صراع الأخضر والأصفر والأحمر في «بيرزيت»

87
حجم الخط

خبر : كتب : ريما كتانة نزال

هل يمكن أن تشكل نتائج انتخابات جامعة بيرزيت النموذج المصغَّر لما ستكون عليه الانتخابات العامة، وهل تسجِّل النتائج استقراراً معيَّنا لموازين القوى واتجاهات الرأي العام الفلسطيني، أم انها تعكس مناخاً ساخناً مؤقتا بقصد توجيه رسالة عقابية، موثَّقة ومؤرخة، بتوقيع الطلبة في الجامعة الليبرالية المحافظة على تقاليدها الديمقراطية، والمتميزة بكونها المكان الذي تتجمع فيه الجغرافيا مع التعددية والتنوع بكل تجلياتها.
تبرز المرآة العاكسة للانتخابات الاستقطاب الحاصل بين الطلبة، وما استقرت عليه حجوم القوى عقب المنعطفات الحادة وإرهاصاتها الثقيلة، مظهرةً أيّ هبوطٍ وإسفاف قد أصاب الخطاب الفلسطيني، المعتمد على الردح أسلوباً مفضلاً، والمتمسك بثقافة الإحراج المتأصلة فلسطينياً، مؤكداً عمق الأزمة وعقم الخطاب المسطَّح المبني على تبادل فواحش الاتهامات، مخاطباً الغرائز والعواطف.
لا جدال في أن كتلة الوفاء التابعة لحركة حماس، قد التقطت المناخ العام في الضفة الغربية ما بعد الحرب على غزة، ووظفته في خدمة دعايتها الانتخابية والتحريض على الكتلة المنافسة. 
لقد مثلت، جراح ودمار وحصار غزة، الخيار الأفضل للاتكاء عليه في استدرار التعاطف معها، خاطفة بصر الطلبة مثيرة فيهم الحماس بتنظيمها الاستعراضات الضخمة بالملابس العسكرية، باعثة حلماً جميلاً في انتزاع الحرية عبر الخيار العسكري، وحمل مجسَّمات الصواريخ والطائرات مستحضرة بعض قيادات المقاومة التي يُنظر لها كأساطير، لتقدم وهما بطولياً عبر مقارنات غير عادلة معروفة، بين أشكال المقاومة وتمايزها بين القطاع والضفة. 
ولكن والحق يُقال على الصعيد النقابي، سجلت كتلة الوفاء فضيلة الابتعاد عن العمل الموسمي، واستمرارها العمل مع الطلبة ومساعدتهم على مدار العام دون ربط تصاعد نشاطاتها بموسم الانتخابات، وانتقائها الأنشطة الملامسة لمصالح الطلبة ومطالبهم الحياتية والنقابية، ما مكنها من تعزيز جسور التواصل والثقة معهم. 
كان من الطبيعي، أن تكون كتلة الوفاء أكثر قدرة على توظيف سلبيات السلطة وممارساتها، إنها المعارضة في المكان والزمان، ولديها قائمة كبيرة من الخطايا المسجَّلة على الأجهزة الأمنية، المداهمات الليلية والاعتقالات لعناصر حماس علاوة على التنسيق الأمني، مستفيدة من التماهي بين السلطة وحركة فتح في تجيير أرصدة الأجهزة الأمنية كاملةً لحساب قائمة الشهيد ياسر عرفات التابعة لحركة فتح، دون أن تتمكن القائمة من النأي بنفسها عن ممارساتهم في قضية لم يكن بإمكان «فتح» معالجتها منذ البداية.
بكل الأحوال تمت الانتخابات، فاز من فاز وخسر من خسر. وبرأيي ليس هذا هو بيت القصيد، بل ما يهمني في هذا المقام التركيز أكثر على المستقبل والارتقاء بمضمون العملية الانتخابية لترقى إلى الفعل الديمقراطي الحقيقي، وهذا لن يتم دون مراجعة جدية للدعاية الانتخابية ونتائجها واستخدام المال السياسي والخطاب السطحي وتجاوزه الخطوط الحمر. العملية الانتخابية تستحق المراجعة أولا من القوى السياسية الممسكة بخيوط المشهد وراعيته. 
فلم يعد محتملا هذا الأداء الهابط الذي يفاقم من أزمة باتت مستعصية على الحلول، وأبرز مساوئها الرفع من شأن الخلاف الداخلي على الرئيس مع الاحتلال. 
وثانياً، من القائمين على إجراءات الانتخابات في عمادة شؤون الطلبة، والتوجه إلى قوننة العملية الانتخابية بدءاً «ببروتوكول» وأخلاقيات المناظرات إلى المراقبة على أموال الانتخابات وكيفية صرفها وسقوفها. 
لقد أصبح استخدام المال السياسي اللاعب الرئيس في الانتخابات بما يغيّب الضمير ويفسد ويتفّه العقول ويخرس أصواتهم. من هنا، لا بد من اجتراح القانون الخاص بانتخابات الجامعات وبما يشكل أداة وعقابية.       
وعلى ضوء ما تقدم نقول للفريق المنتصر، لا بد من التفكير في محددات الخطاب الشعبوي المقدم من قبله، فهو لم ينتصر لكونه الأفضل، بل لأن المرحلة السياسية الضبابية هي التي مكنته من تمرير خطاب سطحي مزاود، فالمسؤولية عن الخطاب لا تنحصر لدى استلام السلطة، بل أيضا في حال التواجد في مواقع المعارضة.  
ونقول لكتلة الشبيبة، إن تحقيق الانتصار أسهل من حمايته، وعليه فالعمل يبدأ منذ اللحظة والتحضير للانتخابات القادمة. 
وندعوكم إلى الاستقلال بمواقفكم وإبعادها عن الشوائب التي تدبغها بألوان قمعية.
كما يجب أن لا يغيب عن أذهانكم أن الاعتماد أو الانتفاع من وجود السلطة له وجه مصلحي مفيد.. ووجه آخر يعود بالضرر، وبالتالي فالعمل ينبغي أن يعتمد على استقطاب الطلبة على أساس المبادئ وتحقيق المنافع الموضوعية والجماعية العامة، فهم الضامن الحقيقي للحفاظ على تأييد ثابت من أغلبية الطلبة. 
وأما اليسار فنقول له: قف وفكر أيها اليسار، حيث الإخفاقات مستنسخة ومتلازمة، وطال الزمن قبل تشكيل الاتجاه والطريق الثالث في مواجهة الثنائية القطبية المسيطرة. 
اليسار أكثر المعنيين بإجراء المراجعة الشاملة، فقد كان ذات يوم مسيطرا وكانت الجامعات معقلا له، ولا بد من لحظة صدق ومواجهة الذات وإعادة تعريف هويته وبرنامجه وخطابه الفكري والثقافي.   
بالمحصلة، الانتخابات ليست هدفا بحد ذاته، بل هي آلية لاختيار من يمثل الطلبة بشكل ديمقراطي حر، وعليه، ليس من رابح أو خاسر بالمعنى المطلق، بل توجد خسارة مؤقتة وفوز مؤقت يفوض المنتصر إدارة مصالح الطلبة والدفاع عنها. 
لا بد من قراءة الحدث بدقة وموضوعية، كونه يقرع الجرس أمام الجميع، فكفى استهتارا ولا مبالاة.