سورية: هدنة ما قبل الحل

هاني عوكل
حجم الخط

حظي قرار مجلس الأمن الدولي 2336 في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، بإجماع كامل من قبل أعضائه لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية والعودة المجددة إلى المسار السياسي باعتباره خلاصة الفعل العسكري ومفتاح تسوية الأزمة السورية التي تنهي قريباً عامها السادس.
القرار الذي قدمته كل من روسيا وتركيا، حظي بموافقة الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي استثنيت من اجتماعات مهمة دعت إليها موسكو كلاً من أنقرة وطهران من أجل وضع خريطة طريق لإنهاء الأزمة السورية، غير أن قرار مجلس الأمن يرتكز على بيان جنيف في الثلاثين من حزيران 2012.
يؤكد قرار مجلس الأمن على ضرورة وقف إطلاق النار والتزام أطراف النزاع السوري به، والمضي قدماً بإيصال المساعدات الإنسانية للسوريين المتضررين من جراء النزاع، كما يؤكد القرار على أهمية المضي في الحوار السياسي استناداً إلى مقررات جنيف.
عدم التدخل الأميركي لتعطيل القرار جاء على قاعدتين، الأولى تعكس ربما توجهاً في السياسة الخارجية الأميركية إزاء الملف السوري، كان قد حددها الرئيس المنتخب ترامب حينما قال إن أولويته تتركز في محاربة التنظيمات الإرهابية وإعادة النظر بشأن تقديم مساعدات للمعارضة السورية المعتدلة.
القاعدة الثانية تتعلق بقرار مجلس الأمن نفسه، إذ سيكون صعباً على الولايات المتحدة أن ترفع الفيتو في وجه القرار، لأن ذلك سيضعها في موقف محرج ويقدمها على أنها ضد المساعي الدولية المبذولة لتسوية الأزمة السورية، الأمر الذي دفعها للتصويت لصالح القرار والترحيب به لكن بنبرة «تفاؤلية حذرة ودعم مبني على الأمل» حسب قول نائبة المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ميشيل سيسون.
الآن ماذا بعد القرار؟ الملاحظ أن هدنة روسيا وتركيا هي الثالثة بعد هدنتين فشلتا العام الماضي، غير أن الهدنة الجديدة ترعاها موسكو وأنقرة، عكس الهدنتين السابقتين اللتين كانت ترعاهما كل من روسيا والولايات المتحدة، وهذا قد يعني أن هناك مصلحة روسية في إيجاد حليف قوي لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية غير واشنطن التي تململت منها موسكو بسبب عدم جديتها في تسوية الأزمة السورية.
إذن، يجوز القول إن الهدنة الجديدة تعكس مصالح لأطرافها، خصوصاً وأن القرار الذي دفعت به روسيا وتركيا إلى مجلس الأمن، يستثني تنظيم «داعش» المتطرف وجبهة النصرة، ويستثني أيضاً القوات الكردية التي تنظر لها أنقرة بحذر شديد، وتسعى للحد من تعظيم النفوذ الكردي في الشمال السوري المحاذي للجنوب التركي.
على أن قرار وقف إطلاق النار هذا لا يعني بالضرورة سكوتاً تاماً وصوماً عن النزاع العسكري، ذلك أن من مصلحة القوات الحكومية السورية مثلاً استكمال الإنجازات العسكرية التي حققتها خصوصاً في محور حلب، والدفع بتقزيم وتقليم أظافر المعارضة المعتدلة بهدف تحجيمها وإفشالها سياسياً.
من هذا نسمع كثيراً عن تبادل اتهامات حول الطرف المعطل لاتفاق وقف إطلاق النار، على الرغم من أن تركيا بذلت جهداً كبيراً للضغط على المعارضة المعتدلة من أجل الموافقة على تثبيت الهدنة والمضي بالمسار السياسي لجهة عقد مفاوضات في كازاخستان أواخر الشهر الجاري.
الذي دفع تركيا للدخول في وساطة مع روسيا من أجل تسوية الأزمة السورية، هو الخوف من التنظيمات الإرهابية المتطرفة واحتمال انتشارها في الأراضي التركية وبالتالي القيام بأعمال عدوانية، أضف إلى ذلك البعبع الكردي الذي يهدد الأمن والاستقرار التركي ووحدة وسلامة أراضيها.
ولذلك فإن روسيا ساكتة عن موضوع العمل العسكري التركي في شمال سورية، وتحديداً في منطقتي الباب ومنبج، وملاحظ أن الملف السوري يعكس تضارب المصالح الدولية ومساعي بعض الدول مثل تركيا لإيجاد نصيب لها في هذا النزاع الذي إذا لم تحسن إدارته فإنه سينعكس عليها بقوة، خصوصاً وأنها دولة حدودية مع سورية.
هذه الهدنة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة أيضاً، لأنها لا تعكس إلى الآن رغبة حقيقية في تسوية الأزمة السورية، خصوصاً عند أطراف النزاع السوري على الأرض، ولذلك وكما جرت العادة، يجري التحضير لأي مفاوضات سياسية مقبلة، سواء في العاصمة الكازاخية أستانة، أو في جنيف التي دعت إليها الأمم المتحدة في الثامن من شباط 2016.
القصد من ذلك أن أطراف النزاع السوري تحاول امتلاك أوراق وأدوات جديدة تمكنها من التمسك بمواقفها في أي مفاوضات سياسية، ولذلك فإن صمود المعارضة المعتدلة في بعض المناطق التي تسيطر عليها سيجعلها تتمسك بمطالبها خصوصاً الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد.
أما القوات الحكومية السورية كلما تضغط على المعارضة المعتدلة كما حصل في حلب، فإنها تكون قريبة من فرض شروطها المتعلقة تحديداً بترتيبات مرحلة الانتقال السياسي التي تضمن لها بقاءً في السلطة، ولذلك يمكن القول إن أطراف النزاع السوري تسعى من مواقعها لاستثمار الهدنة في تحصين أوضاعها وتعزيز نفوذها العسكري.
وفي حال بقيت الولايات المتحدة الأميركية بعيدة عن الدخول في تفاصيل الأزمة السورية، فإننا بالتأكيد سنكون قريبين من موعد تسوية الأزمة السورية، لكن من المستبعد الحديث عن أن واشنطن ركنت إلى مسألة احتكار روسيا للملف السوري، وبالتالي يمكن قراءة الموقف الأميركي من سورية بعد استلام ترامب مقاليد الحكم.
إذن، وبالنظر إلى التغيرات في ميزان القوى العسكري، لا يمكن اعتبار العام 2017 نسخة عن العام الذي قبله، على الرغم من أن 2016 كان أكثر الأعوام دماراً وتأثيراً سلبياً على السوريين، غير أنه أسس لعام جديد سيتركز على الجهد السياسي الذي يأتي محصلة للفعل العسكري على الأرض.
ومن هنا لا يزال الأمل كبيراً في كون العام 2017 هو عام تسوية الأزمة السورية، خصوصاً وأن الدول الأوروبية بدأت تفقد حماستها في إمكانية تسوية هذه الأزمة بناءً على مصالحها، وتدرك أيضاً أن إطالة النزاع لا يعكس بأي حال من الأحوال مصلحة بالنسبة لها وهي المكتوية بنار الإرهاب الذي يطالها بين الوقت والآخر.
النزاع السوري قاب قوسين أو أدنى من الحل، بصرف النظر عن طبيعة هذا الحل إن كان حقيقياً أو يتعكز على إرادة هشة، لكن الوقائع تذهب إلى أن الفعل العسكري في سورية هو الذي سيحسم النزاع وهو الذي سيقود إلى مرحلة جديدة من الفعل السياسي عنوانها بقاء النظام السوري في السلطة. هكذا يقول الواقع.