لم يترُك رئيسُ الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طوال تاريخ حكمه فرصةً لإفشال العملية السلمية مع الفلسطينيين إلا وانتهَزَها حتى صار الخبيرَ الأول في سياسةِ رفضِ السلام. وفي أواخر ولاية الرئيس باراك أوباما وخشيةً من مواقف لا يريدُها يُمكن أن تقدم عليها الإدارة الأميركية الحالية في آخر أيامها، عَمد إلى استقبال الرئيس الجديد دونالد ترامب بإبداء الأمل بأن يتعاون معه لتحقيق حلّ الدولتين. ولكن حلّ الدولتين صار موضع الصراع السياسي بين إسرائيل والأسرة الدولية والذي على ترامب أن يبدي منه موقفاً نهائياً في فترة قريبة، خصوصاً في ظلّ التحركات الأوروبية والمبادرة الفرنسية.
ويبدو أن ترامب، الذي يُنهي هذه الأيام اختيار طاقم حكمه، اختار أن يطمئن إسرائيل جداً بإعلان تعيينه ديفيد فريدمان سفيراً له فيها. وكان ترامب قد أربك إسرائيل وعدداً من الأوساط اليهودية في أميركا بتعيينه ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية، وهو المعروفُ بقربه من روسيا وأوساط النفط العربية. وربما أن تعيين فريدمان جاء ليحدد الوجهة النهائية باعتباره مناصراً لإسرائيل بشكل متطرف يخشاه حتى أغلب الإسرائيليين.
وكتب المراسل السياسي لـ «هآرتس»، باراك رابيد، أن الإعلان عن تعيين فريدمان سفيراً في إسرائيل «جعل من غير الواضح إن كان نتنياهو وإدارة ترامب يبُثّان على الموجة ذاتها. فالرئيس الأميركي المُنتخب التفّ ببساطة على رئيس حكومة إسرائيل من جهة اليمين. فنتنياهو يبدو إلى جانب السفير الأميركي الجديد، وهو رئيس رابطة أصدقاء مستوطنة «بيت إيل» في أميركا، أقرب إلى عضو في جماعة «تحطيم الصمت»، أو «بتسيلم» أو اللوبي اليساري الموالي لإسرائيل في أميركا «جي ستريت».
وطوال المعركة الانتخابية وبعدها، أطلق فريدمان مواقف تُمَوضعه في عمق اليمين في إسرائيل. وهو أقرب إلى «البيت اليهودي» منه إلى «الليكود». فهو يُعارض إنشاء دولة فلسطينية، ويؤيد من دون أي تحفظ المستوطنات و «شرعيتها»، وهو يستخف بالخطر الديموغرافي الفلسطيني، وسبق له أن أعلن أن ترامب سيؤيد ضم أجزاءٍ من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
وليس صدفةً أن أول ردّ فعل معارض لهذا التعيين جاء من منظمة «جي ستريت» اليهودية الأميركية. وقد أعلنت هذه المنظمة معارضتها تعيين فريدمان سفيراً في إسرائيل، معتبرةً ذلك «تعييناً متسرّعاً يُعرض للخطر صدقية وروحية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم بأسره». وأشارت المنظمة إلى أن هذا التعيين يتعارض مع القيم التي تشكل أساساً لعلاقات أميركا بإسرائيل، فـ «فريدمان يفتقر لأي خبرة ديبلوماسية وسياسية، وهو عضوٌ أميركي كبير في حركة الاستيطان، وهو يهاجم يهوداً ليبراليين يؤيدون حلَّ الدولتين ويعتبرهم أسوأ من رعاة البقر اثناء االمحرقة النازية». وقررت المنظمة أن تضع الحقائق حول تناقض فريدمان مع مواقف أغلبية يهود أميركا أمام أعضاء الكونغرس الذين يفترض أن يبحثوا أمر المصادقة على التعيين من عدمه.
وطبيعي أن هذا ليس موقف المنظمات اليهودية الأميركية الميّالة لليمين التي أعلنت ترحيبها بهذا التعيين. وقال بعضهم إن فريدمان لن يمثل نفسه في إسرائيل وإنما سيمثل الإدارة التي قامت بتعيينه، ولهذا فإن العنصر الأهم هو موقف ترامب من حلِّ الدولتين.
وكان طاقم ترامب قد أعلن عن تعيين فريدمان سفيراً في إسرائيل. وجاء على لسان ترامب قوله بشأن التعيين إن «فريدمان صديقٌ لي منذ وقت طويل وهو مستشارٌ موثوق. وعلاقاته الطيبة بإسرائيل ستشكل أساساً لمهمته الديبلوماسية وسيكون ذخراً كبيراً لأميركا، في هدفنا تعزيز العلاقات مع حلفائنا وتطلعنا للسلام في الشرق الأوسط». وجاء في البيان أن «بين أميركا وإسرائيل علاقات عميــقة، وســوف أتأكــد ألا تقع خلافــات بيننا وأنــا رئيــس.. وكسفير لأمــيركا فــي إسرائيل، فريدمان سيصــون العلاقــات الخاصــة بين الدولتين».
وعلّق فريدمان على تعيينه بإعلان توقه «لتعزيز العلاقات الإسرائيلية الأميركية من سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل الأبدية، القدس».
وفريدمان يهودي ـ أميركي عمره 57 عاما وهو يرافق ترامب منذ 15 عاماً عمل فيها محامياً له. ولفريدمان نشاطاتٌ وتبرعاتٌ كبيرة في إسرائيل خصوصاً لصالح المستوطنات وبصفته رئيساً لجمعية الصداقة الأميركية مع مستوطنة «بيت إيل» نقل لها في السنوات الأخيرة ملايين الدولارات. وسوياً مع جاريد كوشنر، صهر ترامب اليهودي، فإن فريدمان يعتبر من بلور رؤية ترامب تجاه إسرائيل. والرجلان عملا من أجل شطب حلّ الدولتين من برنامج الحزب الجمهوري.
وفي إسرائيل كان أول من رحب بتعيين فريدمان سفيراً زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت، ثم أعقبه رئيس مجلس مستوطنات نابلس يوسي داغان. وبحسب معلقين في إسرائيل، فإن تعيين فريدمان يضع نتنياهو في وضعٍ صعب. فهو في عهد ترامب سيبدو عارياً أمام المستوطنين: «ماذا سيقول للمستوطنين؟ هل إذا بنى المستوطنات أو ضمّ المناطق سيخشى احتجاج فريدمان؟».
وقال ممثلون عن الرئيس الأميركي المنتخب، أمس، إنه من المبكر جداً أن يعلن ترامب متى سيفي بوعده الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وقال جيسون ميلر، مستشار ترامب، إنه «ما زال ملتزماً بشدة» بهذه الخطوة. وأضاف للصحافيين أن المزيد من التفاصيل «ستكون سابقة لأوانها، ليس لدينا ذلك بعد»، مشيرا إلى بقاء أكثر من شهر على تولي ترامب السلطة في الـ20 من كانون الثاني وإعلانه للتو عن اختيار فريدمان سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل.
الخارجية تُدين تصريحات المتطرف "بن غفير" بشأن بلدة حوارة
06 أكتوبر 2023