هذه المقالة ليست عن الإسرائيليين والأميركيين فقط، بل عن النظام الدولي:
من يقرأ ردود الفعل في الولايات المتحدة الأميركية على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن المستوطنات الإسرائيلية، لا يكتشف نوعا من الدعوة إلى ممارسة البلطجة أو التسلط، بأسوأ صورها وحسب، بل وأيضاً استعدادا لهزيمة وتدمير المنظومة الدولية التي رعت واشنطن إيجادها منتصف أربعينيات القرن الماضي.
يقول جون بولتون، السفير الأميركي السابق إلى الأمم المتحدة، في لقاء إذاعي، اقتبست منه صحف بينها "جيروزالم بوست"، "إنّ الولايات المتحدة يجب أن توقف أي تمويل تقدمه لفنزويلا وماليزيا، رداً على تأييدهما ودعمهما القرار المذكور". ودعا إلى استهداف الدول الأربع عشرة التي تبنت القرار. وقال: "أعتقد أنّ ما على إسرائيل فعله، مع إدارة ترامب المقبلة، هو القول "انظروا، سنعطي الجميع فرصة ثانية لمحو ما فعلوه، قوموا بإلغاء القرار، ومرروا شيئا مقبولا. وإلا فإننا سنتخذ خطوات تظهر عدم سعادتنا"". وبحسب "جيروزالم بوست"، فإنّ بولتون من المرشحين ليكون نائب وزير الخارجية الأميركي المقبل (كان اسمه مطروحا وزيراً للخارجية).
في الأثناء، يعد الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي، مشروع قرارات لشجب الأمم المتحدة. ويناقش الجمهوريون أيضاً إمكانية سن تشريع يقلل الدعم المالي الأميركي للمنظمة الدولية.
ربما يشكل هذا الهجوم على الأمم المتحدة، هجوماً مبطناً على منطق وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قال الأسبوع الماضي إنهّ من منطلق التزام إدارة باراك أوباما بإسرائيل وأمنها، فقد سعى إلى السلام في الشرق الأوسط. وقال كيري إنّه لا توجد إدارة قدمت دعما وتعاونت استخباريا مع اسرائيل، كما فعلت إدارة أوباما. ووصف بالتفاصيل كيف تسلق جبالا ووديانا، وطار في الأجواء، وسبح في البحر الميت، ليتابع ويفهم الأمن الإسرائيلي. وتحدث عن زياراته للضفة الغربية، ومعاناة الفلسطينيين ليحيوا "حياة روتينية". ولكن الأهم أنّه قال إنّ "البعض يعتقد أنّ الصداقة الأميركية (مع اسرائيل) تعني أن الولايات المتحدة يجب أن تقبل (السياسة الاسرائيلية)، بغض النظر عن مصالحنا، ومواقفنا، وكلماتنا، ومبادئناـ ورغم نداءاتنا مرة بعد أخرى، بعد أخرى، بضرورة تغيير هذه السياسة".
الواقع أنّ كيري ألقى خطابا غير مسبوق، فهو قال إنّ "أمن اسرائيل يحتاج ويتطلب نهاية كاملة نهائية للاحتلال". وكشف ما قاله له رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريز، قبل موته: "أعطي الفلسطينيون في الأصل (في قرار التقسيم) 48 بالمئة، والآن انخفضت لـ22 بالمئة. أنا أعتقد أن 78 بالمئة كافية لنا".
لم يتحدث كيري عن النظام الدولي وهو يحدد متطلبات أمن الإسرائيليين، بل عن أدنى الحدود الممكنة، في التعامل مع الفلسطينيين، ليكون السلام ممكناً. وهو ما يرفض "حكام" إسرائيل سماعه، وترفضه معهم كذلك شريحة واسعة من السياسيين الأميركيين، يقاسمون الإسرائيليين رفضهم، والأفكار الأخلاقية حوله، ويخلطون أفكاراً عن القوة وضرورة استخدامها مع معتقدات دينية وغير دينية عن حقوق إسرائيل والأميركيين في التميز عالمياً.
ما يدعو له بولتون ليس بعيدا عن أفكار ترامب؛ عن ضرورة أو إمكانية التخلي عن اتفاقيات المناخ العالمية، واتفاقيات أخرى. وبولتون، في أثناء عمله في الأمم المتحدة، عمل بالدرجة الأولى على تقليص عدد الاتفاقيات الدولية التي تدخلها بلاده، ورعى سحب توقيع الرئيس الأميركي من اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، ومن اتفاقيات تعود للعام 1972 تحد من نشر أنظمة الصواريخ. وهو معروف برأيه أنّ مصالح وسيادة بلاده لها الأولوية على المنظمات الدولية، ويدعو إلى استخدام التمويل الأميركي كأداة ضغط. فقال في مقالة العام الماضي إنّ دعم بلاده للأمم المتحدة يحب أن يكون طوعياً ومشروطاً "سندفع فقط لما نريد، وسوف نصر أن نحصل على ما دفعنا لأجله...". وقال يوماً: "لا يوجد حقاً شيء اسمه الأمم المتحدة".
هناك فريق متوثب في الولايات المتحدة، يتسم بسمتين أساسيتين: أولاهما، رفض القانون والمنظمات الدولية. وثانيتهما، التأييد الأعمى لإسرائيل (ربما لأنها تجسد خرق القانون الدولي). وبالتالي، نحن أمام عملية محتملة قد تستهدف تغيير العالم و"النظام" الدولي. لكن هذا قد يؤدي إلى ردة فعل حادة من قوى تراهن على الأمم المتحدة، وتفرض ردود فعل غير متوقعة.
عن الغد الاردنية