المتابع عن قرب للشأن السياسي الفلسطيني، بإمكانه أن يتنبأ إن كان انعقاد اللجنة التحضيرية التي دعا إليها رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، سيؤدي إلى تحسين المناخ الوطني الداخلي، وخطوة نحو البدء بتطبيق المصالحة، أم إنه سيشكل عقبة كبيرة تدفع الانقسام نحو متاهات جديدة.
لم يكن أمام حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، سوى القبول بالمشاركة في اجتماعات اللجنة التحضيرية، خاصة بعد أن تم تجاوز عقدة المكان، حيث تشكل بيروت حاضنة مقبولة للجميع، هذا بالإضافة إلى أن الحركتين تعوزهما المبررات المنطقية المقبولة، في حال قررتا رفض المشاركة؛ حيث سيبدو ذلك على أنه مؤشر غير إيجابي إزاء الحاجة لدفع المصالحة الوطنية.
على أن المشاركة في اجتماعات بيروت لا تحمل دلالة استعداد الحركتين لأن تواصلا المشاركة في كل الخطوات السابقة التي تبدو على أنها تلبي الحاجة لإعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية، ابتداءً من أهمها وهي منظمة التحرير الفلسطينية، ولم شمل التمثيل الفلسطيني.
كان من الفروض أن يكون قد بدأ حوار وطني جامع قبل موعد انعقاد اللجنة التحضيرية للاتفاق على الخطوات اللاحقة، والأهداف المرجوة، لكن من بيده القرار ينطلق من دوافع أخرى، ليس من بينها التخلي عن التحكم في القرار الفلسطيني، أو التوصل إلى شراكة حقيقية من شأنها أن تشكل تحولاً تاريخياً على وفي جسم المؤسسة الوطنية.
قيل إن حركة "حماس" تشترط أو تأمل في أن تحصل على نسبة 40% من عضوية المجلس الوطني، هو شرط قديم، طرحته الحركة في ثمانينيات القرن الماضي حين لم تكن تملك الوزن الجماهيري والسياسي الذي تملكه الآن.
من حق "حماس" أن تفكر بهذه الطريقة كما من حق أي فصيل فلسطيني أن يحترم ويقيم وزنه، طالما أنه لا مجال لسبب أو آخر الاستناد إلى نتائج صندوق الاقتراع. عند الدخول في تفاصيل تشكيلة المجلس الوطني، تصطدم مطالبة "حماس" بجواب يقول: إن حركة "فتح" لا تملك هذه النسبة في تراكيب المجالس الوطنية المتعاقبة.
إذا كانت "حماس" تطالب بنسبة 40% ومثلها "فتح"، والبقية للفصائل، فإن المجلس الوطني لن يكون وطنياً، حيث سيتم إبعاد المستقلين، وممثلي النقابات والمجتمع المدني ومؤسسات الشعب الفلسطيني. وأيضاً كانت "فتح" صاحبة الأغلبية الشعبية والمطلقة في عضوية المجالس الوطنية، وحتى في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، لكن مصدر هذه الأغلبية لم يكن ناجماً عن النسبة الرسمية لحركة "فتح" كأكبر الفصائل الفلسطينية، سواء في زمن غابر أو في هذا الزمان. رسمياً "فتح" ممثلة في اللجنة التنفيذية للمنظمة بعضوين، بالإضافة إلى رئيسها، لكن هذا التمثيل الرسمي المحدود، لم يكن يوماً ليمنعها من أن تكون صاحبة القرار نظراً لتركيبة اللجنة التنفيذية التي تتشكل من ممثلي الفصائل والمستقلين.
هكذا ستبدو مطالبة "حماس"، على أنها نسف كامل لتركيبة المنظمة وهو أمر غير مقبول البتة من قبل الفصائل الأخرى، ما يضع الحركة أمام خيارين صعبين، فهي إما تقبل الالتحاق والانخراط في مؤسسات المنظمة من موقع ثانوي حتى لو كان بعدد من الممثلين أكثر من بقية الفصائل ما عدا "فتح"، وإما أن ترفض فتكون سبباً في تعطيل مسيرة إعادة بناء الوضع الفلسطيني.
هذه الحسبة غير موجودة بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي التي لا ترى أن ثمة ما يميزها على نحو واضح عن فصائل أخرى، حتى ترفع مطالبها إلى الحد الأدنى الذي يدفعها إلى مأزق الخيارات المغلقة.
في الواقع ليست حركة "حماس" وحدها التي ستواجه مأزق الخيارات المغلقة، فحين يتقرر عقد جلسة المجلس الوطني في رام الله، وعبر تقنية الفيديو كونفرنس، لمن لا يستطيعون الحضور وهم كثر، فإن الفصائل التي أعلنت رفضها للمكان ستجد نفسها في مأزق، ذلك أنها ستجد نفسها أمام قرار: إما المقاطعة وإما المسايرة والقبول بما سيأتي لاحقاً من خطوات.
ثمة مغامرة كبيرة في أن تشترط فصائل في المنظمة تغيير مكان انعقاد المجلس لضمان مشاركتها، فيما هي تعرف أنه لا مجال لدى صاحب القرار لأن يقبل بشرط تغيير المكان، ولكل أسبابه. السؤال المؤجل الذي ينتظر هذه الفصائل هو: هل ستنفض يدها واعترافها بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، في حال لم تعجبها الخطوات اللاحقة أم أنها ستقبل بتهميش نفسها.
من الطبيعي أن هذه الدورة للمجلس الوطني ستنعقد بعضويته الحالية التي تتجاوز السبعمائة عضو، بعد أن تم إغراق المجلس بعضويات كثيرة في العام 1996، على خلفية استغلال المجلس كفرصة للحصول على الرقم الوطني.
مع هذه العضوية الواسعة جداً، سيكون من الصعب إدارة حوار ونقاش حول جدول أعمال كامل، والأرجح أن النوايا لا تتجه لأن تكون دورة المجلس الذي ينعقد بعد ثمانية وعشرين عاماً، كما كانت الدورات السابقة.
صحيح أن المجلس عقد دورة بغزة في العام 1996، لكنها كانت مخصصة للنظر في تغيير بعض بنود الميثاق الوطني كتلبية لأحد اشتراطات "أوسلو"، ومن قبل لتلبية اشتراطات أميركية أعقبت انعقاد دورة المجلس في الجزائر في العام 1988.
باختصار فإن الدافع لعقد دورة المجلس الوطني، هو إجراء تعديلات وتغييرات على تركيبة المجلس المركزي، وعلى نحو خاص اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. في المجال السياسي لا مجال لقبول حركة "فتح" بمناقشة أي شيء خارج عن إطار البرنامج الذي تقدم به الرئيس محمود عباس أمام المؤتمر السابع للحركة وتمت الموافقة عليه بالإجماع.
كيفما قلبت الأمور، فإن الخطوات اللاحقة المترتبة على اجتماع اللجنة التحضيرية لن تخرج عن الوجهة التي يرسمها الرئيس عباس، والأهداف المطلوب تحقيقها، ما يعني أن الساحة الفلسطينية مقبلة على المزيد من التوتر في العلاقات الداخلية، ونحو تعميق الانقسام، وإضافة المزيد من العقبات أمام إمكانية تحريك قطار المصالحة المتعطل منذ ثماني سنوات.
في المحصلة، فإن ما يجري منذ كثير من الوقت يبين الفارق بين أصحاب الخبرة الطويلة، والحنكة في إدارة الأوضاع الداخلية وبين محدثي التجربة، الذين ما أن يخرجوا من مطب حتى يقعوا أو يوقعهم أصحاب الخبرة في مطب آخر قد يكون أصعب.