التأكيد على عمل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي التي يرأسها عضو اللجنة المركزية محمد المدني، إضافة إلى طرد الخصوم السياسيين للرئيس محمود عباس.
معارضين لمفرزات المؤتمر وآليات الانعقاد
وما أن تم الإعلان عن انتهاء أعمال المؤتمر وحتى قبيل الانعقاد، تعالت الأصوات الرافضة لإقصاء كوادر ذات قامة نضالية وتاريخ مشرف، حيث عقد كوادر الحركة في غزة والضفة العديد من الفعاليات والاجتماعات الرافضة لانعقاد المؤتمر السابع، والمطالبة بتأجيله إلى حين إتمام الوحدة الداخلية ورص صفوف الحركة وإنهاء حالة التشرذم.
من جانبه قال القيادي في حركة "فتح" والنائب في المجلس التشريعي أشرف جمعة، إن ما وصفه بـ "تجمع المقاطعة" الذي عُقد تحت حراب الأجهزة الأمنية لا يمثل الفتحاويين، وذلك لأنه أقصى كوادر قدمت تاريخاً نضالياً.
وأضاف جمعة في تدوينه له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "رسالتي إلى من باعوا غزة وهمومها وأداروا ظهرهم لشبابها وطلابها ومرضاها وأسراها وشهدائها ومشرديها، أنكم لن تحققوا مُرادكم بالانتهازية الصريحة، ولن تنالوا شرف الدفاع عن حقوق أهلكم، فخبتم وخاب مسعاكم".
بدورها، أكدت النائب في المجلس التشريعي والقيادية في حركة "فتح" نعيمة الشيخ علي، على أن أعضاء الحركة الذين تم إقصاؤهم مستمرون في التحضير لعقد مؤتمر يضم كافة كوادر الحركة دون تمييز أو استثناء، واصفةً المؤتمر السابع بالاحتفال المجهز والمعروفة نتائجه.
وتابعت الشيخ علي، "أن الرئيس عباس رفض كافة مساعي الصلح داخل حركة فتح"، مؤكدةً على أن المؤتمر السابع أقصى ما يقدر بـ (5000) كادر فتحاوي بينهم قامات نضالية عالية.
استقالات عقب الإعلان عن انتهاء المؤتمر
وفي اليوم التالي لانتهاء مؤتمر "فتح" السابع أعلن أمين سر إقليم نابلس جهاد رمضان تقديم استقالته من قيادة الإقليم، وكذلك تبعه أمين سر إقليم رام الله موفق سحويل، بتقديم الاستقالة أيضاً دون تقديم الأسباب الواضحة لذلك.
وقال المحلل السياسي هاني حبيب، إن من تبعات المؤتمر تشكيل هيكلية جديدة تعتمد على الانتخابات التي جرت خلال أعمال المؤتمر، لافتاً إلى أن التنقلات في المواقع القيادية أمر اعتيادي.
وأشار حبيب خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن بعض القيادات لربما يجد نفسه خارج الإطار نتيجة الانتخابات، فيقوم بتقديم استقالته إما احتجاجاً أو بحثاً عن دور آخر.
وأكد على ضرورة توحيد صفوف الحركة والحفاظ على الإرث النضالي الكبير، مضيفاً أن "وحدة هشة أفضل من انقسام قوي".