القصف الإسرائيلي في سورية: مواجهة بلا أفق سياسي

إسرائيل_3
حجم الخط

نُسب لإسرائيل مرتين عمليات تدمير ضد سلاح الجيش السوري وذخيرته. يقولون إنه كان في طريقه الى "حزب الله"، ويقولون إنه كان في الطريق من اجل قصف حلب. وقال وزير الدفاع ليبرمان إن الحديث يدور عن "سلاح للابادة الجماعية". وهذا محتمل. يبدو أن هذه خدمة عسكرية قام بها الجيش من اجل مصلحة أمن الدولة، في الوقت الذي تُعتبر الخدمة السياسية فيه سيئة جدا. توجد امور كهذه في حياتنا المعقدة: من الجيد أنهم استهدفوا سلاحا كان ذاهبا لـ"حزب الله" ولإبادة شعب حلب، وليس من الجيد التدخل في الحرب بين الاسد والمتمردين. والامر السيئ هو أننا لا نلاحظ فرص تقليص حجم التهديد في الشمال، الذي هو الاكثر خطورة على أمن الدولة. على سبيل المثال، محاولة التوصل الى اتفاق مع "حزب الله" وايران وسورية بوساطة الولايات المتحدة وروسيا، بدل دعم القوات التي تقوم بدعمها دول الخليج والتي ليس لها أي فرصة حقيقية لتكون جزءا حقيقيا من الصراع على الحدود السورية المستقبلية.
إن القصف هو عمل صحيح عسكريا وسياسيا فقط اذا كانت السياسة في مركز القرار الذي يقضي باحضار "حزب الله" وسورية وهما ضعيفان الى المفاوضات حول الترتيبات بعيدة المدى في الشمال. إلا أنه كما في العادة، القصف هو جزء من سياسة المواجهة المستمرة بدون أفق سياسي حقيقي. واذا قمنا نحن بالقصف فماذا، اذاً؟ هذه ليست اصابة استراتيجية أو تكتيكية، بل هي اصابة للمستودعات، وهي لن تضر سورية و"حزب الله". وبشكل عام، عندما تقرر دولة مثل سورية أو منظمة هي نصف دولة مثل "حزب الله"، التسلح بسلاح "متقدم"، حسب ليبرمان – سلاح يكسر التعادل مثل الصواريخ المضادة للطائرات أو الصواريخ بعيدة المدى – فان هناك ألف طريقة لامتلاك هذا السلاح، وليس فقط من خلال السير على شارع دمشق – بيروت. واذا لم يكن هذا اليوم فبعد غد.
السؤال المطروح هو هل سنغض البصر عندما يصل السلاح الموجه ضدنا الى أعدائنا دون ازعاج. والجواب الغريزي هو "لا" بالتأكيد. والجواب الاكثر تعقيدا هو السياسة الحكيمة. أن نبني بمساعدة الولايات المتحدة وسورية شبكة علاقات أمام محور ايران – سورية – "حزب الله". واذا كان الهدف هو التوصل الى اتفاق مستقبلي، فيجب علينا منذ الآن اتخاذ القرارات بناء على ذلك، متى وأين نقوم بالقصف. يتجول "حزب الله" اليوم بشكل حر قرب الجدار الامني في الشمال، وتتم رؤيته والتعرف عليه، وليس هناك مشكلة في ضربه، وهذا ما سيحدث اذا تسبب استمرار قصف مستودعات السلاح في تدحرج الاحداث، كما حدث في حرب لبنان الثانية، فقد قام "حزب الله" باختطاف جنديين من جنود الجيش الاسرائيلي وقتل ثلاثة جنود. وقرر رئيس الحكومة، ايهود اولمرت، في حينه، استغلال هذه الفرصة للقضاء على مستودعات الصواريخ بعيدة المدى، والقضاء على سيطرة "حزب الله" في الجنوب. تدمير الصواريخ كان نجاحا مدويا، أما الحرب فكانت كارثية.
في الوقت الحالي نسير في اتجاه مشابه. فالتجربة المتراكمة تُظهر أن الحكومة الحالية تميل الى تكرار أخطاء حكومات سابقة، مع فرق واحد: جميعها قامت بعمليات استعراضية تحولت الى حروب نبعت من رفض اجراء المفاوضات السياسية، لكن الضرر المتراكم لدى نتنياهو وشركائه بسبب غياب السياسة، أكبر بكثير.
خلافا للعمليات والحروب التي تمت في السابق في الضفة الغربية وقطاع غزة والشمال، فان الاحتكاك الحالي في الشمال سيكون مع محور "حزب الله" – سورية – ايران وبغطاء روسي. يقولون إن نتنياهو وضع أمام بوتين "خطوطا حمرا" وإن هناك جهاز تنسيق بين اسلحة الجو. أنا لا أصدق أن بوتين وافق على حرية القصف في محيط دمشق. هذا لا يعني أنه يهتم بالقتلى اليهود والعرب، لكن على المستوى السياسي ليس من المفروض أن يمتص بوتين ضرب حلفائه في ظل وجوده. ويمكن القول إن نتنياهو قد قال لبوتين: نحن لا نستطيع السماح بوصول صواريخ معينة لـ"حزب الله"، تهدد الاجواء والاهداف الاسرائيلية. وبيقين سيقول بوتين: هذا الامر يعنيني، وأنا سأفحص ما يمكن فعله في هذا الامر. بوتين ليس من الاشخاص الذين يكشفون ما يريدون فعله ومتى.
المشكلة هي أن اختبار الواقع لدى نتنياهو يوجد فيه خلل، وهو يتعلق بالضغط الشخصي وضغط المحيط. وليست له مشكلة في ترجمة ما يقوم الكين بترجمته (الذي يقوم بترجمة محادثات بوتين – نتنياهو)، الى تفاؤل لا أساس له. ايضا رئيس لجنة الخارجية والامن، آفي ديختر، سافر الى موسكو كي يكون في الصورة. وقد سمع ديختر هناك امورا واضحة: "حزب الله" ليس عدوا، وايران هي صديقة، ونحن نحارب معا من اجل نظام الاسد العلوي. والحقيقة التي تلعب في صالح نتنياهو هي أن روسيا لم ترد حتى الآن بشكل علني على القصف الأخير.

رجل ترامب
ليس من الواضح مدى نجاعة التنسيق الروسي الاسرائيلي. التنسيق النقيض واضح تماما: ضباط روس وايرانيون وقادة من "حزب الله" وسورية يعملون معا بشكل يومي. الطائرات الروسية مدعومة برادارات تغطي دولة اسرائيل، وصواريخ مضادة للطائرات تشمل صواريخ إس 400. واذا قامت طائرة اسرائيلية باطلاق صاروخ من حيفا نحو موقع قرب دمشق، فهي موجودة على الرادار الروسي وعلى مهداف الـ اس 400 منذ لحظة الانطلاق. صحيح أن رئيس هيئة اركان سلاح الجو، العقيد طل كولمان، قام بالتطمين قائلا: "السلاح الذي تم وضعه في الشرق الاوسط ليس موجها نحو اسرائيل"، لكن لا أحد يعرف كيف ومتى ستعمل روسيا وحلفاؤها في الانعطافة القادمة.
لقد تدهورنا الى حرب "يوم الغفران" هكذا بالضبط. فحكومة اسرائيل رفضت اجراء المفاوضات من اجل التوصل الى اتفاق في حرب الاستنزاف. فقد اعتقد الجيش الاسرائيلي أن السوفييت لن يردوا على قصف سلاح الجو الاسرائيلي في مصر، بما في ذلك اسقاط اربع طائرات روسية. صمتت موسكو، لكنها وقفت وراء وضع الصواريخ المضادة للطائرات المصرية في قناة السويس. ونشبت الحرب وكان هناك آلاف القتلى وسقطت طائرات سلاح الجو مثل الذباب في شرك الصواريخ المصرية والسورية المضادة للطائرات.
اضافة الى الحكومة الاسرائيلية، فان ما يهدد استقرار الشمال هو الرئيس الجديد، دونالد ترامب. فلا أحد يعرف، بما في ذلك ترامب نفسه، كيف سيتصرف. ومن سيحاول فرض النظام هنا هو وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الذي يعارض الاتفاق مع ايران كلاميا. اضافة الى ذلك، ماتيس الذي حارب في العراق عرف أن على الولايات المتحدة العمل بسرعة على حل الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. وحسب رأيه فان الغضب العربي والاسلامي بسبب دعم الولايات المتحدة لاسرائيل يضر بالجيش الأميركي في أرجاء الشرق الاوسط. وقد صرح للصحيفة اليهودية "بورفارد" إنه بصفته قائدا للقيادة المركزية فقد دفع "ثمنا عسكريا وأمنيا بشكل يومي جراء ذلك". وأوضح ايضا أن "المستوطنات تضر باسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وتُبعد فرصة حل الدولتين وتزيد من فرصة تحول اسرائيل الى دولة عنصرية". وأضاف: "إن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، يجب علاجه مباشرة، ويجب علينا ايجاد الطريق للتوصل الى حل الدولتين. وفرصة تحقيق ذلك بدأت تتلاشى لأن المستوطنات ستحول هذا الحل الى شيء غير ممكن".
من هنا يمكن العودة الى موضوع الاتفاق في الشمال. شرط الاتفاق مع "حزب الله" وايران هو الاتفاق مع الفلسطينيين، هكذا يمكن اصابة عصفورين بضربة واحدة. وماذا عن المستوطنات؟ إن هذا خلل بدأت محكمة العدل العليا في اصلاحه الآن فقط، لكن المهمة ملقاة على كل الجمهور. مع أخذ استطلاعات الانتخابات في الحسبان، تبدو هذه نكتة. ومع أخذ الواقع في الحسبان فان هذه تبدو تراجيديا.