عشيّة صدور قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أدان الاستيطان وأكد عدم شرعيته، وبعد اتخاذ المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً نهائياً بإخلاء البؤرة الاستيطانية المسماة «عمونا» والمقامة على أراض مغتصبة كباقي مستوطنات الاحتلال... ثار العنصريون والمتطرفون فيما يُطلق عليه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مطالبين بالانتقام.
ديمقراطيات العالم لا تتحدث بلغة الانتقام باستثناء ديمقراطية إسرائيل القائمة بالأساس على مبادئ عنصرية وقوانين إجرامية في الوقت نفسه.
الانتقام لم يكن شعاراً مقتصراً على ما يسمى «فتيان الجبال» أي قيادات العنصرية الصارخة في إسرائيل، ولا على مسؤولي التجمعات الاستيطانية، وإنما امتد إلى القيادات السياسية الإسرائيلية وعلى رأسها نتنياهو، الذي دعا إلى سياسة هدم جماعية وعقوبات تطال مختلف القطاعات الفلسطينية، انتقاماً من نقل «عمونا» (ليس نقلها إلى المريخ) إلى منطقة لا تبعد سوى 200 متر عن الموقع الأول مع «تبييض» هذه البؤرة، وتعويض سكانها غير الشرعيين (حسب المسميات الإسرائيلية) بملايين الدولارات، لأنهم فقط سينتقلون إلى قطعة أرض مجاورة لا تتجاوز المسافة بينها وبين البؤرة المخلاة مسيرة 3 دقائق. أما بعد قرار مجلس الأمن فإن الهجمة العنصرية الإسرائيلية ازدادت وتكثّفت.
نتنياهو أوعز شخصياً إلى الشرطة الإسرائيلية بتسريع عمليات الهدم في مختلف المناطق الفلسطينية دون استثناء بما فيها المناطق المصنفة «أ»، خاصة ما يخص منازل الأسرى المتهمين بتنفيذ عمليات مسلحة.
حجم الانتقام النتنياهوي كان مفاجئاً حتى للشرطة الإسرائيلية التي ردّت بأنها تنفذ أوامر محكمة وليست هي صاحبة الاختصاص. أما رئيس بلدية الاحتلال في القدس فأصدر الأوامر فوراً ببدء عمليات هدم المنازل الفلسطينية المقامة «دون ترخيص»، وكأن الاحتلال يفتح باب الترخيص أمام المقدسيين.
مجازر الهدم الإسرائيلية تكثّفت مع بداية العام الجديد. نحن في الأسبوع الأول من العام 2017، ومنذ مطلعه هدمت قوات الاحتلال بناءً على أوامر عليا إسرائيلية عشرات المباني، أكثر من 65 مبنى في المنطقة المصنّفة «ج»، إضافة إلى 7 آبار مياه هدمت في يومين وشرد خلالهما 151 مواطناً فلسطينياً بينهم 70 طفلاً؟!!.
كما هدمت قوات الاحتلال مباني خربة طانا بشكل كامل، علماً أن عملية الهدم هذه ليست الأولى التي تطال منازل الخربة.
جرافات الاحتلال دمرت 49 مبنى في الخربة، حتى الكهوف التاريخية لم تسلم من الانتقام الإسرائيلي، فقامت الجرافات بتدمير الكهوف التي استخدمها الأهالي كمأوى في ظل سياسات الاحتلال الإجرامية.
في بلدة تقوع هدمت 7 آبار الأربعاء الماضي من بينها بئر يزيد عمرها على 25 عاماً! ما يعني سياسة تهجير وتعطيش.
أما في منطقة الأغوار، فمطاردة قوات الاحتلال والمستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين لم تتوقف، وإنما ازدادت وتيرتها تحت مسميات عدة، منها، التدريبات العسكرية، وإعلان مساحات واسعة من الأراضي أماكن مغلقة، والإقامة في «أراضي الدولة»، ومنها مناطق مصادرة للتوسع الاستيطاني.
في الأغوار البشر والمواشي والأرض يعانون، حتى الآلات الزراعية لم تسلم من انتقام حكومة نتنياهو، فما يسمى إدارة الاحتلال المدنية تحتجز منذ عدة أسابيع أكثر من 11 جراراً وآلة زراعية لمزارعين في الأغوار الشمالية تحت حجج واهية، وتطالب بغرامات مالية كبيرة لإعادتها، مشترطة على أصحابها عدم استخدامها في حراثة أراض زراعية، لا ترغب سلطات الاحتلال في أن تكون مصدر دخل للعائلات التي تملكها.
مع بداية هذا العام، سلمت قوات الاحتلال عشرات الإخطارات بالهدم ووقف بناء وشق طرق في الضفة الغربية.
أمام هذه المجازر التي تستهدف المنازل الفلسطينية، وتأتي انتقاماً لقضايا سياسية، من الواجب على السلطة الفلسطينية أن تتحرك بسرعة لوقف سياسة الانتقام العنصرية التي يتزعمها نتنياهو وقيادة حكومته، واتخاذ إجراءات شعبية للضغط على سلطات الاحتلال لوقف مجازر الهدم والتدمير في الضفة والقدس المحتلة، حتى لا تصبح سياسة الانتقام هذه أمراً واقعاً جديداً نتكيّف معه، كما حصل مع اعتداءات كثيرة سابقة للاحتلال لم تواجه سوى ببيانات الإدانة والاستنكار التي لم تعط أي نتائج... ولنتعلم درساً من الأسرى الذين خاضوا معركة الأمعاء الخاوية... لعلنا نجد نموذجاً شعبياً للمقاومة قادراً على وقف هذه المجازر الإسرائيلية.