حالة صرع إسرائيلية

thumbgen (34)
حجم الخط
 

المراقب لردود فعل دولة التطهير العرقي الإسرائيلية في أعقاب صدور القرار 2334 يوم الجمعة الماضي بأغلبية ساحقة، يشعر انه أمام طفل معاق، قام ذويه بدلاله أكثر مما يجب، ودون إعتبار لمكانة إخوته وجيرانه وأقرانه، فلم يعد يرى سوى نفسه، ولا شيء يضبط تصرفاته الهوجاء ضد المحيط، الذي يعيش بين ظهرانيه. وفي حال صدر اي تنبيه له من ذويه، يجن جنونه، ويفقد توازنه، ويبدأ يرعد ويزبد ويكسر كل ما حوله. هذه الدولة المارقة، التي دللها الغرب الإستعماري عموما واميركا خصوصا، حتى باتت لا ترى أحدا من العالم، ولم تعد تقبل الإصغاء لروح القانون الدولي، وإنفلتت من عقالها الإستعماري لتنفيذ مخططها في جزئه الثاني، وهو بناء إسرائيل الكاملة على اراضي فلسطين التاريخية دون إعتبار لإي معيار من معايير السلام والتسوية السياسية.

في محطات مختلفة من عقود الصراع الطويلة واجهت حكومات إسرائيل المتعاقبة تحديات قاسية. لكنها وفق ما أعتقد وأعلم  لم تصل في يوم من الأيام لهذه الحالة من الصرع وفقدان الوزن نتيجة صدور قرار اممي من مجلس الأمن واستنادا إلى الفصل السادس وليس السابع يدين الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي، ويعتبره غير شرعي. والسبب يعود لسياسة العالم المنحازة او المتواطئة او الصامتة على جرائم وإنتهاكات إسرائيل، ونتيجة الضعف العربي، وعدم وجود سياسة رادعة لدولة التطهير العرقي والعنصرية الإسرائيلية.

نتنياهو فقد عقله، فقام كالثور الهائج يلقي التهم جزافا يمينا وشمالا، فبدأ بتوجيه الإتهامات لإدارة اوباما، بأعتبارها المسؤولة عن تمرير القرار الفلسطيني العربي 2334. واستدعى السفير الأميركي شبيرو ل40 دقيقة لتوبيخه، وايضا إستدعى سفراء الدول ال14، التي صوتت لصالح القرار، وإتخذ اجراءات ضد السنغال ومنها العمل لإلغاء المشروع الإسرائيلي السنغالي، الذي يتضمن إقامة شبكة ري ومراكز توجيه وإرشاد زراعي. وقرر إلغاء زيارة رئيس وزراء أوكرانيا "فلاديمير غريسمن" إلى إسرائيل. وهي دولة حليفة. وطلب من وزرائه تخفيض مستوى التعاون مع ممثلي الدول ال14، وطلب منع سفراء الدول غير المقيمين من دخول إسرائيل، واستدعى سفراء إسرائيل من الدول، التي قدمت مشروع القرار للتصويت. حتى وصلت لوثة الجنون لفرض عقوبات إقتصادية وعسكرية على دول أوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا، حتى ليشعر المراقب، كأن إسرائيل، التي تعيش على دعم تلك الدول، بأنها هي من تبقي تلك الدول على "قيد الحياة"؟! يقلب الوقائع رأسا على عقب. والأخطر من ذلك، انه شن هجوما غير مسبوق على الأمم المتحدة، وإتخذ سلسلة من القرارات لمعاقبتها على تمرير القرار، كونه يشعر ان قراراته وعقوباته لن تجدي نفعا، ولن تفت في عضد الدول ، التي صوتت على القرار الأممي، فصب جام غضبه على المنظمة الأممية، على إعتبار أنها الحلقة الأضعف، وسيباشر في إتخاذ الإجراءات بعد تسلم الرئيس ترامب لمهامه كرئيس للولايات المتحدة، ومنها: اولا ملاحقة "الأونروا" (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، بهدف خنق المنظمة، لاسيما وانها هدف إسرائيلي قديم جديد؛ ثانيا إغلاق "لجنة فلسطين" في الأمم المتحدة، لإن الهدف من وجودها الحفاظ على الرواية الفلسطينية؛ ثالثا إلغاء كافة التعيينات لمن هم معادين لإسرائيل؛ رابعا وقف التمويل الإسرائيلي لكافة هيئات الأمم المتحدة، وغيرها من القرارات. فضلا عن المصادقة على بناء 5600 وحدة إستيطانية إستعمارية، وتلازم مع ذلك تجديد دعوات بينت وليبرمان لضم المنطقة  (سي) ووقف التنسيق مع السلطة باستثناء الأمني؟؟!!

إئتلاف نتنياهو اليميني المتطرف الحاكم فقد القدرة على التركيز، ولم يعد قادرا على رؤية المسائل بشكل هادىء، حتى تضخم مما أعماه عن رؤية مكانة إسرائيل المارقة بالنسبة للعالم. وتجاهل كليا، ان الأمم المتحدة، هي التي منحت إسرائيل الوجود، وان الغرب الأوروبي وخاصة بريطانيا وفرنسا والمانيا، من قدمت مقومات الوجود لإسرائيل، والولايات المتحدة، هي التي تمد إسرائيل بالحياة والغطرسة والجنون.وان إسرائيل، هي بحاجة العالم لا العكس. وإذا أعتقد أن إدارة ترامب ستحميه من غضب العالم يكون مخطئا جدا. وآن الآوان للعالم اجمع ان يهز العصا في وجه نتنياهو واقرانه من الإئتلاف المتطرف كي يستيقض على الحقيقة المعروفة. ويعرف حجمه الحقيقي وحجم دولته الإستعمارية في ميزان الدول والعالم ككل، ويقبل بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.